عرس أيت باعمران .. “أوكريس” و”أحواش” يمهِّدان لإشهار العذرية
يعترف عبد النبي إدسالم، الإعلامي المهتم بشؤون أيت باعمران، بأن رياح التمدن والحداثة ألقت بظلالها على طقوس الزواج عند أيت باعمران، بسبب التلاقح الثقافي والتأثير المتبادل بين الأمم والشعوب، إلا أنه يؤكد، في الوقت ذاته، أنه لا يجب الانسياق وراء طقوس مجتمعات أُخرى وتقليدها، واعتبارها أكثر جمالية وتحضرا، لأن لكل مجتمع أشكاله الثقافية التي تميزه، واضمحلال ثقافة شعب وطقوسه يعني نهايته وفناءه.
وهناك عدد كبير من الأسر الباعمرانية ما تزال تُصر على الاحتفاظ بتقاليد ضاربة في القدم في تنظيم زيجات أبنائها، وفق طقوس متميزة، يبسطها إد سالم في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية.
المهر والخطوبة
تبدأ الخطوبة بتحديد المهر، والذي في الغالب يكون عبارة عن مبلغ مالي رمزي، وحلي معروفة محليا بأسماء كـ”المشبوح”،”اسني”،”تازلاكت”، “تاجبات”، “الخواتم”، وألبسة نسائية كـ”ليزار”، “أملحاف”، “أحايك”، “إدوكان”، “حزام الحرير”، وبعض الافرشة كـ”الحنبل” أو الزربية أو أغطية تقليدية. ثم يُوثَّق الزواج ويتم الإتفاق على يوم العرس الذي يُرضي الطرفين.
قبل أسبوع من اليوم المحدد للعرس، تقوم أمّ العروس بدعوة صديقاتها، تنتقل من بيت إلى آخر، تخبر النسوة بموعد الحفل، فيقدمن لها هدايا من قبيل الحناء والبخور والسواك والكحل والقرنفل و”تناست”، وهي مادة شبيهة بأحمر الشفاه، بلون أسود فاتح. أما أب العريس فيقوم بدعوة كل من يلتقيه من أهل القرية لحضور الفرح القريب.
تجلس العروس يوم عرسها بغرفة منزوية بالبيت، فلا تبرح الغرفة، ولا تدخل عليها إلا المقربات من الفتيات، بينما تعم الفرحة أرجاء المنزل. تنطلق الأهازيج والمواويل، ويحرص كل المهنئين على تقديم هدايا تليق بالعروس وأهلها؛ ألبسة وأفرشة وحلي، وأحيانا شياه للذبح. ويقوم أهل العروس بإكرام المدعوين بما لذ وطاب، وفق ما تقتضيه التقاليد العريقة لأيت باعمران المعروفين بالجود والكرم.
أُوكريس
ينتظر أهل العروس أن يصل أهل العريس وقد جلبوا معهم، في عادة قديمة تُدعى “أوكريس”، ثوبا كبيرا تحمله امرأة من طينة خاصة، يختارها العريس أو أهله بدقة، يُشترط فيها أن تكون ذات أخلاق رفيعة، وسمعة جيدة، وألا تكون مطلقة أو من اللواتي تلاك سيرهن في المجامع، حتى تكون فأل خير على الزوجين.
داخل “أوكريس” يوجد الحناء، القرنفل، الصابون، العطر، البلغة الحمراء المسماة “الريحيت” و”ليزار”… وأثناء جمع تلك المواد يتم ترديد أهازيج خاصة بهذه المناسبة، فيها المعاني البليغة والأمنيات الجميلة وتقدير المتزوجين وذكر محاسنهما وأخلاقهما. أغلب الزيجات تتم في الدوار نفسه، أو في دواوير متقاربة، لذلك كان المشي قديما يتم على الأرجل أو على دواب، والذهاب على سيارة أو سرب سيارات لا يغير شيئا من الطقوس والأهازيج التي يتم ترديدها منذ زمن بعيد.
أهازيج ومواويل
أثناء وصول الوفد، يستقبلهم أهل العروس بالتمر والحليب ومواويل الترحيب والفرح. يتم إدخال ذلك الثوب المسمى “أوكريس” إلى الغرفة المنزوية التي تعتكف فيها العروس. يقدم أهلها الطعام للحاضرين في جو من الغبطة والزهو. عند الفجر يتم تجهيز العروس لأخذها نحو بيت زوجها، يتم ترديد أغان على شكل حوارات بين أهل العروس وأهل العريس، وفي الوقت ذاته، يتم إلباس ملكة الليلة التي ستزف لزوجها اللباس الخاص بهذه الذكرى التي لا تتكرر سوى مرة في العمر؛ حيت يتم إحضار “المهراز” لتحضير القرنفل والحناء لوضع الخليط فوق شعرها، يغطى بغطاء، ثم يوضع فوقه “الحبق”، الذي يربط بدوره بشال يدعى أعمام، مزركش بألوان براقة من الأخضر والأصفر.
لكل طقس من هذه الطقوس أغان خاصة، تحفظها النساء في الغالب، وينقلنها إلى الفتيات بالتواتر، فيحفظنها بالسماع في كل عرس. كذلك الشأن أثناء إلباسها الرداء الأبيض المعروف بـ”ليزار”، تردد النساء أغان أشبه بالأذكار. قبل إخراج العروس من بيت أبيها، يقوم أخوها- إن وُجِد- بإلباسها البلغة الحمراء الخاصة بالعروس المسماة “تاريحيت” ويحملها إلى صهوة الجواد أو مقعد السيارة، وإلا فعمها أو خالها من يقوم بتلك المهمة، مع ترديد أغان تطمئن العروس بأن لها إخوة هنا وهناك، وأنها في أياد أمينة، وينطلق الوفد إلى منزل الزوج، إلا أب وأم الزوجة فإنهما لا يبرحان منزلهما حتى يوم الغد.
وقت وصول العروس والوفد المرافق لها، يكون العريس في سطح المنزل رفقة مقربيه يُطل من الأعلى، وتبدأ الأهازيج التي تدعو إلى مدحه، وتشبهه بتوأم القمر الذي يجب عليه أن يلقي بنظرته على الآخرين، فيطل على الناس ويَنثر عليهم الحلويات والملح والسكر، ويتهافت العزاب لأخذ تلك القطع، تبركا وطلبا للحظ.
افتضاض البكارة
تجلس العروس في ركن غرفتها الجديدة، وتبدأ النساء في الغناء للرفع من معنوياتها استعدادا لليلتها، بعد هنيهة يخرجن بالتتابع، ويتركنها لوحدها، ثم ينشغل الجميع بـ”أحواش” الذي يتضمن “الدرست” في “أسايس”؛ حيث يعزف على الناي أو “العواد” أبيات شعرية، ويضرب “البندير” “تالونت”، والنساء يزغردن دون أن يختلطن بالرجال في عادات أيت باعمران، لحظتها ينتهز العريس فرصة انشغال الجميع بالطرب والغناء، فيتسلل إلى حضن عروسه.
يقوم أولا بنزع ذلك “الحبق” المربوط فوق رأسها، ويعلقه بإحدى المسامير الموجودة بالغرفة، يتبادلان أطراف الحديث لتلطيف الأجواء والاستئناس ببعضهما قبل افتضاض البكارة. يخرج العريس مباشرة من الغرفة، فاسحا المجال لأهل العروس للدخول للغرفة للاطمئنان على صحة ابنتهم، ثم يغادرون أيضا ويتركون جدتها أو خالتها لتتأكد من عذريتها، ونجاح عملية الافتضاض.
إشهار العُذرية
في الغد، حوالي الحادية عشر قبل الزوال، تأتي أم العروس وأبوها، رفقة بعض الأهل والأحباب، يحملون وجبة محلية تُدعى “تَاڭلا”؛ أي العصيدة، فيأكل منها جميع الحاضرين، ومنهم العريس، والعروس التي تظهر بقع دم في لباسها الأبيض، وتلك البقع تبرز عفتها، تُصر على إبرازها كما يظهر العسكري نياشينه ورُتبه، لارتباط عذريتها بشرفها وشرف أهلها.
أما الفتاة التي ينكشف أمر عدم عذريتها ليلة دُخلتها، وتم إشهار ذلك من زوجها، فتعود إلى أهلها تلك الليلة، وتُنبذ من طرف مجتمعها، مما يعرضها إلى الانطواء والعزلة، يبتعد عنها الجميع عقابا لها، ولا تبقى بجانبها في تلك المحنة سوى أمها، وأحيانا يصل بها الأمر إلى الإصابة بمرض عقلي، وأزمة نفسية، ومنهن من يضعن حدا لحياتهن بالانتحار رميا في البئر أو شنقا. إلا أن هذه الظواهر بدأت في الاضمحلال، مع تنامي الوعي والاقتناع بأن غياب الدم لا يعني بالضرورة عدم عفة الفتاة.