بعد مرور شهرين تقريبا.. من قتل عبد اللطيف أمرير؟
تحت مياه داكنة في إحدى الآبار، يرقد ميتا الآن. وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت عيناه تتبعانني حيثما وليت، براقتان، مهيبتان، مثل نجمتين داكنتين، معلقتين على نحو ينذر بالشؤم في أعالي السماء.
فقد أتيت إلى الإسكندرية بأمل أن استطيع، إن أنا سافرت إلى مكان بعيد، أن أهرب من هذه الذاكرة الثاقبة وأن أوقف ذلك العويل الذي يتردد صداه في رأسي، تلك الصيحة الأخيرة التي انطلقت منه قبل أن يصفى دمه، وتجحظ عيناه، وتغلق حنجرته في لهاث غير منته، وداع رجل مطعون بالسكين عواء ذئب وقع في مصيدة.
عندما تقتل أحدا، فإن شيئا منه ينتقل إليك تنهيدة، أو رائحة، أو إيماءة. وأنا أدعوها “لعنة الضحية”. تلتصق بجسمك وتتغلغل في جلدك، وتسري مباشرة إلى قلبك، وتظل تنغل في داخلك…”
هذا الكلام جاء على لسان قاتل شمس التبريزي رفيق جلال الدين الرومي في رواية “قواعد العشق الأربعون” لمؤلفتها التركية إليف شافاق. فهل يا ترى هذا الكلام أو بعضا منه انطبق على قاتل أو قتلة أمرير؟ فمهما كان عددهم فالأكيد أن من غرس السكين بقلبه لن يكون إلا شخص واحد ويد واحدة…
يقال أن الجزاء من جنس العمل، فهل طعنة القلب تلك كانت لطعنة سبق ووجهها القتيل بشكل أو بأخر لهذا القاتل والأخير رد الدين؟ تراه سيقرأ حروفي أم سيعجز كما عجزنا نحن عن فهم رسالته التي لحدود اليوم لم تفك شفرتها رغم مرور أكثر من عشرين يوما على الجريمة.
فأربع عشرة طعنة ما هي إلا فواصل لكلام كثير قيل.. وطعنة القلب تلك مع الإبقاء على السكين كانت نقطة النهاية. فإذا لم يكن بقارئ للحروف فهو أكيد وكما تقول عاميتنا الجميلة “قاري صوارو” بدليل أنه لحد الآن لا وجود لدليل يدل عليه.
يقول قاتل شمس التبريزي: “ومنذ أن قتل قابيل هابيل، ففي كل قاتل، يتنفس الرجل الذي قتله، هذا ما أعرفه، وهو أمر لا يزعجني. لم يعد يزعجني. لكن، لماذا اعترتني تلك الرجفة القوية بعد تلك الحادثة السريعة؟”. تعددت الأسباب والجريمة واحدة.. فقابيل قتل أخاه هابيل من أجل امرأة، والتبريزي قتل حسدا على صداقته الروحية مع جلال الدين الرومي، وقاتله حسب الرواية هو قاتل مأجور.
وأنت يا عبد اللطيف أمرير بأي ذنب يا ترى قتلت؟ ومن هو قاتلك؟ هل ينام كما ننام، ويأكل كما نأكل؟، ويبكي ويضحك كما نفعل نحن ؟، وهل يسير في الأسواق كما نسير؟ هل اعترته تلك الرجفة التي اعترت قاتل التبريزي؟ أو ندم كما ندم قابيل؟ فإن لم يحدث أين منهما، فعلى الإنسانية السلام…
س الجراري – أخبار الجنوب