أعمدة

سأروي لكم قصة ليست ضربا من الخيال ، بل هي حقيقة تشفي الغل و تفك الأغلال ….

وأنا أسير الهوينا بشاطئ فونتي اكادير ، ظهر لي شيخ مسن بلغ من الكبر عتيا وبلحيته التي لم تشذب من سنوات حتى سارت متدلية زاهية ، يمتطى سرج فرسه المصون ، وهو في لباسه الأبيض الشفاف ، وببهائه وبملامحه سطع المكان وازدان ، ولرؤيتي له تيقنت انه من اكابر الناس الملاح من ذوي الحكمة والجاه والباه … سألته يا شيخ هل أنت من البشر ام من الإنس أم أنت ملاك في صفة آدمي ؟ ام ان ايونات عقلي تشابكت لتخرج صورا إنما هي أشباح ؟؟؟ فتيقنت انه سيجيبني توا وفي الحال …

ابتسم الشيخ وبرزت أسنانه البيض كأنها زمرد او من الماس وسبحان الخالق الوهاب فقال رادفا : انا ذلك الشخص الذي قهر الاستعمار في كل كر وفر ، ذلك الذي هاجم العدو القادم كالجراد من البحر والبر ، فسكت لوهلة عن الكلام المباح … ليرفع رأسه الى العلا وليسألني عن حصن تركه فوق تل مند أعوام وأعوام ، فأجبته : هل هو ذاك الحصن هل تراه هناك ؟ لا ادري ماذا سأسميه لك ؟ ذلك الجاثم هناك المطل على المدينة والذي أرخ لأناس ابطال صناديد قهروا القريب والبعيد بالترسانة والحديد ،  وخرت لهم جباه البرتغال والفرنسيس والألمان واصحاب المدريد ، وبصموا تاريخا مذهبا دون في كتب وصكوك وجلاميد ، في ذلك البنيان الشاهق السامق الشاهد على حضارة عريقة مرت من هناك وراحت ، بذلك الاعتدال والوسطية في الأديان ، ذلك الجبل الأبيض والمزركش بالمصابيح اللماعة في الاركان والتي زادت نصاعة حتى أصبحت تظهر للعيان من بعيد وقريب … ها هي اليوم بأطلالها تنحب حاضرها وتتمنى لو رجع الماضي ودون أركانها ، أصبحت مقبرة مقفرة تنوح فيها لخرابها البوم وتنعق لظلامها الدامس الغربان … تستنكر نسيانها من مجالس تكالبت عليها الألسن باللواك والكلام وطرطيق الناب ، كلامهم كله كانه حبر على ورق ولا احد ارق ، لا ترميم ، لا التفاتة سوى انهم سموها اليوم افلا اغير او اكادير اوفلا .

وما ان أتممت كلامي حتى أردف الشيخ كلاما وقال : كفى اخي لقد عرفت الجبل وفهمت كلامك ومقصدك ، وفهمت انه لم يبقى لتاريخنا وتراثنا شئ ، وان سمعتنا أصبحت في امر كان ، وطغت عليها أتون النسيان ، نعم ستندمون وستعلمون علم اليقين يوما ان التاريخ والتراث …. ولوهلة اختفى الشيخ ولم ارى له اثر فقلت في نفسي : باسم الله الرحمن الرحيم ، هل هذه حقيقة ام اضغات أحلام ام كوابيس جرجرتها عليا الأيام … مازلت أتذكر تلك العبارات التي تتموج بداخلي، تحدث لي صفيرا في الأذن وخفقانا في القلب … وفي الاخير استنتجت ان الشيخ ليس إلا ذلك الأسد الغضنفر ” السلطان محمد الشيخ السعدي ” الذي بناها سنة 1540 م وسماها “أكادير إيغيم” ومعناها القصبة الموجودة على كتف الجبل أي قمته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: