
باسين عبد العزيز
قد يشدنا الحنين في بعض الأحيان الى انغام الماضي والى الأهازيج والنغم الجميل ، وبتلك الحناجر الذهبية التي تزرع في الدات عند سماعها دبيبا اخادا سحريا تتناغم معه الاحاسيس ، بتلك المدرسة الفذة التي لن تمحوها معاول الزمان ، وبتلك الوقفة الشامخة بالرباب الامازيغي المرصع بالذهب والفضة ويفوح منه مشموما عتقه الزعفران والحبق وتازوكنيت ، وزينتها تلك اللبسة البيضاء الناصعة وبأهداب القلادة المثبطة بخنجر تاكميت ، انها مدرسة فن الروايس التي اعطت الكثير ومنها تخرج رطل من الصناديد ومنهم من دافع عن الوطن وعن المقهور والمظلوم ، بنظمهم المشفر المدوي والمسترسل لدوي العقول والالباب ، بها شتتوا شمل الاعادي وقهروهم في الجبال والسهول ، وشمروا سواعد الرجال وقهروا جبروت الزمان ، صدحوا ضد العبودية والقهر والذل والعار ، كم فنان امازيغ قيدوه بالاغلال ووضعوه في الزنازن المظلمة لايام وايام، بل نعرف ” جانطي ” وطغيان المستعمر ضده وكبلوه واقتادوه من الجبال وعدبوه ونال قسطا من العداب ، لكن عزيمته وحبه للاوطان جعله جلمودا قهر ما كابده من ويل وبطش المستعمر الغاشم ، ونعرف “الحاج بلعيد ” الذي دخل وسجن في دهاليز زنازن ” القائد الكسيمي” وداق العداب حتى هزل وغرته ايادي الاستبداد ، ومنها ارسل شعرا موزونا بقافية امازيغية قحة وبلحن تيرويسا وسماها “ابو الشربيل ” وهي مدح في حق نساء الكسيمي يستعطفهن لمساعدته للتوسط لدى الزعيم من اجل فك اسره واطلاق سراحه ، وبالفعل ما ان وصلت القصيدة والاغنية ادان القائد الكسيمي حتى افرج عنه استجابة لطلب زواجته اللواتي سحرن برسالة الحاج بلعيد ، لكن عند خروجه تبين ان للقصيدة معان اخرى غير تلك التي فهمتها حاشية القائد الكسيمي ، وان اتينا للحديث عن التفاصل لكان الكثير والكثير .
ومن هنا لا ننسى احد الرواد البارزين في فن الروايس الذي اعطى الكثير ومن لحنه واغانيه تلوكت الالسن وتغنى بها فنانون كثر لا يعدون ولا يحصون ، انه محبوب لدى الجماهير التي تعشق الفن وتتلدد بالنغم الامازيغي وخاصة التي ترافقها الات الرباب والوطاروالناقوس ، انه الفنان القدير ” الرايس الحسين اوتزناخت ” ، وقد ترعرع في صغره بالبادية وسكن الفيافي وتعلم الشعر والضرب على الالة على يد ابيه المرحوم الرايس ” الحاج يحيى اوتزناخت ” المعروف باغنيته المشهورة ” لاطيار ” ، ويرجع له الفضل في صقل مواهب ابنه وخاصة عند مرفقته في كل السهرات والمحافل التي تقام بارجاء المغرب حيث كان الشغف للاستماع والاستمتاع بالشعر وتتبعه من بعيد ، وكسب النظم واوزان الالة حتى تفنن وابدع حتى قيل عنه ” ذلك الشبل من ذلك الاسد ” .
الرايس الحسين اوتزناخت يعد من الرعيل الاول الذين دافعوا عن المظلوم ، وكلامه كله معان وله ابعاد رددتها الالسن في كل مكان ، وله قصائد مشهورة بها كلمات مشفرة لا يعيها الا حكيم ومنها : “اد يشاشك ربي الميزان ” ، ” الطالب ” ، ” فلسطين ” ،” تلكمت الهمنكي ” ، ” الحنة نولوكوم غيمي نواسيف ” كما له قصائد مشهورة دافع بها عن حرية المراة الامازيغية واعتبرها عددا مهما في المعادلة التي تشتركها مع الرجل في اعباء الحياة .
قد يطال النسيان مثل هؤلاء الفنانة الامازيغ الذين بصموا في تاريخ وطننا الحبيب ، بصموا بمداد الفن والشجاعة وبرهنوا على ان جيلهم لن تنجبه ما تبقى من الايام ، ونصيحتنا لهذا الجيل ان يصنع الرفوف وينسخ من الاسطوانات الازلية التي تعتبر ارثا تراثيا فنيا امازيغيا اصيلا قحا ملك كل الاجيال .