من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني : المقامة البنكيرانية
اكابريس ـ محمد ملوك
حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني فقال : في مغرب الحق الغائب ْ ، جمعتنا وثلة من الأصدقاء الأجانبْ ، سهرة بحي الفرح الراسبْ ، وهو حي الداخل إليه مفقودْ ، والخارج منه مولودْ ، والتفكير به وله منعدم ومحدودْ ، وفي تلك السهرة المحروسة بعنايهْ ، حضر صاحبي ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فاستمتعنا بما يرويه الأجانب عن الأخلاءْ ، وشاركناهم نكتا بيضاء وسوداءْ ، وضحكنا لهم ضحكا كالبكاءْ ، حتى إذا انتصف الليل ْ ، وحضر الجد وانتفى الهزلْ ، قال قائل يكره الفرض ويعشق النفلْ ، ” بما أنا من دول شتـَّـى ، منا من يهوى حتــَّى ، ومنا من يقول لعطية الله متــَّـى ، فلم لا نستدعي بين دفتي السّمَرْ ، كل رئيس وما به اشتهرْ ، حتى نزيل عنا وعنكم بعض الضجرْ “، فوافقه الجمع على الاقتراحْ ، وحكى كل واحد منهم بإفصاحْ ، ما له الكلام الحق أباحْ ، فمنهم من قال بلا لفٍّ أو خوفْ ، ” رئيسنا يكره سا وسوفْ ، يخدمنا بالشتاء والصيفْ ، ويدرأ عنا السوء والحيفْ ، يجوع لنشبعْ ، ولنبضنا يسمعْ ، وإن أخطأ يُخلعْ “، ومنهم من قال بكل حرارهْ ،” رئيسنا لا يملك سيارهْ ، ولا يتحرك إلا بما لنا من إشارهْ ، نحدد له الراتبْ ، وله نحاسب ونعاتبْ ، فإن قام بالواجبْ ، أكرم بالتقدير والتنويهْ ، وإن عرّض الواجب للتشويهْ ، تعرض للتسفيهْ ، فما له من فريق بعدها يغنيهْ ” ، ومنهم من قال بعد التصفيقْ : ” رئيسنا للمواطنين صديقْ ، حملته للسلطة شرعية الصناديقْ ، وللنضال هو رفيقْ ، يستشيرنا في الكبيرة والصغيرهْ ، ويقبل الانتقادات القليلة والكثيرهْ ، وينمي خيراتنا الوفيرهْ ” ، ومنهم من قال باختصارْ ، ” رئيسنا نور ونارْ ، به يستنير الصغار والكبارْ ، وبه يكوى كل طاغية وجبارْ ” ، ومنهم من قال بلسان حازمْ : ” حاكمنا محكوم لا حاكمْ ، مستيقظ لا نائم ْ ، يزهد في الولائمْ ، وبأمرنا هو قائمْ ، إذا سرق له الشعب يحاكمْ ، وإن فكر له في منصب دائمْ ، ودّعناه بعزل حاسمْ ” ، … حتى إذا وصل الدور إلى ابن أبي الرعايهْ ، أمرنا بالتزام الصبر إلى النهايهْ ، ثم قال في كلمات تجمع بين المجاز والحقيقة والكنايهْ :
رئيسنا يا أبناء الغرب المدنـّسْ ، ملك مقدّسْ ، راياته لا تنكـّسْ ، والحديث عنه حرامْ ، والفتوى لوزير الأوقاف الهمامْ ، ولأن الفتوى تعظم في دين الإسلامْ ، فلن أخالف منهج الوزير الإمامْ ، لكنني سأقول ولا خوف علي من الالتباسْ ، لنا يا ناس كباقي الناسْ ، حكومة تسارع الأنفاسْ ، تحارب التماسيح وكل دسّاسْ ، وتصارع العفاريت من الجنة والناسْ ، وتراها تنادي كمن به وسواس خناسْ ، لا مساس لا مساسْ ، … وزيرها الأول يا ناسْ ، همة نشاط وإحساسْ ، كريم ليس له قياسْ ، عن الكل بالقول والفعل اختلفْ ، جواد يعفو كما الله عما سلفْ ، وبالصفح يكرم الجلاد ومن للقمع احترفْ ، حار في أمره العقلاءْ ، وحير بسياسته الفضلاءْ ، ودوخ بتصرفاته الرجال والنساءْ ، وإليكم بعد ” أعوذ بالله من الرجيم الشيطانْ” ، جزء من بيان وتبيانْ ، وقول في زعيم المصباح والإخوانْ ، ” مستر ” عبد الإله بنكيرانْ ، ذاك الوزير الذي سارت بذكره الركبانْ ، حتى فاق ذكره ذكر الملك والسلطانْ ، من جهله وجبنه وخوفهْ ، أمسى ومن معه في حزبه وصفـِّهْ ، كباحِثِ عنْ حتْفِهِ بظِلْفِهْ ، وأضحى لسوء حسابه وضعفِهْ ، كجادعِ مارِنَ أنْفِهِ بكفّهْ ، فإن تسل المصباح عنه وما فعلْ ، يجبك المصباح بلسان من عقلْ ، إنه للآمال أحرق وقتلْ ، و في خندق الافتراس دافع عن الفشلْ ، وما مسه في غمرة الدفاع حياء أو خجلْ ، وإن تسأل العدل عنه والقضاءْ ، يأتيك جواب بلا انتهاءْ ، فيه ذم وسب وهجاءْ ، وشكوى تقول لرميد عاجز عن الاستواءْ ، أخوك هذا ابتلاء ما بعده ابتلاءْ ، فهم ما تركوا له من راغية أو ثاغيهْ ، وهو مع ذاك ينصر كل داهيهْ ، وينتصر لكل طاغيهْ ، … وإن تسأل عنه الوظيفة وما لها من خاطبْ ، يجبك لسان بالشرع والقانون يعاتبْ ، أو ما علمت قوله السّالِبْ ، ” الرزق على الله الغالبْ ، والتوظيف المباشر للصواب يجانبْ ، وتوظيف أهل الصحراء دون خلق الله أمر واجبْ ” ، … وإن سألت عنه الصحة وما لها من تاجْ ، فالرد منها كما تناقله الحُجّاجْ ، ” ذاك ثقفي والوردي حَجّاجْ ” ، والبرهان راميدٌ لا يستفيد منها كل محتاجْ ،… وإن سألت عنه السكنى والتعميرْ ، يجبك الصغير قبل الكبيرْ ، ما بين هدم وتدميرْ ، شرح لنا نبيل والوزيرْ ، مغزى ” لا في العير ولا في النفيرْ ” ، …وإن تسل عنه يا ابن الفاقهْ ، البيئة والماء والطاقهْ ، تجبك أفئدة للحرية تواقهْ ، مياه شربنا روائحها كريههْ ، وبيئتنا تخنق كل نزيه ونزيههْ ، وفؤاد معادنه سفيههْ ،… وإن تسل عنه فلاحة وصيدَا ، فلن تجد للسؤال ردّا ، ولن تجد للغلاء حـدّا ، ولن تجد هناك برنامجا يحمل شهدا أو وردَا ، … وبين هذا الرد وذاك الجوابْ ، لسان حال مليئ بالعتابْ ، يردد ما قاله شاعر الأعرابْ
:
إذا قلت في شيء: (نعم) فأتمه = فإن ( نعم) دَين على الحرِّ واجب
وإلا فقل: (لا) تسترح وترح بها = لئلا يقول الناس: إنك كــــاذب
.
نعم يا أبناء الغرب المرغوبْ ، وزيرنا الأول المحبوبْ ، وعدنا وعد عرقوبْ ، وما ” الوفا ” عنده إلا وزير رقيقْ ، أفقد ما تبقى للتعليم من بريقْ ، وأشعل فيه الحريق تلو الحريقْ ، ونافسه في الحرائقْ ، وزير للشباب يسابقْ ، ما استطاع الوقوف أمام جامعة العوائقْ ، شأنه في ذاك يا ابن المكلومهْ ، شأن كل وزير في الحكومهْ ، أكثر في خطب الإصلاح المعلومهْ ، وأسرف في تقديم الوعود المنظومهْ ، فلما جلس على الكراسي المحكومهْ ، بات عندهم مجرد أضحوكة و ” دمدومهْ ” ، فهذا وزير التجهيزْ ، في ظرف وجيزْ ، أضحى غيرعزيزْ ، والسبب حرب الطرقاتْ ، وتراجعات عن الإصلاحاتْ ، وإقفال لملف المأذونياتْ ، وذاك الخلفي مصطفـَى ، بفشله الذريع احتفـَى ، وبتبرير الظلم ما اكتفـَى ، بل نسج للكذابين خبرَا ، وما عاد يذكر للإصلاح أثرَا ، يتبعهم في كل طريق ولو كان وعِرَا، ويؤيدهم في كل أمر ولو كان قذرَا، لسان حاله بعد معركة الدفاترْ ، أنا الثائر الخاسرْ ، لا استقالة مع الحظ العاثرْ ،… وهذا وذاك وتلكْ ، وزراء كانت تفوح منهم روائح المسكْ ، وكانوا يعيبون على من سبقهم كثرة الإفكْ ، لبسوا الحق بالباطلْ ، واختلط عليهم الحابل بالنابلْ ، فناجحهم فيما مضى اليوم فاشلْ ، وذاك والله معنى ” تحصيل حاصلْ ” …
أما ” مستر ” بن كيران الهمامْ ، فقد أمسى مع مرور الأيامْ ، مثيرا للغم والاهتمامْ ، ينافس أهل المسرح والتمثيلْ ، ويجيز الركوع لغير الواحد الجليلْ ، ولا يبالي بمن يطلب منه الرحيل ثم الرحيلْ ، وتراه يعتذر للملك عن اللاأشياء ويفسّرْ، ويبرر الإفساد دون أن يقرِّرْ ، ويتغير قبل أن يغيّرْ ، ما نهج المسلك الصحيحْ ، ولا امتلك اللسان الفصيحْ ، ولا قال لا للتماسيحْ ، بل اعتمد التسويف كمن سبقْ ، وفي تطبيق القانون ما صدقْ ، فأحرق حزبه واحترقْ ، وله أنشد فؤاد في الهموم غرق ْ :
مصباح خلِّي بأرض الظـــلم يحـتـــرق = والخل يا صاحبي للـــحــرق يــستـبــــقُ
يا خلّ خـلــِّي أجـبني فالخــلــيل كـــــبا = هل يعشق البغي من بالبغي يخــتنــق
يا ليت شعري وقـلبي للــخليل بـــكـــى = ماذا سيحكي غريق عــمّـَـه الغـــــرق
أم كيف يبني العلا والمجــــد في وطني = حزب به العجز جهرا قام يلتــصـــــق
بلْ سلْ لماذا ارتضى الإخوان في بلدي = حكما لنا منه كل الذل يــنــفــلــــــــــق
عار عليهم قبول الذل يـــــــــرشـــدهم = أف لهم إنهم في الـــوعــد ما صــدقـوا
قد غرهم منصب تهــجوه حـرقـتــنــــا = أوصافه حــــيّـــــة كبرى لها عـــــنــق
حمقاء والغـــــــدر منها سنة نهِجـَـت = مسمومة ، في صفاء النصح لا تــــثـــق
ملعونة قد طغت على الأسود هـــنـــا = فالبأس منها إليهم ملـــؤه الحـــــنــَــق
مذمومة شيدت من ضعــفنا وطـنــــا = يحمي شخوصا وجمعا دينه الـــمـــلــق
ممسوخة زادها ترقيع كسوتـــــــهـا = قبحا على لعنه الأجيال تـــــــــتـّــَـــفـق
سوداء والصنع منها أسود خطِــــرٌ = رِيـــع وَضــِيــــع وكبش لـلـفدى شــنقوا
نـفــث لسم وعــضّ مهــلك هــمــماَ = وخز بأنيابها ضاعت بــــــه الـــفِـــــرَق
أشــرافُ يا بلسما للقلب مــــــعذرة = ما عاد شِــــعري كـزهر حــَـفــّه العـبَق
من سم أفعالهم يــشــكو فــوا عجبا = ما بال أبناء قنديل لهــــــا عشـــقــــــوا
ما بالهم قد نسوا سـُـمّـا يـلازمــهـا = أفنــى كليما ومقداما ومن نطــــــــقــــوا
يا خلّ خـلــِّي أجـبني فالخــلــيل بكـى = هل يعشق الظلم من بالظلم يحترق