هل الصحافة.. بطاقة وجريدة؟
الصحافة ليست مثل الطب أو المحاماة، بل هي مهنة أخرى مختلفة قد يؤطرها ويقومها معهد متخصص، لكنه لا يستطيع أن يصنع صحافيا في شخص لا تجري هذه المهنة أصلا في عروقه.. البطاقة مهما كانت لا تصنع الصحفي، سواء وقعها نبيل بن عبدالله أو مصطفى الخلفي أو بان كيمون.. الذي يصنع الصحفي هو قلمه..
مناسبة هذا الكلام هو التهليل والتطبيل والتزمير لبطائق المخزن المسماة بالبطاقة المهنية.
في إحدى المدن الجنوبية بادر شخص أمي لا يفرق بين الألف و”الزرواطة” إلى إصدار جريدة، كانت هي الأولى في الإقليم، وحظيت بدعم السلطات، مما مكن مديرها “الأمي” من الوصول إلى العدد 11 المطلوب للحصول على البطاقة المخزنية، المسماة ببطاقة “الصحفي المهني”.
صاحبنا بمجرد حصوله على هذه البطاقة، قفزت إلى ذهنه فكرة إقصاء كل المراسلين والصحفيين بهذه المدينة الصغيرة، وشرع ينشر على صدر جريدته صورة بطاقته المهنية معلقا “هذه هي بطاقة الصحافة وليس تلك التي يدلي بها البعض”، ثم يكتب “حذاري من التعامل مع غير حاملي هذا النموذج من بطائق الصحافة”، مع أن صاحبنا لا يكتب جملة مفيدة في جريدته، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، إنما كان يؤجر بعض رجال التعليم كي يحرروا ويدبجوا له مقالات.
أمثال صاحبنا من مدراء الجرائد المحلية كثيرون، لأن جل أصحاب العناوين الصادرة بسوس أميون، ويكترون بعض المعلمين ليحرروا لهم مقالات، لكن بمجرد ما تتاح لهم فرصة الاجتماع في إطار نقابي أو جمعوي، إلا ويطعنون في رجال التعليم، “أسيدي هاد المهنة خرجوا عليها المعلمين.. لّي عندو مهنة أخرى إقابلها ويخلي المهنة ديالنا”.. نعم هكذا يعلق، مع أنه لا يعرف تركيب جملة مفيدة.
في جميع أنحاء العالم، يا سادة، هناك أناس يشتغلون في الصحافة مع أنها ليست مهنتهم الأساسية، لأن الصحافة ليست مجرد مهنة، لكنها أيضا إبداع ونضال وممارسة حق.. مع أنني موظف، مارست الصحافة مند ما يزيد عن 25 سنة، دبجت خلالها آلاف المقالات.. ماذا سأسمي هذا إن لم يكن ممارسة صحفية؟
أن تكون صحافيا ليس معناه أن تكون حاملا لبطاقة وزارة الاتصال.. لأن أميين نعرفهم يحملونها.. أن تكون صحافيا ليس معناه أن تصدر جريدة، بل الصحافة فوق كل هذا وذاك هي رسالة..