ربورطاجات

تشغيل الأطفال بالمغرب.. “خذ من عندي كلينيكس”

 نادية عماري

عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، المكان محطة ، دون كلل تعيد بسمة (اسم مستعار) نفس السيناريو،وهي تتنقل ذهابا وإيابا بين الناس في محاولة لبيع ما تحمله من مناديل ورقية.

“الله يخلليك خذ من عندي كلينيكس”، جملة واحدة تتكرر على مسامع من ينتظرون قدوم الترام، بوجه شاحب وجسد نحيل منهك، تخاطبهم بسمة بنبرة صوت هادئة ومستكينة، وكأنها تستجدي عطفهم للحصول على بعض الدراهم.

بسمة التي لم تتجاوز 14 سنة، تعد نموذجا حيا يختزل معاناة العديد من الأطفال ممن يخوضون مبكرا مغامرة الشغل، ظروف قاسية ومتباينة تدفعهم للخروج إلى الشارع الذي يمثل مقصدهم الأوحد.

معاناة مريرة
“ماكرهتش نقرا حتى أنا ولكن الظروف صعيبة”، توضح بسمة بأسف شديد والحزن يرتسم على محياها الصغير، وفاة والدتها كان سببا رئيسيا في شقائها ومعاناتها وهي في حداثة سنها، فعوض متابعتها للدروس رفقة أطفال في مثل عمرها، وجدت نفسها مجبرة على تحمل شتى الأزمات والصعاب التي تواجهها بشكل يومي، تتابع قائلة”مراة با خايبة وما كاتعاملنيش مزيان، وحيت احنا على قد الحال، كاتقول ليا خاصك تعاونينا وتنوضي تخدمي على راسك”.

علاوة على استيقاظها مبكرا استعدادا لبداية يوم شاق من العمل، تدأب بسمة على مزاولة مختلف الأعباء المنزلية، حتى لا تجد نفسها عرضة للضياع والتشرد في الشارع، تشير”كاتعطيني الخدمة بزاف وكاتقول ليا إيلا ما درتيش هاد الشي اللي قلت ليك، غادية نجري عليك للزنقة”.

تهديد زوجة الأب المتواصل للطفلة يجعلها على الدوام في حالة من الخوف بسبب شبح الطرد الذي يلاحقها في كل وقت، خاصة في ظل غياب الأب المتكرر عن البيت، ما يجعلها في مواجهة صريحة وغير متكافئة مع زوجة الأب”الكابوس”.

مساعدة بشكل مؤقت
“صافي آخالتي نجمع كلشي في ميكا؟”، يخاطب محمد إحدى السيدات اللائي يترددن على محل البقالة الخاص بوالده في قلب المدينة العتيقة، بابتسامة خجولة يقابل الزبائن لمدهم بما يحتاجونه من منتجات غذائية ومواد استهلاكية.

يبدو محمد، 12 سنة، مقتنعا بالعمل الذي يقوم به، وسعيدا لأنه يلبي طلبات الوافدين على المحل دون تذمر أو تأفف، يشرح بكلمات متقطعة ولهجة طفولية”تانجي باش نعاون الوالد ديالي”.

بالنسبة للأب، فمساعدة محمد له لا تدخل في نطاق العمل كما هو متعارف عليه، بل هي فرصة للاحتكاك بالناس وكذا الابتعاد عن أصدقاء السوء، وما يحمله الشارع من أخطار تحدق بالأطفال والمراهقين في غياب مواكبة فعلية للأهل، يؤكد بنبرة واثقة”كانجيبه معايا باش يتلهى وما يمشيش يلعب في الزنقة، الوقت خيابت، كايكون غير في الأوقات ديال الفراغ وبعض العطل، أما الأيام العادية كايمشي للمدرسة”.

عنف جسدي ونفسي

تتذكر لبنى(اسم مستعار) تفاصيل معاناتها مع مشغلتها، حينما كانت تبلغ من العمل حوالي 13 سنة، حينما جلبها والدها إلى مدينة سلا للعمل كخادمة لدى إحدى الأسر، حيث كانت تقوم بجميع الأشغال المنزلية إضافة إلى الاهتمام بأطفال المرأة التي تشتغل في مجال التعليم.

تحكي لبنى قصتها بأسى ومرارة وهي تسرد وقائع مأساوية عاشتها في تلك الفترة الحالكة من عمرها كما تعتبرها”كانت كاتكرفص عليا بزاف، وكدير السبة باش تعايرني و اضربني متى ما أتيحت لها الفرصة، وأي حاجة لقاتها قدامها كاتخبطني بها دون شفقة أو رحمة”.

حياة لبنى تغيرت تدريجيا للأحسن، بعدما حصلت على عمل قبل سنتين، لتترك مجال العمل داخل المنازل بعد الشقاء الذي لازمها لفترة زمنية ليست بالهينة،”فوضت أمري للخالق سبحانه، وضعيتي حاليا تحسنت عما كانت عليه في السابق، والحمد لله على كل حال”، تضيف برضى واضح.

تعتبر نفسها محظوظة بعدما توفقت في العثور على عمل بأحد المصانع، تستطيع من خلاله تأمين لقمة العيش بكرامة، تستطرد”الناس اللي خدامين معايا كايحتارموني وكايتعاملوا معاي مزيان”.

ظاهرة منتشرة
يمثل تشغيل الأطفال شكلا من الأنشطة الاقتصادية التي تؤثر بالسلب على هاته الفئة المجتمعية، مما يضر لاحقا بنموه الجسدي، الفكري والنفسي، وتشير المادة 143 من مدونة الشغل إلى أن تشغيل حدث دون سن الخامسة عشرة، ينتهي بالمشغل إلى دفع غرامة مالية. ويمكن أن تصير العقوبة سجنا نافذا من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا تكرر الأمر مع غرامة مضاعفة.

وأفادت نتائج بحث قامت به المندوبية السامية للتخطيط خلال السنة الماضية أن عدد الأطفال المشتغلين بالمغرب الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغ 123 ألف طفل سنة 2011، وأوضح البحث الصادر بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة تشغيل الأطفال الذي يحتفل به في ( 12 يونيو من كل سنة) أن أهم القطاعات الاقتصادية التي يتم فيها تشغيل الأطفال٬ تمثل”الفلاحة والغابة والصيد” بقرابة 93,6% من الأطفال بالوسط القروي٬ أما بالوسط الحضري٬ فإن قطاعي “الخدمات” (54,3%) و”الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية” (26,5%) يعتبران أهم القطاعات المشغلة للأطفال.

وبخصوص ظروف عملهم ٬ فإن 24,9% من الأطفال يشتغلون بالموازاة مع تمدرسهم، في مقابل %53,9 غادروا المدرسة٬ بينما لم يسبق لـ21,2%منهم أن تمدرسوا.

ويرجع البحث أسباب عدم تمدرس الأطفال المشتغلين إلى عدم اهتمام الطفل بالدراسة (37,3%)٬ وانعدام الوسائل المادية لتغطية مصاريف التمدرس (19,4%)٬ وعدم توفر مؤسسة للتعليم بمحل الإقامة أو صعوبة ولوجها بسبب صعوبات جغرافية أو مناخية (16,2%) وضرورة مساعدة الأسرة في أنشطتها المهنية (9,8%).

و فيما يتعلق بالمحيط الأسري، يظهر البحث أن ظاهرة تشغيل الأطفال تهم 98 ألف و122 أسرة٬ أي 1,5%من الأسر المغربية٬ متمركزة أساسا بالوسط القروي ( 88 ألف و631 أسرة مقابل 9 آلاف و491 أسرة بالمدن).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: