نساء مقاولات تعلن أسرهن بيع فطائر رمضان

كتبته إيمان بلحاج
اليوم الأول من رمضان والساعة تشير إلى الثانية بعد الزوال. جلست أمينة، 16 عاما، على الرصيف واضعة أمامها سلة مملوءة بالرغايف (فطائر)، واصطفت نساء أخريات إلى جانبها كل واحدة محملة بما لذ وطاب من الشهوات الرمضانية والتي تعجز الموظفات على صنعها بحكم ضيق الوقت.
إنه حي من ألاحياء الشعبية ، تحول إلى سوق شعبي بمناسبة شهر رمضان الكريم وتحولت العديد من ربات البيوت إلى تاجرات موسميات، انتظرن هذه الفرصة، وهو ما يقمن به دائما في هذا الشهر من السنة. فيبدعن في صنع “الرغايف” و”البغرير” و”البطبوط” التي لا يتقنها سواهن.
ويقبل كثير من المواطنين على شراء “الرغايف” والتي تتعدى تخصص المحلات والمخبزات لتشمل الأرصفة ونواصي الشوارع وذلك لكثرة الطلب عليها والإقبال الذي تعرفه.
أمينة أسرت “لمغاربية” في وقت مازال السوق لم يعرف اكتضاضا كبيرا: “في الواقع أنا أساعد أمي التي لم تعد قادرة على الخروج إلى الشارع لكنها تعد كل هذا في البيت منذ الصباح لأحمله أنا إلى السوق. المهم هو ألا أعود بأي شيء إلى البيت( تضحك) وطبعا هذا ما يحصل دائما لأن ما تصنعه أمي يروق للكثير من الزبناء”.
أمينة عاطلة عن العمل ومنقطعة عن الدراسة منذ الخامسة ابتدائي لمساعدة أسرتها.
“وضعيتنا الاجتماعية لم تسمح بالتمدرس، فالأب غير موجود وإخوتي الثلاث مازالوا صغارا لهذا نحاول إنقاذهم أنا وأمي باللجوء إلى هذه التجارة الموسمية. إنها تكفينا لعدة شهور، لكن ليس هذا ما نعتمده بل إن أمي تهيئ هذه الرغايف وحلويات أخرى خارج رمضان لكن تحت الطلب”.
لكن الأسواق الشعبية ، وحتى بعدد من المدن الأخرى، تعج بمثل هذه الحالات. وجولة بسوق” باب مراكش” المتواجد بالمدينة القديمة أو “سوق الحفارين” أو”كراج علال” بدرب السلطان، تجعلك تقف على خصوصية هذه الأسر البسيطة التي تعيل نفسها بنفسها. فأحيانا تجد كل أفراد الأسرة الواحدة وقد خرجوا لممارسة تجارة موسمية ما.
تبدأ فاطنة المدني، وهي ربة بيت بامتياز، كل يوم على الساعة العاشرة صباحا في إعداد “بضاعتها” التي عليها أن تحملها إلى السوق قبل الواحدة زوالا، وتعترف أن تجارتها تزدهر في هذا الشهر الذي يعرف إقبالا على كل ما هو جاهز.
“إنني أقدر تعب المرأة الموظفة التي عليها عند العودة إلى البيت بعد يوم متعب في العمل لتقوم بتحضير مائدة الإفطار”
وساعد دخول المرأة للعمل في نشر شهرة هذه الصناعة. فالرغايف لدى البائعات تكلف أقل بكثير عن أسعار المخبزات.
ومع ارتفاع الأسعار الذي عرفته كل المواد الأساسية الاستهلاكية من زيت وسكر وسمن، رفعت المحلات التجارية من ثمن فطائرها، لكن نساء حيينا المنتصبات في الشوارع و على الأرصفة حافظت على نفس أسعار السنة الماضية حفاظا على زبنائها.
“أعتبر أن دورنا نحن هو تخفيف العبئ على هؤلاء الموظفات وتحضير لهن ما يزين مائدتهن. أنا أحرص على الجودة والنظافة اللتين هما أساس إقبال الزبناء على منتوجاتي وأفتخر بكون العديدات من النساء يطلبن مسبقا ما يحتجن إليه عند دعوتهم للضيوف
المكسب؟” كثير والحمد لله، ولكن يختلف بين يوم وآخر وموسم وآخر” تقول فاطنة التي تقر بعد إلحاح أن المدخول اليومي يتراوح بين 100 إلى 150 درهم في أحسن الأحوال.
نساء أخريات ليس لهن نفس حظ فاطنة.
” تبوح خديجة عامري المرأة التي تأبى إلا أن تكون في الموعد في السوق كل يوم، لكن ظروف عائلية أخرى تحول دون ذلك، فالزوج مقعد مريض يحتاج دواء يوميا تسهر خديجة على مده به في موعده، فضلا عن حاجيات أخرى يجب أن تقوم بها في البيت وبالتالي لا تتمكن من الخروج إلى السوق بشكل منتظم يسمح لها بتحصيل مدخول منتظم.
الشباب أيضا لا يفوّت هذه الفرصة، فالبعض اكترى طاولات مستطيلة الشكل ينصبها بأبواب المقاهي التي لاتفتح في النهار، ليقدموا” الشباكية” وهي نوع من الحلويات المغربية التي يعشقها الصائم، ويقدموا أوراق “البسطيلة” وأنواع شتى من التمور والبيض…
متاعب هؤلاء مع السلطات المحلية كثيرة، فممنوع أن يتجمع مثل هؤلاء الباعة في أحياء آهلة بالسكان وأمام المتاجر، لأن القانون المغربي يمنع البيع بالتجول، وهكذا يتعرضون لمضايقات” المخازنية” وهم رجال شرطة تابعة للجماعات المحلية تزجرهم من حين لآخر، وتطاردهم عبر الأزقة.
“لأن ذلك يخلق نوعا من الفوضى ، ويعرقل حركة السير والمرور، كما أن الأمر هو موضوع شكاوي متعددة من أصحاب المحلات التجارية التي غالبا ما يحجبون عنها المارة” يقول مسؤول من الجماعة الحضرية، كان يرافق دورية الأمن التي تطارد الباعة.
. لكن هذه المطاردة تقل كثيرا في هذا الشهر المبارك تفهما من السلطات المحلية للظروف الاجتماعية التي يعيشها أغلب الأسر التي تتعاطى هذه المهنة الموسمية.
يقول ادريس: “قبل رمضان كنا نخوض حربا يومية مع السلطات التي تطاردنا ونحن ندفع عرباتنا الصغيرة من زنقة إلى أخرى”.
ومع ذلك لا شيء يثني عزم هؤلاء عن إعداد فطائرهم والخروج بها إلى الشارع، وحتى ولو كلف الأمر حجز هذه البضاعة، فإنهم يعاودون الكرة في اليوم الموالي”.
لو حصل أن قبض على عرباتنا، فالبضاعة تتلف ويتم حجزنا لبضع ساعات في مخفر الشرطة ثم نعود في المساء خاويي الوفاض نواجه أسرة لم تحصل على قوت يومها.
ورغم المضايقات تقول أمينة “إنها وسيلة تجعلنا نعتمد على أنفسنا وعلى مهارتنا في صنع الحلويات والشهيوات بدل احتراف التسول أو الخدمة في البيوت، و لأننا نعي أن النساء مثلنا هن من بحاجة إلينا، وإن كان زبناؤنا من الرجال أيضا”.
وتفسر إقبال الناس على الشراء من عندهن بكونهن ربات بيوت يراعين النظافة ويشتغلن بأيديهن في أواني منزلية تنظف كل يوم بدقة لأنه آواني ومعدات بسيطة عكس الآلات الكبيرة التي يعتمدها أصحاب المخبزات أو المحلات التجارية الكبرى والتي مشكوك في مدى نظافتها وجودة المواد والمنتوجات المستعملة لصنع هذه الفطائر.
تبرير منطقي بشهادة إحدى المستهلكات التي أكدت أن الطريقة التقليدية في إعداد الفطائر والشباكية وغيرها لا يضاهيها إنتاج المخبزات مهما أوهمتنا تكلفتها بأنها ذات جودة عالية.