“الترمضينة”: العنف “المبرر”

روبورطاج : نادية عماري
“غادي تبعد مني ولالا.. راني صايم”. حوارت يومية من مشاهد عديدة تعرفها مختلف الأزقة والشوارع في المغرب. ردود فعل عنيفة يصدرها بعض الصائمين أو ما يعرف لدى عامة المغاربة بـ”الترمضينة”، والتي تتزامن مع حلول شهر رمضان من كل سنة، حيث يقومون بالتعبير عن عصبيتهم بطرق متباينة ولأسباب أقل ما يمكن القول عنها أنها غير منطقية، سواء بالشتم، التعنيف كما تتجاوز حدود الكلام لتصل للضرب والجرح.
مواقف عديدة تحصل بشكل شبه يومي في أماكن عدة وأزمنة غير محددة، حيث يمكن للمارين مصادفتها صباحا أو حتى قبل دقائق معدودة من وقت الإفطار، مما يطرح أكثر من تساؤل حول هذه الظاهرة التي أضحت مقترنة في تسميتها بشهر الصيام.
عصبية وعنف بدون مبرر
الساعة تشير إلى حوالي الثالثة زوالا، يقوم أحد الباعة بسوق السمك بالمدينة القديمة لسلا بالصراخ بطريقة هستيرية، جعلت العديد من المارة مشدوهين، منهم من يراقب عن كثب تطورات الأحداث، ومنهم من هم بالمشي مهرولا مخافة حدوث أي رد فعل مفاجئ من طرفه. يعيب الباعة المجاورين له ناعتا إياهم بـ”القواسة”، صراخه لم ينقطع بل دام لفترة في ظل تجاهل من يوجه لهم الشتائم والسباب، وعلى الرغم من تدخل البعض لتهدئته إلا أنه استمر في الصراخ ونعتهم بأقبح الأوصاف قبل أن يصمت لبرهة ويقول “خرجتوا مني الهضرة وأنا صايم”.
رغم كوميدية هذا الموقف المأساوي إلا أنه أضحى واحدا من المشاهد المألوفة لدى المغاربة، تتكرر بشكل كبير خاصة في أوقات الذروة التي تشهد اكتظاظا وازدحاما للناس ممن يقومون بالتبضع لاقتناء ما يلزمهم من مواد استهلاكية وغيرها. تشرح سعاد “أصبحت أتفادى الازدحام قدر الإمكان، فخروج الناس في أوقات متقاربة يفسح المجال لحدوث المشاكل بين الصائمين. أذكر أنني كنت واقفة أمام دكان لشراء ما يلزمني من خضراوات، وإذا بأحد الشبان يجر عربته بطريقة مسرعة وكأن المكان يخلو من المارة حتى أنه كاد يصيبني في رجلي لولا لطف الله، وحينما لمته “بغا يلصقني”، بدأ بالصراخ فجأة عوض تقديم الاعتذار”.
تعتبر سعاد مثالا حيا وصريحا لما تتعرض له العديد من النسوة من مضايقات وسيل عارم من الشتائم لأسباب غير مفهومة، فقط لأنهن عبرن عن انزعاجهن من تصرف غير لائق صدر من أحدهم.
ترمضينة البعض تمثل فرصة بالنسبة لهم لإظهار مختلف السلوكات السيئة التي تعتبر لصيقة بشخصيتهم، وكأنهم يأمرون البقية بعدم الاقتراب أو التدخل فقط لأنهم صائمون، في إشارة تحذيرية مسبقة تكسبهم نوعا من الهالة والهيبة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمجاورتهم لأناس يمارسون نفس الحرفة. يقول خالد، طالب جامعي “ياليت الأمور تظل في نطاق الكلام ولو أنه غير مقبول، كما نقول “اللسان مافيه عظم”، المعضلة الكبرى أن الأمور تخرج في أحيان كثيرة عن نطاق السيطرة، حيث يقوم الباعة بالتراشق باستخدام الصناديق الخشبية أو أي أدوات حادة للضرب والتهديد. “غير الله يحضر السلامة”.
رمضان شهر السلام النفسي
إلى جانب هاته الفئة المعترضة دون سبب، تبرز فئة أخرى تسعى لقضاء صيامها في ظروف جيدة بعيدة عن أجواء التوتر والغضب غير المبرر، حيث تحرص على عدم التلفظ بالكلام المسيء ولا يظهر عليها أي تغير مزاجي بشكل عام. يشرح أحمد، بائع متجول “من المفروض أن يمر رمضان في ظروف يملؤها الفرح والبهجة، لكن الواقع لا يمثل ما يجب القيام به تجاه بعضنا البعض، بالنسبة لي من الأحسن ألا يصوم هؤلاء الناس “حيت غيديروا خير كبير في راسهم”، أولا كي لا يلوثوا أجواء الشهر بتصرفاتهم الرعناء، ثانيا حتى نتجنب تلويث سمعنا بالكلمات النابية والحوارات التي تفقد الشهر حلاوته”.
نفس الرأي يتقاسمه العربي الذي عبر عن امتعاضه من هاته الأساليب التي تنزع عن الشهر الكريم صبغته الروحانية، خاصة أن الأذى من كلامهم يطال أناسا آخرين لا علاقة لهم بالمشاكل النفسية التي يعانون منها.
تعمد الخصام خلال شهر رمضان لا يقتصر على الأحياء والشوارع، بل يشمل علاقات الجيران مع بعضهم، مما يساهم في خلق فجوة كبيرة تؤثر سلبيا في تعاملاتهم اليومية لاحقا. تؤكد الحاجة فاطنة “أصبحنا نخجل من سماع كلماتهم الساقطة، أعرف أنه لا يمكن أن يمر يوم في حينا دون أن يشهد خلاف الجيران على أسباب واهية، لذلك أقفل باب بيتي بعد أن تبوء محاولاتي للتدخل بالصلح بالفشل”.
المشاكل الاجتماعية سبب الترمضينة
ويعزو الباحثون في علم الاجتماع سبب بروز الظاهرة إلى المشاكل الاجتماعية الكثيرة التي يعاني منها المجتمع المغربي، والتي أصبحت تتفاقم بشكل متزايد، مما جعل البعض يعتبر الصيام ذريعة ينفس من خلالها عن مشاكله، ويحاول الهروب ولو بشكل مقنع عن الهموم التي تلاحقه بطريقة مبالغ فيها وفي أجواء لا تتناسب مع متطلبات الشهر الكريم.
عن صافي
ويظل موقف الدين الإسلامي واضحا من “الترمضينة”، فشهر رمضان يتميز بالتسامح وشيوع الأخلاق الحميدة، حيث ينآى الصائم بنفسه عن مختلف أشكال الصراعات أيا كان نوعها والسبب وراءها.
ولتجنب التوتر الحاصل خلال النهار، ينصح الأطباء بالنوم لساعات كافية تحسبا لوقوع أية مشاكل صحية، باعتبار أن النوم غير الكافي يساهم في الشعور بالتعب وبالتالي توتر الجو العام الذي يعيشه الصائم، مما يؤدي إلى صدامات يومية يكون الإنسان معها عاجزا عن التحكم في أعصابه، وينضم مشكل الإدمان ليساهم في خلق أجواء متوترة ليس فقط خارج المنزل بل بين أفراد الأسرة الواحدة، خاصة من يدمنون على التدخين واستهلاك المواد المخدرة، حيث يساهم توقفهم عن هذه العادة في تكون سلوك عدواني لا يفرق بين قريب أو بعيد.