حسن أرسموك: أسطورة الغناء الأمازيغي الذي أضاء الساحة الفنية وأعاد إحياء التراث السوسي ليظل خالداً في قلوب الأجيال …بقلم باسين عبد العزيز
بقلم باسين عبد العزيز
الفن هو رسالةٌ عبر الزمن، تحيا في ذاكرة الشعوب، وتظل ترن في آذان الأجيال. ومن بين الفنانين الذين خلّفوا أثراً لا يمحى في الساحة الفنية السوسية، يأتي الفنان الكبير حسن أرسموك، الذي استطاع أن يعيد إحياء أمجاد الأغنية الأمازيغية بطريقة فريدة من نوعها.
في تسعينات القرن الماضي، كان صوت حسن أرسموك يتردد في كل أرجاء الجنوب المغربي، حاملاً معه نبض المجتمع وقضايا الناس. كانت أغانيه تجسد تجربة فنية عميقة، معبرة عن هوية وجذور تعود لعقود من التاريخ والتقاليد. أغنيته الشهيرة “واك واكا ابابا نوو كار احبيبي” كانت بمثابة نغمة يرددها الصغير والكبير على حد سواء، ملهمة أجيالاً من عشاق الموسيقى.
لم تكن أغاني حسن أرسموك مجرد كلمات وألحان عابرة، بل كانت ثورة فنية حقيقية. بفضل براعته في نقل المشاعر والأفكار عبر كلمات بسيطة ولكنها عميقة، استطاع أن يفرض نفسه كنجم لا يُنسى في مجال الغناء الأمازيغي. كان لفنه تأثير كبير على العديد من الشركات الفنية التي استفادت من إنتاجاته الموسيقية، وكان الكاسيت الذي يحمل أغانيه يباع بأعداد هائلة في جميع مناطق المغرب.
كانت حفلات الأعراس، والمهرجانات، والمواسم الفنية التي يحييها حسن أرسموك أحداثاً ينتظرها الجمهور بشغف، إذ كان لصوته المميز وقدرته الفريدة على التواصل مع الجمهور دور كبير في نجاح تلك المناسبات. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لعقود من العمل الجاد والالتزام بالفن.
لكل فنان طريقته، ولكل فنان مدرسته. والمدرسة التي استوحى منها حسن أرسموك هي مدرسة سعيد اشتوك، التي كان فيها تلميذاً متعلماً نهل من فنونها وإبداعاتها. عاشر حسن أرسموك عدة فنانين بارزين، وكان له الفضل في إدخالهم إلى الميدان الفني الأمازيغي. حسن كان في عصرٍ إن لم تكن فيه فناناً بحق، فلن يكون لك نصيبٌ في المنصة ولا في الغناء. كان عليه أن يثبت جدارته بأدائه وإبداعه ليستحق مكانته بين عمالقة الفن.
بهذه الطريقة، لم يكن حسن أرسموك فقط مغنياً، بل كان أيضاً معلماً وقائداً فنياً للعديد من المواهب التي برزت في تلك الحقبة. الفنان سعيد اوتجاجت، الذي يعتبر واحداً من أبرز الفنانين الذين تأثروا بحسن أرسموك، أكد في مناسبات عدة أن حسن كان قدوة له منذ البداية. كما أن العديد من الفنانين مثل الفنان الحسين امراكشي وكذلك الفنان آسياخ، كانوا يرافقون حسن أرسموك في جميع حفلاته، مستفيدين من خبرته وموهبته الكبيرة.
حسن أرسموك لم يكن فقط مغنياً، بل كان مدرسة فنية متكاملة، استطاع من خلالها أن يثري الساحة الفنية بأغانٍ خالدة، وأثرى تجربة العديد من الفنانين الذين ما زالوا يحملون رسالته الفنية إلى يومنا هذا.
بعد فترة من الغياب، عاد حسن أرسموك ليحتل مكانته المستحقة في المهرجانات والمناسبات الفنية الكبرى. هذه العودة ليست فقط تكريماً لفنه، بل هي تأكيد على أن ما قدمه لا يزال حيّاً في ذاكرة الجمهور. فالفن الأصيل لا يموت، بل يبقى محفوراً في قلوب الناس وعقولهم، يحيي ذكريات جميلة ويجدد الأمل في مستقبل أفضل.
إن حسن أرسموك ليس مجرد فنان عادي، بل هو رمز للغناء السوسي، وأيقونة من أيقونات التراث الثقافي الأمازيغي. إرثه الفني سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، يذكرنا دائماً بأن الفن الحقيقي هو الذي ينبع من القلب، ويتحدث بلسان الناس، ويعيش في وجدانهم إلى الأبد.