“الشمكارا”.. أطفال في أحضان الشارع

إنهم أطفال الشوارع أو ما يصطلح عليهم بـ”الشمكارا”، يوحدهم مصير قاتم رغم اختلاف الأسباب التي دفعتهم إليه إجباريا، انحراف وإدمان يصل أحيانا إلى حد ارتكاب أفعال إجرامية.
طفولة مضطهدة
بوجه شاحب، ملامح ثابتة ونظرات منكسرة، يقف خالد (اسم مستعار) أمام محل لبيع المواد الغذائية، وبصوت منخفض لا يكاد يسمع يقوم باستجداء من يهم بالتبضع،”اعطيني شي درهم”. تجاهل البعض لا يشكل رادعا بقدر ما يحفزه على السؤال مجددا قبل أن ينصرف لمحل آخر، وقد تبخرت آماله في الحصول على مبتغاه.
“أمي هي أسبابي في هاد الحالة”، يشرح في كلمات متقطعة عن سبب تواجده في الشارع وهو لم يكمل بعد ثلاث عشرة سنة. في سن صغيرة يتحدث خالد واصفا حالته وكأنه شخص بالغ يعي كليا ما يدور حوله.
مشاعر الطفولة البريئة تحولت لنوع من الغضب والسلبية تجاه من يعتبرها السبب الرئيسي وراء ضياعه في عالم التشرد.
انقطاعه عن التمدرس ساهم بداية في جعله على اتصال مباشر بالشارع في غياب الأم التي تقضي يومها كاملا خارج المنزل،”كاتمشي تسعى، ومحرمة عليا ندخل البيت حتى تجي”، يحكي موجها نظره نحو الأسفل وكأنه يطلق العنان لذاكرته، في محاولة لتجميع الأفكار واسترجاع سيناريو ما عاشه من أحداث.
سعي الأم الحثيث وراء مكوث الإبن داخل إحدى الجمعيات الخيرية حل باء بالفشل سريعا، حيث عمد خالد للهروب بعد مدة قضاها إلى جانب أطفال آخرين، والسبب حسب رأيه يعود لإهمالها وتجاهلها له، كونها لم تكن تزوره ولم تكلف نفسها عناء السؤال عنه ولو هاتفيا.
“مللي هربت تقلقات بزاف وجابت ليا الناس باش يرجعوني”،”هي لا تريدني إلى جانبها مطلقا”. يعتقد خالد أن مهمته كوسيلة لربح المال قد انتهت، فهو يعتبر أن والدته كانت تستخدمه في التسول حينما كان في سن أصغر. يضيف”انتقلت للسكن في مكان آخر، وحينما علمت بوجودي في الشارع كانت تتحاشى الالتقاء بي أو حتى إعلامي بمكان سكناها الجديد”.
ظاهرة في تزايد
يتواجد الأطفال المشردون أو ما يصطلح عليه بـ”أطفال الشوارع” في العديد من المدن، مما يعرضهم لصور عديدة من الاستغلال تصل في أحيان كثيرة حد الاعتداءات الجنسية، وغالبا ما يتم ذلك من طرف مشردين آخرين يكبرونهم في السن وتكون لهم سلطة أقوى.
تشير الإحصائيات أن ما بين 30 ألف إلى 50 ألف طفل مغربي يعيشون في الشارع خلال سنة 2012، يوجد حوالي 54 ألف طفل فاقد للحماية الأسرية، ويستقر أغلبيتهم في المدن الكبرى كالرباط والبيضاء، هذه الأخيرة التي تعرف تواجد ما يزيد عن 5500 طفل يعيشون في حالة تشرد.
وتفيد الأرقام أن هناك حوالي 24 طفلا يتم التخلي عنهم من أصل 100 طفل يولدون يوميا، و تساهم ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم في تزايد أعدادهم بكثرة.
يتصدر التسول قائمة الأعمال التي يمتهنها هؤلاء الأطفال بنسبة 18%، يليه مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية بنسبة 15%، تنظيف السيارات بـ 13%، فالسرقة بنسبة 6%.
عوامل وخلل
يؤكد الهادي الهروي باحث في علم الاجتماع لموقع صافي أن الفقر يعد من أبرز العوامل المنتجة لتشرد الأسر وخروج الأطفال إلى الشوارع في حداثة سنهم إما لاتخاذه ملاذا بشكل نهائي وإما للعمل المؤقت، فانخفاض معدل النمو وارتفاع تكاليف الحياة لا يؤدي إلا إلى التخلف والفقر والإقصاء الاجتماعي والأزمات التي يترتب عنها أيضا التفكك الأسري.
عوامل أخرى تساهم في تفاقم ظاهرة التشرد وأطفال الشوارع بالمغرب، وتتمثل حسب الهروي في الهجرة، العنف داخل الأسرة والعائلة، والذي يرجع إلى: البنية البطريركية والهيمنة الذكورية بحيث أن الأب في مجتمعنا، هو من يملك الحقيقة المطلقة والعقد والنقد في كل شيء، على اعتبار أنه امتداد للنمط الثقافي والسياسي المتسلط. علاوة على خلل تركيبة العائلة المغربية، مما يؤدي إلى تشتت الأفكار وتضارب وجهات النظر. وكذا تراجع المعايير الأخلاقية وانحلال القيم: منها استبدال الحب بالكراهية والود والحميمية بالعداء والنفور والتسامح بالثأر والانتقام…
يضيف”هناك أسباب أخرى تتمثل في زنا المحارم والجنس بالغصب، الطلاق، غياب الوعي التاريخي للنخبة الساهرة على المجتمع والدولة، وأخيرا الهدر المدرسي وغياب الدعم المجتمعي وعدم العناية بالأطفال في سن المراهقة سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو الشارع، بالإضافة لعدم توفير فضاءات اللعب والترفيه والتنفيس وإفراغ الطاقات وتفجيرها حسب الميولات والرغبات.
العدل والمساواة هما الحل
وبخصوص الحلول الممكنة لتقليص الهوة الحاصلة بين أطفال الشارع والمجتمع لتفادي الشعور بالتهميش والإقصاء، يؤكد الهادي الهروي “من الضروري وضع برامج سياسية واجتماعية وتربوية خاصة بهم تابعة لوزارة التنمية والأسرة والتضامن، ودعم الجمعيات النشيطة في مجال حماية الطفل كجمعية الأطفال في وضعية صعبة، وجمعية بيتي، مع تكثيف الجهود لإنشاء ملاجئ ودور لإيوائهم ورعايتهم”.
ويشدد على تقسيم ثروات المجتمع بشكل عادل وتمكين الأسر الفقيرة التي لا دخل لها من منح ورواتب شهرية للإيفاء بحاجياتها الضرورية منعا للمهن التسولية، بالإضافة إلى تعميم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي.
يضيف الهروي” من الواجب محاربة الانغلاق المجتمعي والتفاوت في توزيع الخيرات والسلطة، واعتبار أن أطفال المغرب متساوون في التحصيل الدراسي وفي كسب المناصب وكذا القدرات العقلية، مادام العقل هو أعدل قسمة بالتساوي بين الناس. فليس البعض أذكى من البعض الآخر، بل الظروف المادية والتربية الثقافية والاجتماعية هي التي تبرر التفاوت في الذكاء والتحصيل وتنمي المهارات الذهنية”.