ربورطاجات

عمّال زراعيّون يعتصمون أمام “إقطاعيّ العهد الجديد” بآيت عميرة

بعد أن قضى عمال وعاملات قرابة الشهر بمعتصم أمام مقر إدارة الشركة الفلاحية “فريش بريم”، المعروفة محليا بـ”الشرقاوي”، بتراب الجماعة القروية آيت اعميرة، ضواحي اشتوكة آيت باها، تحركت السلطات الإقليمية لعقد اجتماع طارئ استدعت إليه أطراف النزاع، توج بالاستجابة لبعض مطالب المحتجين، منها إرجاعهم إلى العمل.

ولم تمض غير أيام قليلة حتى اكتشف المحتجون العائدون إلى العمل بضيعات “فريش بريم”، نهج إدارة الشركة المُشغلة لأساليب وصفها من تحدثت إليهم هسبريس بـ”الانتقامية”، لكن هذه المرة بتدبير خطة التخلص ممن سولت له نفسه رفع صوته علنا للمطالبة بحقوقه، فشرعت المؤسسة في استهداف الأشخاص فرادى بدل مجموعات، لتطبيق قرارات التسريح والطرد في حقهم، حتى تُجنب نفسها أشكالا احتجاجية جماعية أساءت إلى سمعتها وإلى مالكها محليا وجهويا ووطنيا.

وتوالت التحركات الهادفة لهضم حقوق الطبقة المحركة لعجلة الإنتاج بهذه الضيعات، واختيار المشغل الأبراج العالية في مواجهته لآهات عشرات العاملات والعمال الذين يُعيلون مئات الأفراد من “الفتات” الذي يُؤَدَّى لهم، بعد ساعات العمل الشاق داخل البيوت البلاستيكية وغيرها، دون أن تُراعى فيها أدنى شروط الكرامة الإنسانية.

“فاطمة”، ضحية جديدة/قديمة للقرارات “التعسفية” للشركة المذكورة، فبرفقة زوجها الذي بالكاد يستطيع الوقوف، لإصابته بإعاقة حركية، وبرفقة أربعة من أبنائهما، منهم المتمدرسون، الجميع يُقاسي ظروف البرد القارس منذ أسبوع داخل “كوخ” بلاستيكي اتخذه هؤلاء لتنفيذ اعتصام أمام شركة “فريش بريم”، بسبب طردهم من العمل.

بحرقة ومرارة تتحدث إلى هسبريس، ورضيعها بين أحضانها، كاشفة عن تفاجئها بقرار الطرد ضدها، دون أن تجد السبب المُقنع وراء ذلك، وهي التي قضت زهاء سبع سنوات اشتغالا بمحطات التلفيف والضيعات التابعة للشركة ذاتها، فتم افتعال أسباب “واهية” لتكون مبررا لطردها، “أنا المعيلة الوحيدة لأسرتي، وأنتم ترون زوجي المعاق وقد التحق بي بهذا المعتصم، فلولا بعض الزميلات والزملاء الذين يمدوننا ببعض من المؤونة الغذائية لمُتنا جوعا في هذه الأيام الباردة”.

https://i1.wp.com/t1.hespress.com/files/ferme_cherkaoui_chtouka5_310896004.jpg?w=708

فعلى الرغم من تعرضها لإجهاض قسري ناجم عن اعتداء جسدي تعرضت له من قِبل أحد مسؤولي الشركة، لازلت أعراضه المرضية بادية على صحتها، ولا زالت شكايتها إلى الدرك الملكي بآيت اعميرة لم تعرف طريقها إلى تفعيل الإجراءات المسطرية، من بينها الاستماع إلى المعتدي، فإن فاطمة أصرت، في حديثها مع هسبريس، على مطلبها بإرجاعها إلى العمل، حتى يتسنى لها إعالة أفراد أسرتها، رغم ظروفها الصحية الصعبة، ” فحتى أبنائي مهددون بالانقطاع عن المدرسة، وبعض المحسنين من زميلاتي وزملائي من يتكلفون بنقلهم من وإلى المؤسسة التعليمية، أما إنجاز واجباتهم المنزلية المدرسية فيستحيل في ظل ظروف العيش وسط هذا الكوخ”، تورد المتحدثة، بنبرة ملؤها الحسرة والأسى والتذمر.

المعاناة ذاتها يتقاسمها “سعيد” مع فاطمة، وهو المطرود بدوره من الشركة بعد قرابة ثماني سنوات من العمل، فاختار هو الآخر التعبير عن احتجاجه بنصب “خيمة” بلاستيكية بجانب “كوخ” فاطمة”.

“بدون سبب، بدون سبب، تْعدّاو عْلينا لاحونا لْخْلا”، عبارات ظل المتحدث إلينا يُكررها كلما سألناه عن الدافع وراء طرده، كاشفا أن جلسة لمحاولة الصلح والاستجابة لمطلبه عُقدت لدى مفتش للشغل، غير أن الطرف المُشغِّل أبى إلا أن يرفض كل المساعي لإرجاعه، فظل متشبثا بقراره، يورد سعيد، الذي يعيش بمعتصمه ظروفا وصفها بـ”القاسية”، تماما كزميلته في العمل فاطمة.

وفي حديث آخر مع بعض العاملات والعمال الذين غادروا لتوهم محطة التلفيف بالقرب من إدارة الشركة، وكانوا في زيارة مؤازرة للمعتصمين، كشفوا أن إدارة الشركة نهجت هذا الأسلوب الانتقامي ضد الذين نفذوا اعتصامات سابقة، لكن هذه المرة بصيغ أخرى، قالوا عنها إنها ترمي إلى تشتيت الجهود وإضفاء الطابع الفردي على قرارات الطرد، لتجنيب الشركة “الغضب الجماعي”، مما سينعكس بالسلب على دورة الإنتاج بداخلها، على حد تعبيرهم.

وفي سياق الحديث، أبرزت متحدثة أن عاملة أصيبت منذ صباح اليوم بنزيف حاد، إلا أن مسؤولي الشركة تجاهلوها حتى نزفت كمية كبيرة من الدم، ولم تحضر سيارة الإسعاف إلا بعد أزيد من 4 ساعات.

عامل آخر اختار التطرق إلى ظروف العمل الشاقة والظروف الصحية والبيئية الخطيرة التي يشتغلون في ظلها، ومن بينها، رش المبيدات الخطيرة خلال اشتغالهم وسط البيوت البلاستيكية المغطاة، مما يُصيبهم باختناقات، وأمراض تنفسية مزمنة، يقول المتحدث.

يذكر أن العشرات من العمال المذكورين، نظموا منتصف الشهر الماضي، وقفة احتجاجية أمام الضيعة الفلاحية “الشرقاوي”، مع شل لحركة المرور بالطريق الإقليمية 1014، بسبب ما أسموه “صمت مسؤولي الوحدة الإنتاجية اتجاه مطالبهم، وغياب الإرادة للاستجابة لملفهم المطلبي من طرف من وصفوهم بـ “إقطاعيي” العهد الجديد.

يذكر أن إدارة “فريش بريم” عملت على تسريح العمال، كما رفضت التجاوب مع مطالب الشغيلة، المتمثلة بالأساس في تحسين وضعية العمل داخل هذه الضيعات، بحيث لم تُسعف هؤلاء العمال لا السنوات الطويلة التي قضوها في خدمة مصالح أحد أكبر المستثمرين في الميدان الزراعي بالمنطقة، ولا الأوضاع الصحية والاجتماعية التي بات جلهم يئنون تحت وطأتها، بسبب قسوة ظروف الاشتغال، (لم تُسعفهم) في تعريضهم للتشريد والرمي بهم إلى الشارع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: