المجتمع

مقامرون يقضون حياتهم جريا وراء الوهم

اكابريس انفو

“الحياة” تلتقي  مدمين على ألعاب اليانصيب  ومتاجرين فيها

قبل بداية منافسات كأس إفريقيا للأمم الأخيرة، كانت قد عرضت شركة “طوطو فوت” للرهان الرياضي فرصة على زبنائها، حول المراهنة بمبلغ 10.000 درهما دفعة واحدة في مقابل ربح 5000 درهما في حالة تمكن المنتخب الوطني من بلوغ نهائي الكأس. لكن، لا شيء من هذا تحقق، فأرجل الأسود التي كان المقامرون يعولون عليها شُلت في الدور الأول من المنافسة، وتلاشت أحلامهم من الجانبين، ربح 5000 درهم وتحقيق الأهم عند كل مغربي ألا وهو الدور النهائي من الكأس. اليانصيب، أو ألعاب الحظ كما يحلو للبعض تسميتها، يقبل عليها عدد كبير من المغاربة طمعا في الربح السريع، الذي لا يعتمد على مجهود أكبر سوى ضربة حظ قد تجعلك مليونيرا في رمشة عين أو “من الحمارة للطيارة”، كما يقول المثل المغربي.

الربح السريع

في وسط مدينة الدار البيضاء، قصدت “الحياة” بائعا معتمدا لليانصيب الوطنية. عند بابه، وجدنا عددا من الأشخاص يختلف متوسط أعمارهم بين 20 و50 سنة. الكل انهمك في محاولة فك شفرة رموز أوراق “الربح” التي اشتروها من عند البائع. تركيز عالي المدى، وعيون مصوبة مثل سهام حادة على الأوراق المستطيلة، من قبيل cote sport  وquatro  وloto وchrono. يكفي فقط جرة قلم بسيطة لتصبح ثريا في خمس دقائق، أو العكس الذي لا يحبذه جميع المقامرين ويقابلونه دائما بتكشيرة وعقد للحاجبين فضلا عن البصق في الهواء. تخمينات أولية تختلط مع خبرة اكتسبوها في هذا المجال. وهواية غدا البعض يعتمدها حرفة يدر من خلالها أموالا سريعة، لكن بعد أن “يخسر” أموالا متتالية، ابتداءا من 10 دراهم إلى ما فوق. “زيد الما زيد الدقيق”، كما يقولون.

غلطة حياتي

(ياسر. ن) 32 سنة، أول حالة التقت بها “الحياة”، لم يجد أي حرج في التحدث معنا عن سبب “إدمانه” على القمار الورقي وخصوصا لعبة  cote sport وtoto foot، التي تعتمد على تخمينات لنتائج المقابلات الرياضية، سواء في البطولة الوطنية أو البطولات الأوربية الشهيرة. (ياسير. ن) هو الآخر كان “ضحية” مراهنة 10.000، التي وصفها بأنها غلطة حياته، لكنه لم يتحملها لوحده فقد تقاسمه إياها صديقه بنصف المبلغ (5000) درهم، “كل مرة، أغامر بمبلغ مهم من أجل أن أربح أكثر.. هذه المرة قمرت بـ 5000 درهم ولكن ماكتابش، المنتخب عيان وخرج عليا”. يوضح ياسر لـ”الحياة”، قبل أن يضيف وهو يحاول استخراج بعض الأوراق المالية من جيب سترته السوداء، التي اندست بينها أوراق “الحظ” والمرابحات chrono وcote sport،”لقد وضعت آمالا كبيرة في المنتخب الوطني، لكنه لم ينفعنا بأي شيء.. كون غير خرج مرفوع الراس، حنا ترزينا فنصف مليون ومازال غادي نترزاو مزيان”.

صاحبي هو اللي بلاني

ويروي (ياسير. ن) أن زميلا له في العمل هو الذي شجعه على المراهنات، ولعب المرابحات السريعة. فمنذ حوالي خمس سنوات وهو يلعب العديد من أنواع القمار، بدءا بما أسماه القمار الشعبي (الرشوم والكارطة والرامي) في المقاهي الشعبية في أعماق المدينة القديمة بالدار البيضاء، مرورا بالقمار بـ”الكليبات والخيول”، أو ما يعرف بقمار السباق، وصولا إلى ألعاب loto الشهيرة. وهل تمكنت من ربح مبلغ معين ذات يوم؟ تستفسره “الحياة”، ليجيب وعيناه لم تفارقا ورقة cote sport، محاولا التخمين في الأرقام والمباريات، “منذ حوالي شهرين تمكنت من ربح 8000 درهم، بعد أن تحققت تخميناتي الرياضية، التي تمثلت في  أكثر من 12 مقابلة صحيحة في أربع بطولات عالمية.. ومنذ ذلك اليوم، لم أربح أي شيء سوى خسارة في خسارة”.

هاد الشي فيه غير الخطية

قاطعه (عزوز. س)، رجل في الأربعينيات من عمره، كان يرخي سمعه لنا بإمعان شديد، قال لـ”الحياة”، بعد أن سلك يده في جيبه مستخرجا ورقة مالية من فئة 20 درهم، لشراء ورقة loto، إنه منذ ما يزيد عن 10 سنوات وهو لم يترك أي لعبة قمار إلا وجربها، “جربت كلشي.. هاد الشي فيه غير الخطية، ولكن تبلينا بيه، مثل أي مدمن يدمن على السجائر.. أو قطع الحشيش أو الجلوس في حانات الخمر.. نخسر كثيرا كثيرا ولا نربح أي شيء.. كل يوم هذا حالي”. ويردف حديثه في ما يشبه الدعاء بعدما سلم إلى البائع الورقة لتسجيلها في آلة الليزر التي تعمل باللمس، “الله يعفو علينا، ما حيلتنا الكارو والشراب وزدنا كملناها حتى بالقمار .. تجمعو علينا”.

بيع أثاث المنزل ولعب القمار

لكن رغم ذلك، يمضي (عزوز. س) في سرد حكاية شاهد على عصر الإدمان “الورقي”، وهو يشطب على بعض الأرقام المتواجدة في مربعات الورقة المستطيلة loto، فإني أفضل هذه اللعبة على غيرها، لأنها تعتمد على الحظ فقط. كما أن المبلغ الذي يمكن أن تربحه يزيد عن مليار و180 مليون سنتيم، فيكفيك اختيار أرقام من 1 إلى 49، وعزل 6 أرقام في كل مربع وبعد ذلك انتظار النتيجة النهائية”. وأين يتم الإعلان عن النتيجة؟ هنا، دخل بائع أوراق اليناصيب الوطنية في الخط ليكشف لنا أنه بإمكان أي مقامر أن يعرف النتيجة النهائية لأي لعبة، سواء عن طريق بعض القنوات والإذاعات الوطنية، أو الجرائد، أو العودة إلى البائع المعتمد الذي يزود الزبائن بوصل النتيجة النهائية مجانا.

لحسن، هو اسم هذا البائع، الذي قال لـ”الحياة” إن إقبال الزبناء على لعب القمار لا يكاد ينقضي، فالكل يرغب، حسب ما أفاد به لنا لحسن، في الربح السريع والاغتناء بلمح البصر ولو كلفه ذلك بيع أثاث المنزل، أو الصراع مع الزوجة والوصول إلى المحاكم لطلب الطلاق، أو حتى البقاء بـ”لا عشا”. المهم هو أن يعوض ولو بقليل خسارات متتالية، لم تردعه في عدم معاودة لعب القمار. لكن في المقابل، يؤكد لحسن، فغالبا ما يربح أحد زبنائه مبلغا محترما، “فآخر مرة استطاع أحدهم ربح مبلغ 10.500، قمت بمنحها إياه، لكن عندما يتعلق الأمر بمبلغ (ضخم) أرشده إلى المركز الرئيسي لشركة لوطو في الدار البيضاء، هناك يتكفلون بمنحه مبلغه الذي ربحه”.

 

جُن لأنه ينقصه رقم واحد

ويروي لحسن قصة شهدها، هو وأخوه الذي يساعده في محل اليانصيب. قبل حوالي أربع سنوات، كان هناك رجل يرابط بشكل يومي من أجل اقتناء أوراق loto، من عند لحسن “ما عمرو ما ربح ولو سنتيم واحد”.. لكن، ذات يوم  كان مبلغ الربح يصل إلى أكثر من 850 مليون سنتيم. أقدم ذلك الرجل على دفع ثمن الورقة (40 درهما)، وعند الإعلان عن النتيجة النهائية، فوجئ الرجل بأنه أخطأ تقدير رقم واحد.. رقم كاد أن يجعله يجن “ويطير ليه الفريخ”. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد له خبر في الحي، أظن أنه جن أو ما شابه ذلك، أو ربما هو الآن في إحدى مصحات الأمراض العقلية، كما أخبرني أحد أقربائه، ينهي لحسن روايته لـ”الحياة”.

