أعمدة

“صديقتنا أمريكا”

timthumb222

الصحفي أحمد هبان :مقدم برنامج الفضاء الرياضي

“صديقتنا أمريكا” … كلمة ظلت لعقود طويلة يتبجح بها، ديبلوماسيونا ووزراؤنا وأصحاب القرار في بلادنا بعد كل إطلالة لهم أو خرجة إعلامية من خرجاتهم الشهيرة والنادرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بمشكل الصحراء، بل إنهم صاغوها في مقرراتنا الدراسية، وتلقفناه بدورنا ببراءة تلميذ صغير لا حول له ولا قوة سوى أنه يؤمن بأن كل ما يقوله المعلم الجليل هو صائب ولا يحتاج للمجادلة كيف لا وهو من قيل في حقه كاد أن يكون رسولا، فأصبحنا بدورنا نردد هذه “الخزعبلات”في كل زمان ومكان، وفي كل مرة نستحضرها كانت تحضرنا صورة أساتذتنا ومعلمينا سامحهم الله وهم يرددونها على مسامعنا بنخوة وكبرياء وكأن لسان حالهم كان يقول “ارفع رأسك فأنت مغربي صديق الأمريكي”…فكانوا يذكروننا في كل مرة بأن المغرب هو أول بلد في العالم اعترف بدولة أمريكا العظمى بعد انجلاء الاستعمار البريطاني، وأننا نحن من رفضنا مد بد العون لهتلر خلال الحرب العالمية الثانية بعدما طلب ذلك على حساب “صديقتنا أمريكا” بل إننا انخرطنا مع هذه الأخيرة رفقة حليفتنا الأخرى فرنسا وجندنا مئات المغاربة في صفوفهم من أجل كسر شوكة جيش هتلر الذي كان يزحف على البلدان الأوربية تباعا، ووو…..الخ

كلمات وعبارات ترددت ورددناها مئات المرات حتى كدنا نصدق أنفسنا، بل الأنكى من ذلك أن البعض أصبح يظن أن المغرب هو الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين وأننا كما المواطنين الأمريكيين ، تحت حماية “ماما أمريكا” من كل خطر يحدق بنا.

لكن الدرس الذي لم نستوعبه ولم يفهمه دبلوماسيونا ووزراؤنا المحترمون هو أن التاريخ يقول بأن أمريكا الحليف الاستراتيجي  للمملكة ليس لها صديق، فمن كان يراهن على أن حزب البعث  بالعراق بقيادة الصديق الوفي لأمريكا آنذاك  صدام حسين ستنقلب عليه الآية بقدرة فادر ويتحول من صديق حميم إلى عدو خطير يشكل تهديدا على دول الجوار والمنطقة بذريعة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وهو من زجت به هذه الأخيرة في حرب بالنيابة مع إيران استمرت لأزيد من ثماني سنوات خارت خلالها  قوى بلاد الرافدين مما جعله لقمة سائغة للأمريكيين  لاجتياحه وبسط يدهم على ثروات بلاد ظلت تسيل لعاب صديقتنا أمريكا لسنوات عجاف.

والعبرة كذلك لم نأخذها من الربيع العربي خصوصا من الثورة المصرية وكيف أن “صديقتنا أمريكا” تنكرت وتبرأت من نظام حسني مبارك بين عشية وضحاها بعدما أيقنت أن الثوار على شفى حفرة من الإطاحة به، وهو من ظل يخدم الأجندة الأمريكية  في المنطقة ويطبقها بحذافيرها لسنين طوال ولو على حساب القضية الفلسطينية وقضايا أخرى…

فأطلت علينا زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون ووزيرة الخارجية آنذاك متهمة نظام مبارك بقمع المتظاهرين والإفراط في استعمال القوة  وهي من باركت لنظامه هذه الأفعال في بداية الثورة، فأين كانت مثل هذه التصريحات عندما كان نظام مبارك يقمع مظاهرات الإخوان المسلمين في الجامعات والشوارع ويزج بهم في السجون من دون حسيب أو رقيب، ولماذا لم تنبس “صديقتنا أمريكا” ببنت شفة عندما كانت تنتهك حقوق الأقليات هناك في أرض الكنانة من أقباط ومسيحيين ووو..الخ.

خلاصة القول أو العبرة التي وجب استخلاصها من هذه التجارب هي أن لا أمريكا ولا فرنسا ولا بريطانيا ولا روسبا ولا الصين لديهم أصدقاء وأن مصالحهم الاقتصادية والسياسية أسمى من كل شيء ولو على حساب الصداقة، وهو للأسف الدرس الذي لم يستوعبه سياسيون إلا بعد فوات الأوان بعدما ظلوا منشغلين بالبحث عن مكان وجود التماسيح والعفاريت والشمس والقمر وربطات العنق وثمن البنان… عوض البحث عن مخرج لقضية عمرت لأزيد من ثلاثة عقود ونيف والحل الوحيد الآن أمام المغرب هو تقوية جبهته الداخلية وتقوية ديبلوماسيته بالانفتاح على نخب صحراوية جديدة ومثقفة قادرة على التعريف بالمشروع المغربي في المحافل الدولية، وخلق قطيعة مع من ظلوا لسنوات طوال يدبرون الملف في الاتجاه الخطأ حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، فالوقت اليوم هو وقت الشباب والربيع العربي هو خير دليل على ذلك.

أما أنا فلا يسعني في الأخير إلا أن أجسد ما وقع للمغرب مع “صديقتنا أمريكا” ببيت شعري يتحدث عن غدر الصديق يقول

                                       تغيرت المودة والإخاء……… وقل الصدق وانقطع الرجاء

                                                 وأسلمني الزمان الى صديق……. كثير الغدر ليس له رعاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: