أعمدة

قد يكون كاذبا من قال أن حبل الكذب قصير

قد يكون كاذبا من قال أن حبل الكذب قصير، فهذا الحبل كتب له في بلادنا أن يكون أقوى من الشدة وأطول من المدة كما قال أبو الحروف في الرسوم التعليمية للأطفال.

تمنيت لو أجرت إحدى وسائط الاتصال أو الوكالات المتخصصة استقراءا للرأي حول من هي أكذب جهة في المغرب :هل هي الأحزاب ام النقابات ام الصحف ام الحكومات؟.

قد يشتد السباق وتحتدم المنافسة بين كل هذه الجهات، وقد ينالون جميعا نسبا متقاربة، فنخلص إلى نتيجة مفادها أننا نعيش في الجهة المعاكسة لمدينة أفلاطون الفاضلة، بل إننا نعيش في السوق الذي سماه الفنان عبد الوهاب الدكالي ” سوق البشرية”:

كل شيء يباع في سوق البشرية… يا شاري، ياشاري ، خذ ما يحلا لك

ما دامت القيم انهارت، انهارت، انهارت… والنفس الحرة اتهانت، اتهانت،

يحكى أن جلال السعيد حين كان رئيسا لمجلس النواب طلب من احد كتاب الدولة أن يتقدم إلى المنصة ليجيب على سؤال شفاهي، وعوض أن يناديه بكاتب الدولة قال له ” تفضل ياسيادة كاذب الدولة” فأجابه الوزير قبل أن ينهض من مكانه:”كلنا كذابون للدولة وفيها ومن أجلها”.

ولكن للكذب أصول يا سادة، فلا يجدر بمن ينتمي لحزب ذي مرجعية دينية أن يكذب، سواء كان وزيرا او برلمانيا ومنتخبا جماعيا. كما لا يجوز للشيخ أن يكذب احتراما للشيب ووقاره، ولعل الحكيم الشافعي هو من قال يوما:

احفظ شيبك من عيب يدنسه
إن البياض كثير الحمل للدنس

يؤلمني كما قد يؤلم غيري، أن يكذب الكاذب من اجل الوصول أو الاحتفاظ بالمناصب والرتب، وأقولها بأعلى صوتي: لعن الله كل المناصب والرتب، ولعن الله كل الكاذبين في كل مذهب ومقلب.

والكاذبون جهلة  مثلهم مثل مسليمة ، لكن كتب لنا أن نتعلم من عيوبهم سيرا على رأي برناردشو حين قال: “إن عيوب الكاذب والجاهل مدرسة يتعلم منها العاقل والصادق”.

 لقد كان محرر فرنسا ديغول يقول أن الكذب في السياسة هو فن استغفال الناس، وان الساسة لا يملكون أية سياسة، ولذلك يلجؤون للكذب.

لكن الكذب لم ينفع ديغول حين اشتعلت ثورة الطلاب في باريس لمدة 8 أسابيع سنة 1968، فبكى كطفل صغير واستقال من قيادة البلد الذي حرره وأسس فيه الجمهورية الخامسة.

ومن يذكر وزير الاتصال”الدعاية” عند هتلر “جوزيف جوبلز”، سيذكر قولته الشهيرة”اكذبوا حتى يصدقكم الناس، وقد تصدقون انفسكم”، لكنه هو نفسه من اضطر إلى الانتحار مع زوجته ماجدة، بعد قتلهما لأبنائهما الستة، وكانوا كلهم صغارا لا يتجاوز كبيرهم العاشرة من عمره.

فما من شئ أسهل من الكذب على المواطنين، ما دام  الجائع لا يبحث إلا عن لقمة للعيش، والفقير لا يبحث إلا عن بيت يأويه او درهم يعيل به أبناءه، والعاطل لا يبحث إلا عن العمل، فمن وعدهم بما يبحثون عنه، فهم يصدقونه لأن لا بديل لهم عن تصديقه ولو كان  كاذبا.

لقد قال أحد قادتنا الحزبيين يوما، أن الكذب يساهم في إسعاد المواطنين، وخير لنا ان نكذب  عليهم من أن نجرحهم بالحقيقة. إذن،فلا فرق بين نظرية هذا السياسي وفلسفته وما بين نظرية جوبلز في الكذب، نجانا الله من نهاية مشؤومة كنهايته.

وحين تشبه السياسة رقعة شطرنج، فللسياسي أن يلعب في كل الواجهات، ويصنع ما شاء من ألآمال لمحكوميه.

يحكى ان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ضحك كثيرا وهو يسمع أسماء وزرائه في حفل تقديم التهاني بمناسبة عيد حرب اكتوبر؛ فكان رئيس الحكومة هو نظيف، ورئيس البرلمان هو سرور، ورئيس مجلس الشورى هو الشريف، ووزير الداخلية هو الحبيب، ووزير المالية هو  البركة فقال مازحا “أترون كم أنا مبارك،بقي لي أن ابحث عن أسماء لباقي الوزارات كي أحكم المدينة الفاضلة”.

 ومما يروى عن رئيس الوزراء الشهير في بريطانيا ونستون تشرشل أنه التقى يوما برجل كهل فسأله هذا الأخير:”ألست تشرشل الذي درس معي في مدرسة هاو الابتدائية عام 1882″، فأجابه تشرشل: “والله انا هو”، فعانقه الرجل بحرارة وسأله: “وماذا تعمل اليوم؟” قال له تشرشل: “اشتغل بين الفينة والأخرى رئيسا لوزراء بريطانيا”،فانصرف الرجل وهو يقول: “كل شيئ فيك تغير ما عذا الكذب ، كنت كذابا وستبقى يا ونستون”.

هبة بريس ـ خاص 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: