ربورطاجات

حاضرة قبائل هوارة صامدة تحكي للأجيال تاريخ منطقة طالها النسيان

مصطفى جلال

1   ــ   أولاد تايمة حاضرة قبائل هوارة

 

كثيرة هي الآراء التي تحدثت عن أصل تسميتها بأولاد تايمة إلا أن الرأي الأكثر تداولا لدى العامة ، هو أن التايمة هي المرأة التي ترملت وبقيت بدون زواج لمدة طويلة ، وجاءت تسمية المدينة بهذا الاسم نسبة إلى تلك الأرملة ، التي أرسلت أبناءها ذات  يوم للرعي ، فضلوا الطريق ، وأخذت في البحث عنهم دون جدوى إلى أن اهتدت أخيرا إلى مكانهم  لتجدهم بهذه المنطقة ، التي استوطنوها في ما بعد ، ومنذ ذلك الوقت وهي تحمل إسم أولاد التايمة.

 

وتنتمي أولاد تايمة لقبيلة هوارة وهي قبيلة عربية هلالية دخلت المغرب خلال القرن الحادي عشر وسكنت في سوس، وهي معروفة كذلك باسم 44 لتواجدها في النقطة الكيلومترية 44 على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين أكادير المدينة السياحية  وتارودانت مدينة الأصالة والتراث.

2  ــ    الفن الهواري الأصيل

 

ميزان هوارة، أو  ما يصطلح عليه كذلك بـ رقصة الأفعى، فن من التراث الهواري الأصيل يمزج بين الرقص والغناء، ويتميز برقصة الأفعى المستمدة من أسطورة تحكي قصة قبيلة هوارة مع أفعى، كانت تخرج من أحد حقول القبيلة وتعمل على إخافة الأطفال الصغار والنساء، بل  و تحاول إيذاءهم الأمر الذي شكل خطرا على القبيلة مما حدا بهم إلى التفكير في استمالتها والقبض عليها ، واستعملوا لذلك العيساوي الذي يعمل على مراقصتها ببنديره ليُخَِلّص سكان القبيلة من شرها عبر حركات وقفزات موزونة ، جعلت الأفعى تنفذ  بجلدها لتختبئ   ” بدرْك الكرموص ”  أي الصبار.

 

وتعتبر فاطمة الكحولي المعروفة لدى عامّة الهواريين باسم فاطمة الشلحة من رواد هذا الفن الشعبي الأصيل حيث تلعب فيه دور البطولة بتجسيدها للأفعى التي تتحدى العيساوي من خلال رقصاتها وتموجات جسمها على إيقاعات موسيقية موزونة ومتناغمة .. و تتشكّل فرقة ميزان هوارة في الغالب من 15 فردا، تتوسطهم فاطمة الشلحة، التي تؤدي دور الأفعى و يشاركها الأداء ” العيساوي ” ، بغية قتلها وتخليص القبيلة من شرّها ، في جو فلكلوري شعبي رائع ، يمزج بين الأصالة  والتراث.

 

3  ـ  الفلاحة أهم ما تشتهر به المنطقة

 

تقع مدينة أولاد تايمة في موقع إستراتيجي وسط سهل سوس الخصب والمشهور وطنيا بإنتاجياته الوفيرة من الحوامض والبواكر ، وازدهر القطاع الفلاحي بهذه المنطقة حتى أصبحت من بين أهم المناطق المغربية التي يعتمد عليها الاقتصاد المغربي  في تسويق منتجاته الفلاحية داخليا وخارجيا ، بالإضافة إلى تشغيله ليد عاملة مهمة سواء من أبناء المنطقة أو من الوافدين عليها من مختلف مناطق المملكة ، كعاملين بمعامل التلفيف قصد تصدير الحوامض والخضر  بالإضافة للعمل في الضيعات الفلاحية المنتشرة بشكل كبير..

 

وتبقى النسبة الكبيرة من العاملين بهذه الحقول هن النساء، وأغلبهن قادمات من مختلف المناطق المغربية ، اخترن التوشح بمناديل لتغطية وجوههن هربا من نظرات الاحتقار والتحرش اليومي المستمر ، في ظروف قاسية، همهن الوحيد هو الحصول على دريهمات تحفظ لهن كرامتهن  كنساء مغربيات مكافحات.

 

4 ــ   هوارة وعبق التاريخ.

 

رغم كون مدينة أولاد تايمة مدينة حديثة وسائرة في طريق النمو ، إلا أن لها تاريخا حافلا يشهد على قوة وصلابة أبناء هذه القبيلة المحسوبة جغرافيا على سوس ، حيث اشتهرت  بالمحاربين “الزواك” المتمردين الثوار، وللحد من هيمنتهم وكسر شوكتهم  استقدمت السلطات الاستعمارية الفرنسية المدعوا بوشعيب القرشي الزموري و نصَّبته قائدا على رأس شيوخ قبيلة هوارة.

 

وبالمكر والخديعة استطاع هذا القائد استمالة الثوار ليزج بهم في السجن ، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة وهي مرحلة الإقطاع بتفويت الأراضي للمستعمر مما فَقّر فلاحي المنطقة ليتحول المالك إلى عامل في ضيعات المستعمر..ليصبح  المستعمر صاحب سيادة ومكانة في المجتمع على حساب المواطن الهواري المغلوب على امره..

 

لينتفض الهواريون مرة أخرى متسلحين بالعزيمة والإرادة  لمحاربة المستعمر الغاشم، وانخرطوا في كل أشكال المقاومة إلى أن حصل المغرب على استقلاله ، لتنعم قبيلة هوارة بالحرية وتبدأ عهدا جديدا ، عهد البناء والتطور.

 

5  ــ    معالم تاريخية شاهدة على تاريخ المنطقة

 

رياض القايد بوشعيب القرشي الزموري

 

يعتبر رياض القايد بوشعيب من أبرز المآثر التاريخية التي لاتزال شاهدة على تاريخ وأصالة المنطقة ، يتواجد بمركز المدينة على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين أكادير وتارودانت.

 

ويتميز هذا الرياض بهندسته المعمارية الفريدة ، باعتماده على ” الطين المدكوك ” كمادة أساسية في بنائه وهو ما يصطلح عليه بـ ” التابوت ” ، واتخذه القايد بوشعيب مقرا له ، وملاذا آمنا للضباط وعساكر الحماية الفرنسية.

برج أولاد هماد بجماعة سيدي احماد أوعمر

 

تأسس هذا البرج من طرف أحمد الحميدي الذي فر من قبيلة ” إدوزيكي ” رفقة بعض معاونيه ليحط الرحال بقبيلة الحفايا الوسطى وبالضبط بدوار أولاد هماد حيث استقبل بحفاوة وكرم وتم اختياره وتنصيبه شيخا على قبيلة الحفايا الوسطى ، التي استقر بها وأسس هذا الحصن المنيع ذو الطابع العسكري الدفاعي سنة 1885 م لحماية المنطقة من أي تدخل أجنبي ،كما اتخذه الشيخ أحمد مقرا له ، وتميز حكمه بالعدل ومساعدة الفقراء إلى أن وافته المنية ودُفن بمقبرة للا تانسيست قرب واد سوس ، وتولى المشيخة من بعده ابنه الشيخ علي الحميدي الذي سرى على نهج والده في حماية القرية من الأعداء وقطاع الطرق ، ولا تزال هذه المعلمة التاريخية شاهدة على عصرها رغم الظروف الطبيعية ، وصامدة تحكي للأجيال القادمة تاريخ منطقة طالها النسيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: