زلزال 29 فبراير 1960بأكادير جرد للهزات المنذرة واللاحقة

كان زلزال أكادير أكبر حدث زلزالي سجل وشعر به في المغرب ، وقعت الهزة الرئيسية يوم 29 فبراير على الساعة 11 و41 دقيقة ليلا بلغت شدتها الماكرو سيزمية بين عشر واحدى عشر درجة وقدرت قوتها ب 5.5 أو 5.75 بمختلف المراصد الجيوفيزيائية ودامت حسب شهادة العيان الأحياء من 10 إلى 12 ثانية ، خلال هذه المدة الوجيزة تهدمت البنايات والأحياء وجاءت خرابا وخلفت من الخسائر البشرية ما تراوح بين 15000 و20000 من الضحايا.
فهذه الهزة الرئيسية سبقتها هزتان منذ رتان الأولى يوم 23 فبراير في الساعة 12 و16 دقيقة صباحا وكانت ضعيفة والثانية يوم 29 منه في الساعة 11 و46 دقيقة صباحا وقد شعر بها جميع الناس بمستوى شدة 4 درجات.
وأعقبت الهزة الرئيسية سلسلة طويلة من الهزات اللاحقة صحبتها بعض الانهيارات في الصخور وتشققات وتصدعات في أزقة المدينة وضواحيها وسجل بارومتر الملاحة الجوية لأكادير عددا من هذه الهزات اللاحقة خلال الاسبوع التالي للهزة الرئيسية قدرت بحوالي 30 رجة عنيفة وأغلبها حصل ليلا وخلال السبت 5 والاحد 6 مارس كانت كثيرة سواء ليلا أو نهارا ، سجل بعضها أيضا في مرصد ابن رشد كما تكررت الارتجاجات أيضا في الأسبوع الموالي من 6 إلى 13 مارس وشعرت المراكب الموجودة بالميناء بعدد منها وقد أورد اريمسكو ERIMSCO في مقال عنوانه : “الهزة الأرضية بخليج أكادير” بأن أحد ضباط البحرية قد شعر بأثر الرجة على متن باخرة متحركة وكأنه اصطدم بشيء يطفو وقد استمرت الهزات الأرضية التي استمرت خلال شهر مارس بحوالي 100 هزة لاحقة قوية كما ورد شوبير CHOUBERT في مقال عنونه :
« Le Séisme d’Agadir, Ses effets et son interprétation géologique » note et mémoires du service géologiques.
أما فيما يخص اتجاه الهزات فقد لوحظ أن الهزة الرئيسية الأولى كانت في اتجاه عمودي إذ شعر الناس وكأنه رمي بهم في الهواء أو كأن الأرض تختفي من تحت أقدامهم ومباشرة حصلت هزة أرضية عنيفة وقد تبين لبعض شهود عيان أن الهزة الأولى كانت في اتجاه غربي مما جعل بعض الأشياء نحو الشرق أو جنوب شرق.
غير أن عملية توطين المركز السطحي لزلزال أكادير وتوزيع الشدة اختلف في شأنهما علماء الزلزال لقلة عدد محطات الرصد الذي سجلته ، واعتمادا على ما أقره المكتب المركزي الدولي للسيسمولوجيا بستراسبورغ فقد وطن المركز السطحي في عروض 30 درجة و30دقيقة شمالا و9 درجة و40 دقيقة غربا وذلك في الساعة الحادية عشر وأربعين دقيقة (11.40 ليلا) وحدد مركزه على بعد 8 كلم شمال شمال ، غرب القصبة. ولما كانت بؤرة هذا الزلزال قريبة من السطح فقد أمكن تحديدها بالاعتماد على ملاحظة الاضرار فقط.
وعين كل من روطي Rothe وشوبر Choubert وأمبوركي Ambroggi مركز الاضرار في عروض 30 درجة و17 دقيقة شمالا و9 درجة و37 دقيقة غربا وذلك بكيلومتر واحد من إحشاش وتوجد هذه المنطقة على بعد كيلو متر واحد من المركز كما جاء في التقرير الذي اعدته اللجنة الأمريكية –Commette Februry 29.1960 – قدرت قوة الزلزال ب 5.5-7.75 في مختلف المراصد الزلزالية وبلغت شدة الهزة الرئيسية بين 10 و11 درجة على سلم مركالي المعدل –MM- بمركز منطقة أكادير في حوالي 10 كلم مربع ومن تم تتناقص تدريجيا واعتمادا على الملاحظة في عين المكان وبوضع خطوط تساوي الشدة قدرت حسب روطي Rothe في تقريره : « Séisme d’Agadir et Séismicité du Maroc »
*شدة 10 درجات في حي القصبة ، فونتي ، تالبرجت واحشاش حيث كاد يكون الهدم كليا وحيث لوحظت تشققات في كل الطرق وانقاض منهارة في كل مكان.
*شدة 9 درجات حيث الهدم جزئي أو كلي في العمارات المتينة في الحي الاداري والمدينة الجديدة.
*شدة 8 درجات حيث أفرزت تشققات وتصدعات وهدم جزئي في ضاحية أنزا وجزء من المدينة الجديدة.
*شدة 7 درجات أفرزت تصدعات وسقوط جبس في منطقة مقبرة أنزا والمدخل الجنوبي لمدينة أكادير.
ولا يزيد شعاع المنطقة المتضررة بأكادير عن 5 كلم ، وإذا كان هذا الزلزال قد خلف دمارا كثيرا في جل بنايات المدينة فهناك بنايات استطاعت مقاومة الارتجاج.
وتفسر ضخامة الاضرار الرهيبة التي وقعت بأكادير بسطحية البؤرة وقربها من المدينة ونظرا لغياب محطات الرصد الزلزالي عن المنطقة – أقرب محطة ابن رشد تبعد عن أكادير 385 كلم – فقد صعب الحصول على معلومات تحدد عمقها والتوصل إلى فكرة إجمالية عن هذا العمق وقد تبين بعد عدة مقالات أنه كان بالقرب من المدينة ب 1.3 و2 كلمتر بالنسبة لشدة 10 وبين 2 و3 بالنسبة لشدة 11 و10 .
وهكذا لم تأت هذه الاضرار جزافا ولم تعد فقط إلى طبيعة البناء والمواد المستعملة بل هناك أيضا عوامل جيولوجية أساسية تتقاسم معها أسباب هذه الأضرار ، فقد أتبثت الأبحاث الحديثة أن المنطقة الملتوية من الأطلس الصحراوي والفرع الأقصى في جنوب المنطقة الألبية في كل أفريقيا الشمالية تعد منطقة خطيرة لاتقاء ها مع الدرع الأفريقي بواسطة حادث الجنوب الأطلسي الذي يمكن تتبعه من خليج قابس إلى أكادير.
وهكذا فقد كان بناء مدينة أكادير فوق هذا الحادث التكتوني الكبير الذي يفصل المجال الأطلسي عن مجال الأطلس الصغير والمعروف في الكتابات الجيولوجية بحادث جنوب جنوب أطلسي ، وينقسم هذا الحادث الجنوب الأطلسي في نواحي أكادير إلى فرعين : يبرز فرعه الجنوبي حيث تمثل أكادير نفسها الغوص العمودي للأراضي الكريطاسية عند أيت لمين ويمر فرعه الشمالي بحوالي 10 كيلومتر شمال مقعر أسرسيف وهكذا تكاد تكون المنطقة المركزية الأكثر تضررا بالزلزال تطابق تماما التحدب المركب.
فقد حددت الشدة القصوى للزلزال في منطقة تأخذ في الأعماق شكل طية انكسارية تنشط من جديد وقت الزلزال كما تشهد على ذلك خطوط التصدعات التي تشكل وصفتين في اتجاه جنوب غرب – شمال شرق وتقطع بشكل مستعرض عددا من الطرق خاصة الطريق الرئيسية رقم 1 وتشمل هذه المنطقة القصبة وتجمع احشاش وحي فونتي وتالبرجت وتوجد فوق منحدرات أو بجوارها ، فحي فونتي معلق مباشرة على المنحدر وحي تالبرجت يشغل الجانب المحدب في القصبة وهو موضع خطير جدا اسس فوق سلسلة طبقات منتصبة مع تعاقب أنواع متغايرة من التربة.وتقل آثار الزلزال بسرعة مجرد ما تصبح الطبقات أفقية نسبيا في منطقة مقعر سوس (الحي الصناعي المخرج الجنوبي للمدينة) حيث لعب بعد المسافة عن المركز السطحي في هذه المنطقة دورا مهما فلم تحدث سوى تصدعات محلية مثل صدع تلضي وصدع الحوار.
وهذا كان زلزال أكادير 29 فبراير 1960 ظاهرة جيولوجية تندمج مع الحركة الحالية للأطلس الكبير التي حدثت نتيجة حركة وقعت في عمق 2 أو 3 كلم في حضن حادث طية إلى ظهور صدع على طول جنوب أطلسي الذي يشكل حلقة وصل بين الاطلس الملتوي وهوة تهدل سهل سوس.
محمد الرايسي