أعمدة

الحكامة وأية أفاق لمواجهة الفساد؟

تعد الحكامة  الدعامة الأساسية للدولة الديمقراطية وتفسر على أنها التشارك في صنع القرار بحيث تجعل السلطة مجرد فاعل إلى جانب فاعلين اقتصاديين واجتماعيين بالإضافة إلى مكونات المجتمع المدني، تروم بالأساس خلق دينامية إدارية ،اقتصادية واجتماعية  وهذا ما حذا بالبعض إلى القول أن الحكامة هي التسمية  الجديدة للديمقراطية بالرغم من اختلاف تأويلها بين رجال القانون والسياسة والاقتصاد  فإنه على العموم تم الإجماع على كون الهدف منها الحكم الرشيد  والتدبير الجيد للشأن العام عبر تحقيق التعاون بين مختلف السلطات.

ظهر مفهوم الحكامة في القرن 18 ولم يتم تداوله إلا في  أواخر القرن 19  وذلك مع حاجة المقاولة الصناعية  للحفاظ على التوازن الاقتصادي، وبرز هذا المفهوم بقوة  في الساحة الدولية سنة 1989   لإيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية الإفريقية  وقد أثار نقاشا كبيرا لكن لم يفلح في الوصول إلى وضع معايير محددة وانعكس ذلك جليا في تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة  بحيث وضعت تعريفين ؛التعريف الأول  ركز على” ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة في كافة الميادين ويشمل ذلك الآليات والعمليات والمؤسسات التي تمكن للأفراد والجماعات التعبير عن مصالحهم وممارسة حقوقهم القانونية والوفاء بالتزاماتهم وتسوية خلافاتهم ” في حين اتجه التعريف الأخر إلى تفسير الحكامة  بأنها :”الحكم القائم على المشاركة  والمساءلة ودعم سيادة القانون  ”

وعلى العموم فانه هناك اتفاق حول كون الحكامة الجيدة هو الحكم القادر على وضع الأولويات السياسية  والاجتماعية   والاقتصادية من أجل تلبية حاجيات المجتمع وبشكل يضمن التعبير عن أكثر الأفراد فقرا وضعفا الأمر الذي سيتيح تحقيق التنمية.

خصائص الحكامة الجيدة :

المشاركة : أن يشارك المواطن في اتخاذ القرار بشكل مباشر أو غير مباشر .

حكم القانون: ويستوجب تطبيق القانون بشكل عادل ودون تحيز

الشفافية: الحق في الوصول إلى المعلومة وفتح المؤسسات أمام المواطنين وجميع المهتمين بها الأمر الذي سيمكن من متابعتها ومراقبتها.

الاستجابة : القرارات والتدابير المتخذة يجب أن تلبي الحاجيات الاجتماعية

التوافق: يجب أن يتوصل جميع المتدخلين والفاعلين إلى توافق بين مختلف المصالح والتشارك والاندماج بين جميع المتدخلين

المساءلة : وبموجبها يخضع الأشخاص ذوي القرار إلى المساءلة من قبل المواطنين والمؤسسات والقضاء

الفاعلية : إشباع الحاجيات بالكفاءة و الاستخدام الملائم للموارد

الرؤية الإستراتيجية : بحيث يكون الهدف من المخططات والقرارات  هو تنمية العنصر البشري

 توظيف الحكامة  للقضاء  على الفساد :

تقتضي الحكامة الجيدة مؤسسات تقوم على أساس الرقابة والمحاسبة وتتمتع بالشخصية المعنوية  المستقلة  ، كما يجب أن تؤدي دور التنسيق بين مختلف الأجهزة و تنفيذ المخططات لتحقيق الأهداف الإستراتيجية  للمجتمع الذي يُعنى بالأولوية القصوى مما سيمكن من استثمار الإمكانيات البشرية،المادية ،التنظيمية إلى جانب المبادئ الأخلاقية والثقافية من اجل دفع الأفراد إلى التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

وللرقي بتدبير الشأن العام والمال العام ،لابد أن تكون هذه المؤسسات  ذات مساطر إدارية سهلة وسريعة للفاعلية و النجاعة من اجل تفادي الوقوع في البيروقراطية  وبالتالي يجب توزيع الأدوار والحدود والجزاءات ، فلذا فالرقابة والمحاسبة هي الكفيلة بضمان النزاهة وهي  الدعامة المحورية لمكافحة الفساد المالي والإداري ووضع المسئولين أمام عواقب أفعالهم، أي الطلب منهم تقديم التوضيح للمواطنين حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم وقبول المسؤولية  والمساءلة عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش والانحراف والفساد.

يعتمد المغرب حاليا على الحكامة من أجل النهوض بالقطاع العام والخاص  هذه المقاربة ، أضحت تضع الديمقراطية في منعطف تاريخي خاصة أن آلية الحكامة ستعمل بمبدأ القرب لخدمة المقاولات المواطنة  وفي الآن ذاته ستكون ممركزة كسلطة وصاية ضرورية قانونيا لطلب الاستشارة  ولإعداد الإطار الملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة  للتنمية على الصعيد الوطني .

وتجدر الإشارة أنه في حال إعتبارنا الحكامة أداة للاتخاذ القرار و أنها  ستكون بمثابة سلطة ولائية على الشأن العام فيجب الحذر  من أن  تنعكس سلبا على الأجهزة اللامركزية وأبرزها مؤسسة الجهة  أما في  حال كونها  ستظل مجرد أداة  لتطوير ومواكبة مردودية القطاع  العام الخاص  فيجب العمل  بمبدأ القرب .

 مؤسسات الحكامة:

تضمن الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011  في الباب  العاشر مواد قانونية عملت على  دسترة مؤسسات الحكامة  تشتغل في مجال حقوق الإنسان والتنمية البشرية كهيئات استشارية ،بينما بعضها تشتغل في مجال الحكامة الجيدة والتقنين وليس لها طابع استشاري فقط، بل لها صلاحية تقنين وضبط وتنظيم القطاع، كالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري مثلا، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بالإضافة  لمؤسسات جديدة هي هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة ، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي تضطلع بدور المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير الأموال العامة، وتمارس كليا وظيفتها بإستقلالية وترفع إلى الملك بيانات جميع الأعمال التي تقوم بها في إطار تقريرها السنوي.

هذه المؤسسات الدستورية السامية تحظى بالشخصية المعنوية والاستقلالية عن السلطة التشريعية والتنفيذية وقراراتها وأعمالها تخضع للرقابة القانونية والدستورية معا مما يجعلها أجهزة ذات مكانة متميزة

الحكامة رافعة إجتماعية :

تقتضي الحكامة الجيدة وضع برنامج يسهل تنفيذ المخطط لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمجتمع وتحقيق النمو والتقدم الاجتماعي

الوظيفة  التنموية للحكامة : تتحقق عبر دعم الموارد البشرية والمادية وضمان تكوينهم للإسهام في تطوير الحياة الاجتماعية خاصة الشباب  والنساء والأطفال للتأقلم مع المتغيرات لتقوية البعد الثقافي والبيئي .

الوظيفة الوقائية للحكامة  : يجب معرفة الآثار السلبية التي يمكن للعملية التنموية أن تفرزها بعد كل تصنع وتحضير وتغيير قيمي  وهذا من شأنه أن يشكل نقلة نوعية في سياسة الرفاهية التي تتطلب  إعادة توجيه الموارد والأشخاص

إننا اليوم في أمس الحاجة لأخصائين اجتماعيين في عملية التخطيط على المستوى المحلي الجهوي نظرا لدوره في صنع وتعديل السياسة الاجتماعية فالسياسة الموجهة للخطط والبرامج تقتضي التوفر على البيانات الدقيقة والى تقديم التوصيات لنجاح التخطيط لتلبية الحاجيات الآنية والمستقبلية لذا يجب حصر الإمكانيات المتاحة أو الممكنة التوفر سواء كانت مادية أو بشرية أو تنظيمية

لضمان التوازن بين مختلف القطاعات والرقي بالعدالة الاجتماعية  التي هي أساس الديمقراطية التشاركية الجديدة .

وختاما الحكامة دعوة صريحة إلى التوافق في صنع القرار وتنفيذ وتقييم البرامج والمشاريع التنموية لانعكاس  نتائج التنمية المستدامة  على المجتمع .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: