الإمام .. تشكيلي صحراوي “انتقم” من قاتل والدته بالألوان
الإمام جيمي، فنان تشكيلي ترعرع وسط أسرة صحراوية تجاذبتها شعاب السياسة، فذاقت مرارة الاختطاف والاعتقال التعسفي والتصفية الجسدية. لم يذهب الإمام ضحية الأحقاد اتجاه دولة مارست في حق أسرته ما اعتبره “تعسفا واضطهادا”، بل اختار الفن التشكيلي ملجأ.
وفي ملجئه فتح الإمام جيمي بابا على الانخراط السياسي من أجل “مغرب واحد وموحد برؤية ديمقراطية، كتب فيها مفصلا، ودعا حزبه إلى تبني حل للصحراء لا يخرج من دهاليز الإدارة و لا تكتب وثائقه بمداد المركز”، كما يقول الإمام.
هسبريس زارت التشكيلي في ورشته بمدينة أكادير، واطلعت على تجربة رجل خلط ألوان السياسة بالتشكيل، فأوصلته لوحاته لأشهر المعارض الدولية.
اختطاف ومقتل فاطمتو
استبدلت فاطمتو منت أحمد سالم ولد أباعد، والدة جيمي، خيام الصحراء بحي “الخيام” وسط مدينة أكادير، وكانت كجل نساء الصحراء امرأة مضيافة كريمة تفتح بيتها للجيران وعابري السبيل.
يحفظ جيمي في ذاكرته الكثير من الذكريات الجميلة عن والدته، فبالإضافة إلى كرمها وعلاقتها الجيدة مع محيطها، فالمرأة لم تكن لها ميولات سياسية بعينها، ولم يسبق لها أن شاركت في تظاهرة ضد النظام، أو عبرت عن وجهة نظر مرتبطة بقضية الصحراء بل بالعكس تماما، يقول جيمي الإمام، فإلى يوم اعتقالها كانت صور الملكين محمد الخامس والحسن الثاني معلقتان على جدار غرفتها.
سنة 1984 اعْتُقِلَتْ والدة جيمي من حيها بمدينة أكادير، في ظل ظروف غامضة ولأسباب غير معلومة، كما يروي الإبن ومعه جل من عرف فاطمتو وعاشرها. قضت السيدة الصحراوية، حسب شهادات من لاقته ظروفه التعيسة معها في الزنزانة، ساعات طوال داخل غرفة مغلقة يخنقها الحر وقلة الهواء.
نشف ريق فاطمتو، ويبست حنجرتها، فنادت تطلب الماء من قلب رحيم. توالى نداء العطشانة إلى أن دخل أحد سجانيها، وبدل أن يمد المرأة بالماء ضربها ضربة قاضية بحذائه العسكري على جمجمتها؛ “ربما فارقت والدتي الحياة بسبب نزيف داخلي”، يرجح جيمي في حديثه لهسبريس.
النزيف مس أيضا الاختيارت السياسية للأسرة التي توزع أفرادها عبر مسارات سياسية متباينة. ففي الوقت الذي جعل الإمام جيمي من حزب الاتحاد الاشتراكي خيارا للدفاع عن مغربية الصحراء بمنظور ديمقراطي، كما صرح في لقائه بهسبريس، اختار فرد آخر من أفراد الأسرة، وهي الغالية جيمي، الانخراط في صفوف المدافعين عن استقلال الصحراء حيث تحول صوتها، بعد صوت أميناتو حيدر، إلى واحد من أبرز الأصوات النسائية المناهض لما تسميه الغالية بـ”احتلال المغرب للصحراء الغربية”.
في ورشة جيمي الإمام، يختلط دخان الحروب التي تدار حول هذه القضية الحساسة بدخان سيجارته، وهو يتأمل في لوحاته التي جعلت من النقوش الصخرية في السمارة ونواحيها هوية وموضوعا لها.
مشاكل الصحراء لا تحل في الرباط
يشغل جيمي الإمام عضوية المجلس البلدي لمدينة أكادير، التي شهدت مسقط رأسه، ويعتبر واحدا من أبرز وجوه الاتحاد الاشتراكي في فريق طارق القباج عمدة أكادير.
وكما للفنان التشكيلي رأي في تشكيل السياسة المحلية لعاصمة سوس العالمة، فهو يعمل جاهدا على إعادة تشكيل رؤية حزب القوات الشعبية لملف الصحراء.
بعد انتهاء الشوط الأول من المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي المنعقد، ببوزنيقة وفي انتظار عقد الشوط الثاني من المؤتمر لاستكمال وانتخاب الأجهزة الحزبية، بدأ بانتخاب اللجنة الإدارية وانتهاءً بالمكتب السياسي، ترك جيمي ريشة الفنان وحمل قلم الفاعل الحزبي صحبة مجموعة من الأطر الاتحادية الصحراوية، منبها قيادة حزبه الجديدة لأهمية مراجعة المقاربة السياسية لملف الصحراء.
واعتمد الرجل في ذلك على تصور، يعتبره متقدما، وهو تصور القيادي الاتحادي المغتال عمر بن جلون، والذي كتب في عدد من افتتاحياته وتحدث في عدد من اللقاءات عن حل استخلص منه جيمي ورفاقه نقاطا، أولها أن مغرب 1975 ليس هو مغرب 1955 “ولذلك فإن طريقة تدبير مغرب الاستقلال، لا تصلح لتدبير مغرب استكمال التحرير الوطني والوحدة الترابية”.
أما ثانيها فمفادها أن للصحراء جغرافياُ، و للصحراويين أنثروبولوجيا، خصوصيات يجب مراعاتها في سياستهم (القبلية، الترحال…) ولذلك فإنه لا يمكن حكمهم بنفس منطق وسياسة إدارة الشمال المغربي. بينما ترتكز النقطة الثالثة على فكرة أن مسألة الصحراء لا تحل ولا يمكن أن تحل في الرباط، وبمنطق الإدارة المركزية للدولة بل أساسا في عين المكان وبواسطة سكانها أنفسهم.
جيمي يختتم ورقته الموجهة لرفاقه، في حزب “الوردة”، بعتاب يقول “لم يُنصِت إلى هذا الخطاب اليساري العقلاني والديمقراطي أحد”.
معركة النقوش الصخرية
يشتغل جيمي الإمام في “تيماته” الفنية على موضوع النقوش الصخرية، حيث لا تخلو لوحة من اللوحات المعلقة على مختبره الفني من لون أو شكل أو إشارة لهذا الموروث الإنساني الذي لم يسلم من يد العابثين، واللصوص الذين دمروا أو نهبوا جل مواقعه على امتداد جغرافيا الصحراء.
قاد جيمي الإمام معركة قوية لإنقاذ منطقة “عصلي الريش” الأثري بعدما قامت إحدى الشركات باستغلاله لغايات مقاولاتية غير آبهة بقيمته التاريخية. المعركة وصل صداها إلى الصحافة ووزارة الثقافة والبرلمان وعدد من المنظمات الدولية حيث أثمر المجهود عن توقيف استغلال الشركة للموقع الأثري، وإن بشكل متأخر.
أزمة “عصلي الريش” وغيرها من المواقع التي تعيش النسيان لم تثن دجيمي من المساهمة الفاعلة في تنظيم ملتقيات دولية حول الموضوع، كان أهمها ذلك الذي شهدته مدينة السمارة، وشارك فيه عدد من الخبراء المنتمين لدول إفريقية، حيث خرجوا بـ 19 توصية رأى فيها بعض خصوم جيمي استغلالا للثقافة من أجل غايات سياسية.
التهم لم توقف مسيرة جيمي الإمام الذي تسافر لوحاته لعدد من عواصم العالم، بينما تستعد قاعات العرض بمعهد العالم العربي بباريس لاستضافة لوحاته بمناسبة تظاهرة ثقافية مغربية كبيرة يشرف عليها العاهل المغربي شخصيا.