ربورطاجات

حينما يتحول”التبركيك” إلى هواية بالمغرب

روبورطاج من اعداد :نادية عماري 

“ودابا عاد اعبرتي مللي درتي النظاظر، غاتبقاي تشوفي مزيان”، بابتسامة عريضة تقول نجية(اسم مستعار)، مخاطبة امرأة تفترش الأرض لبيع الخضر بالمدينة القديمة ، تعليقها على ارتداء النظارات الطبية يخفي انتقادا صريحا لشخصية البائعة التي لا تنفك تراقب المارة، في محاولة لاستقصاء أخبار القريب والبعيد، لترضي فضولها وتشبع رغبتها الجامحة في حب الاستطلاع و”التبركيك”.

منهم من يعتبرها صناعة وطنية بامتياز، وآخرون يشبهونها بالإدمان الخطير الذي لا ينفع معه علاج، تفسيرات مختلفة لعادة مترسخة في المجتمع، تجعل ممارسيها والذين ينعتون بالدارجة المغربية “البركاكة”، في حالة تأهب دائم لمراقبة وتناقل أخبار الغير دون تأخر.

“التبركيك في الدم”

“وراه غادي ليها مع الدم، إيلا مابركاتش شي نهار بحال والو تمرض”، تؤكد نجية ضاحكة، وكأنها تحلل نفسية البائعة الفضولية.

تعترف أنها لم تفطن للأمر إلا من مدة قليلة، بعدما لفت انتباهها الكيفية الغريبة التي تسأل بها البائعة عن أحوال زبوناتها، أمورهن الشخصية والعائلية، و كذا الأشخاص الذين يترددون عليها لاقتناء ما يلزمهم من خضراوات، علاوة على طريقتها الخاصة في النظر إليهم، والتحديق فيما يحملونه من أغراض وأكياس، تستطرد”ودابا تبقى تحنزز فيك وانت قدامها وتبعك بعينيها مللي تسالي، باش تعرف آش تقديتي واش هازة، أنا بعدا من قوة التبركيك ديالها وديال غيرها وليت كنهز التقدية في قفة ماكايقشعوا فيها والو”.

تعتبر نجية التبركيك عادة سيئة تضر بالدرجة الأولى من تمارس عليه، “مللي يكثر التقواس كيفاش الواحد غادي يطفرو؟”، تقول متسائلة.

تتذكر في نفس السياق حالة قريبة لها أصيبت بكسر في ذراعها بعد مدة قصيرة من إعلان خطوبتها، تشرح”قوسوا عليها مسكينة في البلاصة، لاباس اللي جات غير هاكة”.

بالنسبة لها، لا ضير من السؤال عن أخبار الآخرين بما يتلاءم وطبيعة العلاقة التي تجمعهم، وكذلك في حدود المعقول بعيدا عن التطفل و”تافضوليت”و”التابعة”، تؤكد بنبرة حازمة”اللي بغا يشوف في اولاد الناس يشوفهم بعين الرحمة، ويقول تبارك الله إيلا عجباتو شي حاجة، ماشي يبقى داير كي التابعة حاضي الناس”.

هوايتها…”دخول الصحة”

“كاتبغي تعرف عليك كلشي، كاتسول بلا حشمة بلا حيا، أحيانا كانتعجب كيفاش عرفات شي حوايج عليا وعلى أسرتي”، باستغراب شديد، تحكي فاطمة، ربة بيت.

ترفض فكرة أن تقحم جارتها نفسها في شؤون الأسرة وخصوصياتها، وهي التي لا تعرف عنها أبسط التفاصيل، لكونها لا تريد الخوض فيما لا يعنيها،”ماكانعرفوا والو عليها ولا حتى اولادها، وهي تعرفك آش درتي، واش نجحوا اولادك، إمتى جاوك الضياف”، تشرح بامتعاض.

بداية لم تكن فاطمة تلقي بالا لتصرفات جارتها المستفزة، لكن تماديها في الفضول المنفر جعلها تقطع تدريجيا علاقتها بها بعد انزعاجها من السلوك الذي تبديه، تقول”الرجوع لله، تقهرت بالتبركيك وكثرة”الحضية”، دابا راها قلبات الرادار ديالها تاني على ناس اخرين”.

جارتي وكالة أنباء متنقلة

“البركاك المحترف هو الشخص الاجتماعي بطبعه، يختلط بكل الناس و يتواجد في العديد من الأمكنة، ينقل الأخبار قبل غيره”، هكذا تعرف فدوى، 21 سنة، طالبة جامعية، ظاهرة التبركيك بالمغرب.

تستشهد بإحدى جاراتها التي كانت تسميها بوكالة الأنباء المتنقلة، بالنظر لكثرة الأخبار التي تتناقلها في اليوم الواحد، تحكي”الصراحة كانت دايرة الرواج في الحومة، هذا مات… الاخر تزوج… هاديك سافرات… دائما متجددة على مدار الساعة”.

لم تكن فدوى تنزعج من عادة جارتها السابقة، خاصة أن هاته الأخيرة كانت تعترف بإدمانها على التلصص ونقل الأخبار،”وراه كانت كاتقولها، أنها فيها فيس ديال التبركيك، داكشي اللي اعطاها الله”، تضيف.

بالنسبة لفدوى، التبركيك يكون في أحيان كثيرة نوعا من التقشاب والضحك بين الناس، خاصة حينما يتعلق الأمر بأشخاص لا نعرفهم ولا تجمعنا بهم أي صلة قد تؤدي إلى تشويه العلاقة التي تجمعنا بهم،”مللي كانت كاتعاود على شي حد، كاضحكنا بطريقتها المميزة في السرد والوصف، دابا رحلات لبلاصة اخرى، بدلات العتبة كاتقلب على الجديد والمفيد”، تشرح بسخرية.

الفايسبوك أكبر”تبركيك”

يعتبر الهادي الهروي، باحث في علم الاجتماع أن موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك هو أكثر وسيلة حديثة أضحت تستعمل بشكل مكثف في التبركيك ومعرفة آخر أخبار الناس، مهما اختلفت نوعية الصلة التي تربطنا بهم، بالنظر لسرعته في نقل الأخبار، وكذا السهولة البالغة في معرفة أبسط التفاصيل عن أي شخص مهما كان، انطلاقا من المعلومات التي يضعها بنفسه، والتي تخص في أحايين عديدة معلومات جد شخصية لا يعرفها إلا المقربون، يشير”الفيس بوك راه أكبر تبركيك، فمن يريد أن يطلع على مختلف الأخبار الخاصة، ما عليه إلا أن يتابع حسابات المستخدمين، إضافة إلى متابعة أدق التفاصيل وآخرها،”هذا مسافر، الاخر اتزوج، هاداك اتشد في الحبس…”.

وحول الأسباب التي تساهم في إذكاء الظاهرة على مستوى المجتمع المغربي، يؤكد أن العامل الاقتصادي يعد من أبرز العوامل التي تؤدي إلى انتشارها على صعيد كبير بين الفئات المجتمعية المغربية، يقول”يساهم الجهل والأمية كذلك في التبركيك بين الناس، فالقهر من تدهور الوضع الاقتصادي يجعل الفرد يحس بنوع من الفراغ، يعوضه بمتابعة الناس والتلصص على أشياء لا تعنيه”.

يستطرد”كاين اللي كايخلص قهوة ويبقى نص نهار جالس، حاضي اللي غادي واللي جاي، غير باش يدوز الوقت”.

صافي http://www.saafi.ma/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: