العاملات الزراعيات باشتوكة ضحايا الاستغلال والتهميش والتمييز … والحوادث

لا زالت شريحة واسعة من النساء المغربيات تعشن الاقصاء والتهميش والتمييز ، ومن بينهن النساء الزراعيات لعاملات في القطاع الفلاحي ولهذا عرجت اليوم على ما تعيشه هذه الطبقة بمنطقة فلاحية بجهة سوس ماسة درعة وبالضبط بنواحي اشتوكة ايت باها وهذا راجع الى هشاشة ظروف عيشهن وحتى طريقة نقلهن على شاحنات صغيرة ” بيكوبات ” مكشوفة وباكتظاظ رهيب ، كما تعاني العاملات في هذا القطاع من التمييز الممنهج على أساس الجنس وان المجتمع لفظهن لأجل هذا الغرض الفظيع .
وحسب تقربي لهذا المشكل العويص تبين لي أن العاملات في القطاع الفلاحي وخصوصا الضيعات الفلاحية واللواتي يعملنَ أكثر من 12 ساعة يومياً لتأمين حاجات عائلاتهن وتوفير السكن اللائق، وهو هدف صعب منال تحقيقه لأكثر من 70في المائة من المستجوبات في هذه التحقيق .
وبحسب جمع للمعطيات الكاملة من بعض أصحاب الضيعات الفلاحية فانّ 68 في المئة من اللواتي يشتغلنَ كعاملات موْسِميات ويعملن بطرق متقطعة ، فيما تشتغل 32 في المئة منهنّ بصفة دائمة.
وغالبا ما توكل للنساء مهمة الجني (القطاف) وهي المهنة الأكثر شيوعاً بينهن ، فضلاً عن قلع الأعشاب الضارة وزرع البذوروالشتلات ، وحمل المنتوج ونقل المحصول وتصفيفه في صناديق وارساله الى معامل التلفيف .
ومن جهة اخرى لا ننسى أن العاملات في الضيعات الفلاحية يجدن ضغطاً كبيراً في أيام العمل بسبب نشاطهنَّ الميداني وقيامهن بالأشغال المنزلية في المساء والصباح ،منها تربية الأطفال، ما يدفعهن الى تخصيص ساعة لا أكثر لحاجاتهنَّ الفيزيولوجية و القليل من الوقت المتقطع لزيارات عائلتهن وأداء الصلوات .
تقول كلثومة (44 سنة) أرملة وأم للثلاثة أطفال: «أخرج حوالي الثالثة فجرا أي في ساعات الصباح الباكر لأعود حوالي السادسة مساءا منهكة ومتعبة لا اقدر على فعل أي شيء بعد عمل مضني وجهيد يدوم 10 ساعاتو المتواصل في حقل لجني ” اللوبية الخضراء ” التي تبعد نحو 13 كليومترا عن مكان سكني بمنطقة القليعة ».
وتضيف كلثومة والتحسر ظاهر على محياها : « اكابد العناء من الاستقاض لكي اجهز لاولادي طعامهم وأغسل ملابسهم وأكنس المنزل الصغير الذي اكتريه ، أمّا الراحة فلا اراها بالمرة والحقيقة اني بالكاد أنام 5 ساعات لأستيقظ في اليوم التالي بنفس السيناريو وأعود إلى العمل والتعب والشقاء».
أخطار متتالية وبالجملة
تتعرض العاملات الزراعيات لصعوبات وأخطار يومية ومتعددة ومتنوعة للحصول على العمل بسبب الهجرة التي صدرتهن الى هذه المنطقة ونظرا ايضا الى هشاشة أوضاعهن وزيادة عدم هيكلة مجال العمل في القطاع الفلاحي . وحسب راي حوالى 75 في المائة من اللواتي حوارتهن إلى أنهنَّ اخترن هذا العمل المتعب والشاق بسبب صعوبة ظروفهن المعيشية والمشاكل المالية اليومية استجابة اغراضهن وحاجيات اسرهن .
ومن جهة اخرى التمييز الذي يواجههن بسبب نعتهن ببائعات الجنس في العمل الفلاحي والوساطة في الدعارة ، كما تُواجه العاملات في هذا القطاع خاصة في الضيعات البعيدة المسافة مما قد يجدن صعوبة اثناء التنقّل وفي وسائل نقل مهترئة ومكشوفة وتزيد المعانات ان كانت الوسيلة ” جرار ” ولمسافات قد تصل بعض الاحيان الى 30 كلم .
وكم مرة وقعت حوادث سير مميتة ذهب ضحيتها فتيات ونساء عاملات زراعيات بالمنطقة نظرا للسرعة المفرطة او الاكتضاض الزائد على الحمولة المسموحة في نقل العمال ، وهي مركبات غير مهييئة أصلاً لنقل الأشخاص.وشهدت مؤخرا منطقة ” الخميس ايت اعميرة ” انقلاب شاحنة ” بيكوب ” راح ضحيّتها ثلاث نساء وجرحت عشر أخريات كن في الطريق الى منازلهن ، إثر اانفجار احدى عجلات الشاحنة التي كانت تقلهن. وهو ليس الحادث الوحيد ولكن يكون الأخير حتماً، ما يزيد في تأزّم الحالة المالية والاجتماعية لعائلات بعد فقدان مصدر الرزق الوحيد، لأن جُلَّ أفرادها لا يتمتّعون بالتغطية الإجتماعية أو التأمين.
وتستمر مأساة الحوادث المرورية التي تتسبب غالباً بحالات وفاة في صفوف عاملات القطاع الفلاحي، بسبب الحمولة الإضافية للسيارات التي تقلهنّ من دون أن تكون هناك أية رقابة من قبل السلطات.
تتحدّث خدوج (56 سنة) مطلقة ولها بنتان، عن مأساتها المريرة قائلة بالحرف وبتحسر : قبل سنة توقفت عن العمل نهائيا في الضيعات الفلاحية لمشكل حادث جعلني ألزم الكرسي المتحرك الذي تبرّعت لي به إحدى الجمعيّات مشكورة ، لكي استطيع التنقل بيسر.
وتتابع بغم شديد : اليوم لا استطيع العمل ولهذا ارغمت احدى بناتي على الإنقطاع عن متابعة الدراسة واستنجدت بأحد ابناء المنطقة الذي تدخل لها ومكنها من عمل بمصنع قريب من مسكننا كي توفّر لنا القوت والدواء الذي انا في امس الحاجة اليه .
” سعيد اد مبارك “فاعل جمعوي : “ستبقى مشاكل النساء تلوح في الافق يوميا وخاصة العاملات في الضيعات الفلاحية حتى وان كان في ظل حكومات متعاقبة ومتتوالية لانه لم تعطي لهذه الفئة اهتماما وتمكنها من حقوقها المشروعة ، حتى وإنّ كان المرشحون للانتخابات همهم هو كسب الاصوات ، إلاّ أنّ ذلك لم يغيّر شيئاً في أحوالهن المعيشية التقشفية المهترئة والمقلقة في ان واحد والتي تنتظر تدخّلاً واسعا وسريعاً وفاعلاً وليس وعوداً وكلاماً معسولا يحضر اثناء حملات الانتخابات ” .
يضيف سعيد : يجب ان تتظافر الجهود وكل واحد من زاويته في مجتمعنا المغربي من اجل وضع قانون تشريعي يحمي هذه الشريحة العريضة والتي تلعب ادوار كبيرة في تحقيق التنمية لبلدنا العزيز.