الأخبارثقافة وفنصحافة واعلامصوت وصورة

بوجلود يجمع سوس في قلب الدشيرة.. واحتفال يتجاوز الحدود

تراث لا يموت.. بيلماون الدشيرة يعانق الذاكرة والوجدان

باسين عبد العزيز

في كل سنة، ومع حلول عيد الأضحى، تتحول مدينة الدشيرة الى لوحة فنية نابضة بالحياة، حيث يخرج الصغار والكبار للاحتفال بموروثهم الأمازيغي الفريد “بيلماون” أو “بوجلود”، في طقس شعبي تتداخل فيه الأصوات، الألوان، والأقنعة لتصنع فرجة استثنائية تشبه المسرح الشعبي المفتوح.

هنا، لا يتعلق الأمر فقط بعروض تنكرية أو احتفال عابر، بل بتقاليد ضاربة في عمق التاريخ، حيث يُعبّر الناس من خلال هذا الطقس عن هويتهم الجماعية، وينفضون عنهم غبار سنة كاملة من العمل، الضغوط، والروتين. آلاف الأشخاص من مختلف الأعمار والمناطق يملؤون الأزقة والساحات، متعطشين للفرحة، متشوقين لتجديد الصلة بموروث ثقافي يجعل من الدشيرة كل سنة قبلةً لعشاق الفلكلور والتراث.

كل جمعية، وكل أفراد عائلة، يسهمون بطريقتهم في إنجاح هذا العرس الجماعي، يبدعون، ينسجون الأزياء، يبتكرون طرقًا جديدة للإبهار، ويجتهدون لإسعاد أهل الدشيرة وزوارها. ففي “بيلماون” تتجسد روح التضامن، الإبداع، والمسرح المتنقل، حيث يتحول الشباب إلى شخصيات أسطورية تتجول وسط الحشود، تنثر الفرح، وتزرع الابتسامات.

مدينة الدشيرة لا تحتفل وحدها؛ بل تحتضن قلوبًا وأرواحًا قادمة من مختلف مناطق سوس، من أكادير، إنزكان، أيت ملول، وتيزنيت… الجميع هنا، في حضرة بوجلود، يتقاسم لحظة فرح لا يشبه غيره، لحظة تتجاوز الزمن وتُعيد إلى الذاكرة مشاهد من الطفولة، من الزمن الجميل.

ولعل ما يميز هذا الحدث هو أنه لا يُدار من فوق، بل يُصنع من قلب الشارع، من أبناء المدينة، من الجمعيات النشيطة، من شباب يملؤهم الحماس، ومن أمهات يصنعن الأزياء ويُهيئن الوجبات، ومن آباء يشجعون أبناءهم على التمسك بهذا التراث الغني.

بيلماون هو أكثر من مهرجان، هو ذاكرة، هو فن، هو تعبير جماعي عن الانتماء، هو تلك اللحظة التي تذوب فيها الفوارق بين الناس ليكون الجميع جزءًا من لوحة واحدة. في الدشيرة، حيث ينبع بوجلود من كل زاوية، يتجدد الموعد، وتُجدد الدشيرة وعدها بأن تبقى المنبع، والمرجع، ووجهة الفرح الأمازيغي الأصيل.

وأود من هذا المنبر أن أُوجه جزيل الشكر والتقدير إلى كافة أفراد الأمن الوطني، والقوات المساعدة، وكل من يسهر بتفانٍ على تأمين هذه الاحتفالات وتنظيمها، ليعيش المواطن والزائر لحظات الفرح في أجواء من الأمن والسلام.
حقًا، يقومون بعمل مميز يستحق التنويه، ويُعزز ثقتنا في مؤسساتنا التي لا تدخر جهدًا في حماية تراثنا وتأمين فضاءاته.

فأهلاً بالدشيرة، مدينة الحياة والفرح، وأهلاً ببوجلود الذي يسكن قلوبنا قبل أن يظهر في أزقتنا، وكل الشكر لمن يزرع الطمأنينة لنحصد الفرح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: