ثقافة وفنفي الواجهةمتابعات

نور الشريف .. وداعا للرجل المحترم .. مسيرة مليئة بالعبر لآخر الرجال المحترمين

 

ربما تختلف التقييمات النقدية والمنهجية فيما يخص نور الشريف وحضوره الفنى، تمامًا كما يختلف المنهجيون حول كثير من التفاصيل والعناوين، ولكن يظل القائم دون اختلاف أو خلاف، وما لن يستطيع أى من المختلفين دفعه أو التشكيك فيه، هو أن نور الشريف أحد أهم الأسماء الحاضرة على الساحة الفنية، والماثلة فى أذهان ووعى الجمهور، والتى حقّقت سيرة ومسيرة فنيتين مهمتين، وساهمت فى صياغة وجه وخارطة الفن المصرى، وطبعت بصمات لامعة وزاهية فى ذاكرة وأرشيف السينما المصرية ومعجم تمثيلها الحى والثرى.

نور الشريف فنان محترف، يعرف كيف يضع يده فى أعماق الشخصية التى يتصدّى لتوقيعها بصريًّا، على الشاشة الفضية أو فى صناديق المنازل السحرية، فلن تجد شخصية اشتبك معها نور الشريف ولم يوفها حقها من الحضور الناصع، والانطلاق غير المحدود بأطر أو فضاءات، والتعبير عن ذاتها كما يليق بمساحات إنسانية معقّدة التشبيك ومحكمة النسج ومتداخلة التفاصيل والعلامات، رحلة طويلة قطعها نور الشريف على جسد الفن وفى روح الاستوديوهات وتحت بصر الكاميرات والمخرجين، تفوق فيها على نفسه أكثر من مرة، وتنوّع وتبدّل على أدوار وشخوص شتّى، لينتج ببلوجرافيا ثرية ووافرة الزخم والغنى، على مدار سنوات من العمل الجاد والإتقان والتفانى الواصلين إلى ذرى الإحكام.

 

إنه الفنان نور الشريف، الذى ملأ السمع والبصر فنًّا وإبداعًا، وكعادة الكبار والممتلئين، سقط صريع المرض دون أن يملأ الفضاء تهليلاً، لعلّه أبى أن يخصم من رصيد متعة الجماهير بفنّه، وأن يزحم عيونهم بصورته المتداعية وهيئته المريضة قبل أن يغادرنا اليوم إلى دار البقاء، فترك لهم حضوره اللامع الذى اعتادوه “بتوقيت القاهرة” على شاشات السينما، وغادر وحيدًا وعاريًا إلا من محبة الناس وزخم التاريخ وأفراد الأسرة الصغيرة، إلى العاصمة البريطانية لندن، للعلاج من المرض الذى ألمّ به، بتجمعات ماء على الرئتين، والتهاب فى الغشاء البلورى، ومشكلات فى الشرايين والأوردة والأوعية الدموية، ونحن إذ نقف على عتبة الأسى والحزن والقلق – إلى جوار جماهير ومحبّى نور الشريف – نحاول فى الوقت ذاته أن نحافظ على رونق وبهاء حضوره الذى اعتاده وكان حريصًا عليه، ولذا نستعرض لكم مسيرة الفنان نور شريف الطويلة والثرية فى هذا الموضوع.

محمد جابر ونور الشريف

ولد الفنان القدير نور الشريف فى 28 أبريل من عام 1946، فى حى السيدة زينب بالقاهرة، واسمه الحقيقى محمد جابر محمد عبد الله، حصل على دبلوم المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1967، بتقدير “امتياز”، وكان الأول على دفعته.

 

 

نور الشريف من لاعب كرة إلى فنان

ظهرت موهبة نور الشريف منذ أن كان طالبًا فى المرحلة الثانوية، والتى انضم فيها لفريق التمثيل بالمدرسة، ولكن فى منتصف الطريق جذبته رياضة كرة القدم، وأصبح بالفعل لاعبًا فى أشبال نادى الزمالك، باسمه الحقيقى “محمد جابر”، ولكن نزعة الفن وروح الفنان كانتا أقوى، فقرر نور الشريف قطع مشواره الرياضى، ليبث كل طاقاته وجهده فى الفن والإبداع.

 

أثر سعد أردش وعادل إمام فى مشوار نور الشريف

كان الفنان والمخرج المسرحى الراحل سعد أردش صاحب الفضل الأول على نور الشريف، وذلك عندما رشحه للعمل معه، وأسند له دورًا صغيرًا فى مسرحية “الشوارع الخلفية”، فلفت نظر المخرج “كمال عيد”، فطلبه ليمثل معه فى مسرحية “روميو وجولييت” التى كانت فاتحة خير عليه، إذ تعرف فى أثناء بروفات المسرحية على الفنان عادل إمام، الذى ساعده فى خوض غمار السينما بتقديمه للمخرج حسن الإمام، حيث أعجب به حسن الإمام واختاره فى دور “كمال” – صاحب المبادئ والمُثل العليا – فى فيلم قصر الشوق، رائعة الروائى المصرى العالمى نجيب محفوظ، وأبدع نور الشريف فى دوره، وحصل عن هذا الدور على شهادة تقدير، فكانت الجائزة الأولى فى مشواره الفنى.

 

نور الشريف لن يعيش فى جلباب أبيه

برع نور الشريف فى مختلف الأدوار ونوعيات الشخصيات التى قدمها على مدار مشواره الفنى، سواء فى السينما أو التليفزيون أو المسرح، ويعتبر أداؤه لدور الحاج عبد الغفور البرعى، فى مسلسل “لن أعيش فى جلباب أبى” – الذى أبدع قصته الأديب الكبير إحسان عبد القدوس – بصمة حقيقية فى حياة الفنان نور الشريف، بالإضافة إلى أدواره فى الدراما الدينية والتاريخية فى مسلسلات: عمر بن عبد العزيز، وهارون الرشيد، وعمرو بن العاص، وفى المسرح مثل مسرحيات: يا مسافر وحدك، يا غولة عينك حمرا، وكنت فين يا على.

 

 

نور الشريف .. صاحب الأعمال المثيرة للجدل

قدم نور الشريف عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية المميزة، مثل فيلم آخر الرجال المحترمين مع زوجته السابقة بوسى، وفيلم عمارة يعقوبيان مع النجم عادل إمام، وفيلم دم الغزال مع يسرا ومنى زكى، وصولاً إلى فيلمه الأخير “بتوقيت القاهرة”، الذى ما زال معروضًا فى بعض دور العرض السينمائى.

 

وفى مجال الدراما التليفزيونية تأتى مسلسلات: خلف الله، والرجل الآخر، وحضرة المتهم أبى، ولكن بعض أعمال نور الشريف أثارت جدلاً وضجة إعلامية كبيرين، أبرزها فيلم “ليلة البيبى دول”، الذى تناول مشاهد عُرِضت لأول مرة فى السينما العربية، والتى تشاهد فيها مواقف البطل “نور الشريف”، الذى كان سجينًا فى سجن “أبو غريب” العراقى، وذلك بعد اعتقاله فى أثناء أداء عمله مراسلاً صحفيًّا، واستطاع تصوير إحدى المجازر التى ارتكبتها القوات الأمريكية ضد المدنيين العراقيين، وأدى نور الشريف دوره فيه عاريًا تحت التعذيب.

 

أيضًا شهد مشوار نور الشريف جدلاً آخر، فقد أثار مسلسل “عائلة الحاج متولى” صخبًا اجتماعيًّا وإعلاميًّا قبل سنوات، بعرضه لنموذج الرجل المزواج، الذى يعشق النساء ويجمع بين أكثر من زوجة فى بيت واحد، وثار بسبب هذا المسلسل جدل كبير حول مدى تقبل الفتيات لهذا النموذج من الزواج.

 

نور الشريف .. المخرج الذكي

لم يكتف نور الشريف بالتمثيل فقط، ولكنه اتجه أيضًا إلى مجال الإخراج، ونجح فيه إلى حدّ كبير، وذلك عندما قدّم فيلم “العاشقان”، والذى حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، كما حصل نور الشريف نفسه خلال مشواره الفنى الطويل على عشرات الجوائز المهمة، من بينها جائزة أحسن ممثل عن دوره فى فيلم “ليلة ساخنة” مع الفنانة لبلبة، وعلى جائزة مهرجان نيودلهى عن فيلم “سواق الأتوبيس” مع الفنانة ميرفت أمين، والفيلمان يحملان توقيع المخرج الراحل عاطف الطيب.

 

 

نور الشريف وبوسى .. قصة ثنائي رائع

تزوج الفنان نور الشريف من الفنانة الجميلة بوسي ، بعد قصة حب عنيفة بدأت منذ صباهما، وأنجبا ابنتيهما سارة ومى، وعاشا معًا سنوات طويلة تجاوزت الثلاثين، حتى أنه كان يضرب بهما المثل فى زيجات الوسط الفنى الناجحة، ولكن فجأة – ودون سابق إنذار أو مقدمات – قرر العاشقان الطلاق فى عام 2006، وانتهت قصة الحب بينهما، وبدأت الصداقة الدائمة حتى اليوم، والتى دفعت بوسى إلى السفر مع نور الشريف إلى العاصمة البريطانية لندن فى رحلته علاجه الأخيرة.

 

 

نور الشريف .. وداعا للرجل المحترم

اليوم يودعنا نور الشريف بعد صراعه مع مرض لم ينفع معه علاج ، حزن كبير خيم في الساحة الفنية المصرية و قبلها العربية جمعاء ، ممثل و فنان و مخرج جمع من المحبة و العطاء الشيء الكثير ، وداعا نور الشريف …

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: