جنون الشعوذة.. ذيل الفأر- جناح الذباب ومخ النمل

اكابريس انفو
يذهل المتجوّل عبر الدكاكين والأسواق الشعبيّة الأسبوعية واليومية في عموم المدن، بممارسات الاحتيال والنصب التي يعرفها عالم الشعوذة والسحر واستغلال ذوي النفوس الضعيفة لتحقيق أمنياتهم من زواج ونجاح ومناصب عمل وحتى العلاج وغيرها، حيث وجد المشعوذون والسحرة مهنة الربح السريع وسط هذه الأماكن العموميّة واصطياد الضحايا بكل سهولة، وهو الأمر نفسه الذي تعيشه أغلب الأحياء الشعبية القديمة ويتفنّن المشعوذون في عمليات النصب واستغلاله لأي شيء مقابل إقناع الضحية.
آخر ما استحدثه المشعوذون لتزويج من يرفض النصيب طرق بابها، تعليق ذيل فأر لمدة ثلاث ليال متتالية في قطعة قماش سوداء، بعد أن يكتب اسم الفتاة والشخص الذي تريد الاقتران به بالذيل لحظة فصله عن جسم الفأر. وتقدّر تكلفة هذا “الترياق” ما بين 5 آلاف و7 آلاف دينار دون احتساب أتعاب “الزعيم أو الطالب كما يسمى بتبسة، وهي القيمة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنزل عن 2000 دج.
الغسل بمنقوع جناح الذباب للظّفر بوظيفة
وفقا لروايات الضّحايا، فضّل أحد المشعوذين استخدام جناح الذباب الذي يوضع في خليط من ماء زهر والشبّ، لغسل اليد اليمنى ليلة الالتحاق بمسابقة توظيف مقابل 10 آلاف دينار، لتبقى باقي الأمنيات بما فيها المستحيلة تسند لأعضاء حيوان الضباع مقابل مبالغ ضخمة.. وربّما ما زاد الطين بلّة هو تحقّق هذه الأمنيات صدفة في الكثير من الحالات وهو ما شجع الأمر.
كما وجدت تجارة الأعشاب الطبيّة نفس الاتجاه أمام استغلال البائعين لجهل المواطنين، لاسيما النساء منهن للنصب عليهم، عن طريق استعمال أي عشبة معلومة أو مجهولة مقابل تحقيق أي مطلب ربّما تسأل عنه الضحيّة، وربما لم يتفطن البائع إلى اعتماده لعشبة ما مقابل تحقيق أهداف كثيرة كالتداوي أو استغلالها للزواج بعد استعمالها لمدة سبعة أيام متتالية، وهي طريقة يرى الفاعلون أنها تسهل إقناع الضحية في أقل وقت ممكن وعن طريقها تحقيق ربح سريع، رغم أنها غير موجودة إطلاقا.
وخير دليل على ذلك ما وقع في إحدى الصائفات بمنطقة خنشلة، بعد أن لفظت عجوز من قايس أنفاسها بمنزل مشعوذ أو ساحر وهو بصدد رقيتها أو وصف علاج لها، ووقفنا على قضايا ربما لا يصدقها القارئ، غير أنها حقيقة نقلها عدد من الضحايا، كانوا فريسة للنصب والاحتيال وعلى يد مشعوذين ومقابل مبالغ مالية جد معتبرة.
أولها كانت الفتاة “هناء/ ب” 26 سنة مقيمة ببلدية مرسط، أقدمت على بيع كل مجوهراتها التي ورثتها عن أمّها مقابل تمكينها من الزواج من رجل أعمال، حيث استغلّ مشعوذ صاحب محل لبيع الأعشاب مشكلتها وراح في كل مرة يصف لها وصفة، آخرها كانت استعمال دم الفأر في كتابة اسمها واسم عشيقها على قطعة قماش سوداء باستعمال الذيل لحظة فصله عن الجسم.
وتقول هناء إن الأمور لم تجر كما أرادت، في حين تؤكّد هاجر من منطقة العوينات أنها تمكنت من الظفر بابن خالتها كزوج رغم معارضته الفكرة، حيث أن الدم وذيل الفأر حقّق لها أمنيتها، وربّما حدث ذلك عن طريق الصدفة. وتلجأ الكثير من الطالبات وحتى الطلبة إلى البحث عن النمل لاستغلال المخ عشية الامتحان الذي يُكرَم فيه المرأة أو يُهان، بعد أن روّج لها أحد المشعوذين ببلدية بئر مقدم، وغيرها من قصص وروايات يعجز العقل عن تصديقها. ويسجل أحد العشّابين في العقد الرابع من عمره، توافد الكثير من الأشخاص خاصة الشباب منهم بحثا عن سبل الظفر بمنصب عمل، وهو ما يستغله العشاب وينصب عليهم مقابل مبالغ ضخمة، بعد أن أوهمهم بضرورة استعمال مسحوق مائي يتكون من ماء زهر ومادة الشب وكذا جناح الذّباب تسلم لهم بمقر منزله.
شيخ يعضّ الناس منذ 47 عاما
قيل لنا إنه يوجد بحي العالية وسط مدينة بسكرة شيخ في الستينات من العمر، يعالج مرضاه عن طريق العض باستعمال أسنانه التي استبدلها بأخرى من معدن العاج والفضة، فانتابنا الشك للحديث الذي استقيناه من أحد معارف عمي علي عباد، الذي هو في الأساس أحد المرضى الذين تماثلوا للشفاء بعد عضات الطبيب التقليدي، الذي يقطن بما يعرف محليا بمرتفعات حي العالية الشعبي. وبالفعل انتقلنا إلى هناك وسألنا عنه فدلنا أحد جيرانه على مقر إقامته فإذا به بيت من طابقين، انتظرنا لحظات حتى جاءنا طبيبنا الذي بدا منذ الوهلة الأولى أنه إنسان مرح واجتماعي تبادلنا التحية ودعانا للدخول إلى “الكابينة” المتواجدة في بيته الذي اتخذه كعيادة تقليدية لمعالجة زائريه من المرضى بمساحة إجمالية لا تتعدى 20 متر مربع، يتوسطها حبل يقسم المحل إلى نصفين الأول لاستقبال الزوار من زبائنه وبه مقاعد خشبية للانتظار، والنصف الثاني الذي يتواجد به سرير يستلقي به المريض ليباشر عمي علي معالجته بالعض على المكان الذي يعاني من الآلام.
صرحنا في بادئ الأمر أننا مرضى فسألنا عن مكان وأعراض المرض، لكن دبلوماسيته في الكلام وطريقة ترحيبه بنا دفعانا للتصريح بأننا صحفيين قادنا فضولنا الإعلامي له.. فانطلق في سرد مسيرته مع العلاج التي بدأت منتصف الستينات من القرن الماضي، عند تنقله لأحد أطباء الأسنان بمقر إقامته سابقا بمدينة تبسة قصد العلاج، وقتها تفطن الطبيب أن عمي علي يملك خمسة أسنان أمامية بزائد واحدة عن المألوف لدى عموم الناس وهو ما استغرب له الطبيب الذي أكد لعمي علي أن السن الزائدة لها حكمة.
وكانت بداية العلاج مع شقيقه الذي يمتهن الفلاحة والأعمال المتعبة من “الحمالة” وغيرها، فكثيرا ما يشتكي من آلام الظهر والمفاصل فطلب عمي علي من والدته أن يعالج أخاه بالعض لمدة ثلاثة أيام وهو ما حدث وامتثل شقيقه للشفاء، فكانت المغامرة ناجحة وانطلق عمي علي في مسيرته الطبية في العلاج بالعض منذ ذلك الوقت. وبعد نجاح التجربة الأولى عاود عمي علي التجربة مع آخرين في مدينة تبسة، فاكتشف أن في أسنانه حكمة رزقه الله بها يتخذها سببا في شفاء المرضى دون طلب مقابل مادي عن عملية العلاج التي يقصده زبائنه المرضى من ولايات مجاورة بعد نجاح العلاج الذي يقدمه لمرضاه الذين يبلغون عنه للآخرين، محدثين إياهم عن تماثلهم للشفاء بعد خضوعهم للعلاج عن طريق عضات يتلقونها من شيخ كبير، لكن انتقال عمي علي رفقة عائلته للإقامة ببسكرة في السبعينات زاد من شهرته وتوافد عليه المرضى من كل جهات.
وازدادت شعبية المعني بين المرضى الذين توافدوا عليه من كل ربوع الوطن، مؤكدا خلال حديثه توافد مرضى من دول تونس وليبيا ومغتربين جزائريين بفرنسا جاؤوا خصيصا للعلاج في عيادته المتواضعة، حيث يستخدم الماء الذي يضعه في إناء بلاستيكي كبير وسيلته للعلاج بغسل رجلي المريض، بعدها يستلقي المريض كاشفا عن المكان الذي يعاني من الآلام لينطلق علي في (البصق) عليه وعضه، حيث يؤكد عمي علي أن فترة العلاج ينبغي أن تمتد لثلاثة أيام متتالية لا يقوم خلالها المريض بعملية الاستحمام حتى نهاية العلاج. وفي شأن الأمراض التي يختص عمي علي بمعالجتها، فإنها تتفرق بين ما يسمى بعرق الأسى وآلام المفاصل والعمود الفقري، وآلام أخرى في أنحاء متفرقة من الجسم.
كما أكد عمي علي تلقيه لعروض العمل بالخارج من مغتربين جزائريين، اقترحوا عليه التنقل للعمل بدول أوروبية وعربية، لكنه رفض ذلك من الأساس مؤكدا أن غايته لا تعدو أن تكون خيرية ومساعدة المرضى على تجاوز محنهم ومعالجة آلامهم، مصرا على استمراره في العلاج بالمجان فهو لا يطلب مقابلا إلا من أصر على منحه مبلغا ماليا نظير استشفائه بطريقته الخاصة، وختمنا زيارتنا لعمي علي الذي ألمح إلى طموحه في التفاتة رسمية من وزارة التضامن الوطني لتكريمه وإفراده بشهادة، قال إنه ينتظرها مقابل العمل الذي يقوم به في علاج مختلف أنواع الآلام.
الآلاف مرتهنون بتوابع القبور والأشجار والمواقد
وحسبما أكده الشيخ نور الدين، يقع آلاف الجزائريين ضحايا نصب واحتيال السحرة يوميا، مشيرا إلى وجود 5 مشعوذين على الأقل على مستوى كل دائرة، يتردد عليهم مئات الأشخاص بمعدل 10 أشخاص يوميا على الاقل، وتصل درجات السحر إلى حد القتل.
ويؤكد الشيخ نور الدين أنّ أخطر أنواع السحر هو المغربي، حيث نشر اليهود السحر لدى انتقالهم إلى هذه المنطقة للسيطرة على منطقة المغرب العربي وقاموا بنشره في لبنان للسيطرة على منطقة المشرق العربي، مضيفا أنّ السحر ينتشر في منطقة الصحراء بكثرة، حيث يعتمد أغلبية سكان هذه المنطقة على “حروز” قصد حمايتهم.
وأكد محدثنا أنّ سحر تعطيل الزواج يتواجد في الصدارة، حيث يعمل خادم السحر في هذه الحالة كل ما في وسعه حتى ترى المخطوبة خطيبها في أقبح صورة، أو أن يجعل الخاطب يرى من المخطوبة ما يكره من شكل أو تصرف، أو يوسوس لهما بعدم التكافؤ بينها أو يزهد المرأة أو الرجل عن الزواج دون سبب، وقد يرفض أهل الخاطب أو المخطوبة دون سبب منطقي.
وليس بالضرورة أن يكون خادم السحر مربوطا في جسد المسحور، بل قد يكون تأثيره من الخارج بالتخيل والوسوسة إضافة إلى سحر التفريق، حيث يعمل خادم السحر على التفريق بين الزوجين أو شريكين أو جارين وغيرهم إضافة إلى سحر التخيل، سحر الخمول، سحر المرض، سحر المحبة، سحر الجنون، تعطيل الزواج عن طريق الجن العاشق، سحر الانتقام، شيطان التابعة. وحتى يتم انتزاع أي من هذه الأنواع، يجب أن تندرج ضمن هذه الطائفة من السحر وهي: السحر المأكول، المشروب، المعقود، المدفون، المعلق، المشموم، المنثور، المرشوش، المقروء عن طريق العزائم والأقسام، وعادة ما يتم عن بعد عن طريق صورة المسحور أو صورة الأب، ويتم اختيار نوع السحر بحسب برج المسحور، مشيرا إلى وجود السحر الذي يتجدد.
تزوج من غيرها فربطته ليلة زفافه
يقع العديد من العرسان في السحر، وهو ينشط في ليلة الزفاف وتكون تأثيراته واضحة، فإما أن يصيب العريس أو عروسه أو يطال الاثنين معا، وهدف السحر أن لا يوفق العروسان بالدخول، وهناك من يستمر هذا الحال معهم أسبوعا، وهناك من يستمر معهم شهرا أو عدة أشهر، وهناك من يستمر هذا الوضع معهم سنة أو أكثر.
ويلجأ بعضهم إلى الأطباء، فيأخذون الحقن المهدئة والمقويات ولكن دون جدوى، وهناك من يصبر، وهناك من يرى أنه متضرر ويرى أنّ الحل هو الطلاق، وبعدها يقوم كل طرف باتهام الطرف الآخر بأنّ العيب فيه، وهو الأمر الذي حدث لـ (كريم. م) 30 عاما حسبما روت لنا والدته التي أكدت انها اكتشفت أن ابنها مسحور بعد 3 أشهر من الزفاف، حيث لم يتمكن من الاقتراب من زوجته التي بقيت صامتة إلى أن أدركت تقول أنّ “ابني يعاني من مشكلة حقيقية”. وأضافت والدة كريم قائلة: “ذهب ابني في بادئ الأمر إلى الطبيب غير أنّ المشكل استمر لفترة حتى جاءت إلى منزلنا إحدى صديقات ابني وأخبرته أن صديقته السابقة حضرت له سحرا ودفنته في إحدى المقابر، عندها حاول ابني الاتصال لكنه علم أنها غادرت الوطن نحو فرنسا”.
أخذوه من عائلته وأطعموه كسكسا مفتولا بيد ميت
حتى يخمدوا مشاعره اتجاه والدته، أقدمت عائلة الطفل “أرزقي” على انتزاعه من والدته وهو يجهش بالبكاء لفراقها، ليقوموا بعد ذلك بإطعامه كسكسا مفتولا بيد ميت حتى تموت مشاعره اتجاه أمه وهو ما حدث بالفعل. فبعد 20 سنة من الحادثة، لم يفهم أرزقي الذي أصبح رب عائلة اليوم ما حدث له في صغره وسبب عدم اكتراثه بوجود والدته التي ما انفكت تبحث عنه، إلى أن جاء اليوم الذي اخبرته عمته بالحقيقة عندما أدركت أنها مصابة بمرض خطير وقد تموت في أي لحظة، غير أنّ الوقت كان قد فات لأنّ والدته كانت قد توفيت.
عن الوسط