كلشي كيقمر بحال الكبير بحال الصغير

من جهته، كشف أخ لحسن لـ”الحياة” عن الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية التي تلعب القمار، قائلا: “ليس هناك فئة معينة أو محددة وإنما هناك اختلاف في السن والعقليات.. الفقير يلعب مثل الغني والصغير دون 18 سنة مثله مثل الكبير. فقط الفرق الوحيد هو الحظ الذي يغيب ويصبح عملة نادرة في مثل هاته الأمور”. أخ لحسن، الذي كانت يداه تعملان مثل آلة ألمانية من أجل تلبية طلبات الزبائن الذين بدأ عددهم يتضاعف، قال: “الربح يكون نوعا ما مضمونا في ألعاب التخمينات والتوقعات للمقابلات الرياضية، لكن ثمنه يكون ضئيلا، بالمقارنة مع ألعاب الأرقام مثل loto، التي قد تصل إلى أكثر من مليار سنتيم. وتُلعب فقط يومي الأربعاء والسبت من كل أسبوع، أما باقي الألعاب فهي في كل يوم”.

صدفة وفوز وإدمان

جلال (37 سنة)، أحد المقامرين، كانا جالسا على بعض قنينات الغاز المتراصة أمام باب محل بيع اليانصيب، أشعل سيجارة من نوع كولواز، أبى إلا أن يتحدث لـ”الحياة” عن السنوات التي قضاها وهو يلعب القمار وألعاب الحظ الورقية، وقال بنفحة ساخرة: “أنا من بين المعرفوين في الحي بالتقمار، ومازلت على ذلك، إدماني على القمار كان صدفة لاغير”. ويكشف جلال كيف تورط في هذا اللعب. “في صيف سنة 2004، تمكنت من الفوز بمبلغ مهم بالنسبة إلي، هو 7500 درهم، بعد أن لعبت لعبة الكينو التي تعتمد على اختيار الأرقام. ومنذ أن فزت وأنا ألعب القمار.. حتى اكشفت أنني قمار لاصيان وأن الطمع والربح السريع دون عناء هو سبب لجوئنا إلى هذا الميدان”.

شركات القمار “العملاقة” في المغرب

اليناصيب الوطني loterie nationale:

تأسست سنة 1971. وهي شركة تقع تحت رقابة الدولة. وهي تحتكر كليا كل ألعاب الحظ الرقمية. تتعامل الشركة هي الأخرى مع شركة gtech الأمريكية الشهيرة في مجال القمار. أطلقت الشركة سنة 2000 لعبة “كواترو” وبعدها بعامين، أطلقت لعبة “كينو”. ويتم سحب نتائج اللعبتين كل يوم عبر شركة إنتاج متعاقدة مع “اليانصيب الوطني” ثم يتم بعث الوصلة الإشهارية إلى قناة دوزيم والرياضية التي تقوم ببثها. وحسب موقع الشركة عبر الإنترنيت فإن quatro و kino، إضافة إلى loto، تشكل الثالوث الذهبي الذي تعتمد عليه “اليانصيب الوطني” لجني أرباحها. وتعتمد الشركة هي الأخرى في تسويق منتوجاتها على 2000 نقطة بيع موزعة على التراب الوطني، تأتي في مقدمتها محلات بيع التبغ بـ 26 في المائة، متبوعة بمخادع الهاتف بـ19 في المائة والمقاهي بـ16 في المائة، إضافة إلى الوراقات والأسواق الممتازة وأكشاك الجرائد وغيرها.
المغربية للألعاب والرياضة:
في موقعها الإلكتروني على الإنترنت، تفيد شركة “المغربية للألعاب والرياضة” بأنها تأسست سنة 1962، وهي تابعة لوزارة الشباب والرياضة، تملك خزينة المغرب 90 في المائة من رأسمالها، في حين يملك صندوق الإيداع والتدبير 10 في المائة. وهي تحتكر تنظيم واستغلال كل الرهانات على جميع المسابقات المنظمة، سواء في المغرب أو خارجه، باستثناء سباقات الخيل والكلاب وكذا ألعاب اليانصيب. التجأت “المغربية للألعاب والرياضة” سنة 1999 إلى الشركة الأمريكية gtech، التي تدير البنية التحتية لـ70 في المائة من ألعاب الرهان العالمية، لتدير بنيتها المعلوماتية. وقد نالت جائزة الجودة “إيزو 17799″ سنة 2004. وتعد شركة الرهان الوحيدة بالمغرب التي تحتكر أنواعاً مختلفة ومتعددة لألعاب الرهان، إذ يزيد عدد منتوجاتها عن 30 منتوجا ما بين الألعاب الفورية والألعاب الرياضية. وقد طرحت سنة 2008 وحدها ثمانية منتوجات، هي: ميغافورتين، ساروتي، شامبيون، سويرتي، ديامون، فيغاس، غراتور، بون أني. لكن أهم منتوجات الشركة، التي تحقق أرقام معاملات عالية، تبقى ” طوطو فوت” و”كوت أند فوت” و”كرونو”. وتتوزع شبكة تسويق منتوجات الشركة على 2000 نقطة. وهي مكونة من 5 أصناف: محلات بيع التبغ، المتاجر الخاصة بالرهان، الوراقات، المتاجر ومخادع الهاتف.
شركة سباق الكلاب السلوقية بالمغرب:
يرأس إدارة الشركة جيروم دي روشكوست، الذي ظلت عائلته تحتكر هذا النوع من الرهان منذ سنة 1950. يستقطب سباق الكلاب السلوقية 3 آلاف مراهن يوميا، وهو ينظم أربع مرات في الأسبوع في مضمار سباق الدراجات “الفيلودروم” في شارع بنقدور بالدار البيضاء، الذي تستغله الشركة لتنظيم سباق الكلاب السلوقية.
وإضافة إلى هذه الشركات، يوجد بالمغرب حسب موقع الشركة في الإنترنيت، ستة كازينوهات مرخص لها من قبل الدولة، هي: ميراج، و دورنت أطلانتيك، وشمس بمدينة أكادير، وكازينو مراكش، والمامونية، و أخيرا مالاباطا موفينبيك بطنجة، الذي يعتبر أكبر كازينو في العام العربي.

 

فاز بـ 700 مليون سنتيم واختفى عن الأنظار

عند محل لبيع اليناصيب الوطنية، بحي بورغون بمدينة الداربيضاء، كان يتحدث سعيد، صاحب المحل، عن قصة اعتبرها غريبة حدثت قبيل عيد الأضحى الماضي، عندما تمكن شخص من مدينة طنجة من تحقيق 10 مربعات صحيحة؛ أي 6 أرقام صحيحة من كل مربع. في لعبة loto.
وبلغت جائزة ذلك الشخص، حسب سعيد، حوالي 700 مليون سنتيم. لكنه لم يتوصل بها. والسبب هو إختفاؤه عن الأنظار. ورغم قيام شركة لوطو بحملات إعلانية تبحث عن صاحب الأرقام الرابحة، عبر بعض القنوات الوطنية وكذا الإذاعات والجرائد، فإن الرابح لم يظهر له أثر. “ظلت إعلانات الشركة دون جدوى، يقول سعيد، السيد كاع ما تسوق لـ700 مليون سنتيم”. وقد كنا دائما نتطلع لمعرفة هل تم العثور عليه كي تتغير قيمة الجائزة إلى مبلغ أكثر من 700 مليون.. وتناسلت حوله العديد من روايات ترجح سبب اختفائه. فبعضم قال إنه نسي الورقة الرابحة فشي جيب، وآخرون يردون سبب اختفائه إلى أنه توفي وفارق الحياة أو أنه لم يعد يتذكر الأرقام التي لعبت لصالحه ومنحته 700 مليون سنتيم موقوفة التنفيذ”.
وما هو الإجراء التي ستتخذه الشركة في حالة عدم قصد المعني بالأمر الشركة لتسلم جائزته؟ تستفسر “الحياة” سعيد، ليجيب، وهو يحاول أن يوحي بخبرته في الميدان، كأي حرفي ماهر يتباهى بحرفته ومورد رزقه: “القانون واضح، ثلاثة أشهر هي المدة التي ينتهي فيها الأجل. فبانقضاء هذه المدة، تنتهي مهلة الذهاب إلى الشركة لتسلم المال. وحينها، تقوم الشركة مباشرة بتجميد المبلغ، واعتماد مرابحة جديدة”.
من جهة أخرى، أكد سعيد أن العديد ممن يلعبون القمار هم “صحاب كريديات بزاف” أو ممن يود الترفيه عن نفسه فقط واختبار حظه، أو من كان قد فاز بمبلغ معين من قبل. وقال: “كم من شحص فتح له القمار باب السعادة.. فأنا أعمل في هذا الميدان منذ حوالي 6 سنوات.. وعاينت ووقفت على طلابة ولاو خانزين فلوس. كما قلت لك القمار هو الحظ، فمن لا حظ له لا يجب أن يلعب لوطو”، يستخلص سعيد في ما يشبه الحكمة.

هشام الضوو/ وجهات نظر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: