العادات الاستهلاكية للمغاربة تلهب الأسعار وترفع النفقات في رمضان

الإمساك عن الطعام لا يعني بالضرورة إمساك العين عن اختيار ما لذ وطاب من الأطباق المتناثرة هنا وهناك، فـ”العين تأكل قبل المعدة”، كما يقول المغاربة، وختام يوم الصيام بمشقته وتعبه لا يكون سوى بمائدة مزركشة بشتى أنواع الطعام.
أين ما وليت وجهك، في الأسواق والشوارع والمحلات، إلا والأطباق موضوعة ومصفوفة بعناية تثير الأنوف والأبصار، وتشعل حنق المعدة التي أنهكها الصيام، لتمتد الأيادي إلى الجيوب بما كسبت في يومها، وتنفق بدون حساب أمام سطوة الشهوة على العقل.
شهر الصيام هو أيضا شهر الإنفاق والمصاريف الزائدة، بتأكيد أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي أقرت بارتفاع نفقات الأسر المغربية على المواد الغذائية التي تسجل أعلى مستوياتها على حساب باقي النفقات الأخرى.
مائدة الأرقام
حجم هذا الارتفاع في النفقات الغذائية خلال الشهر الفضيل بلغ، بحسب دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط في 2015، 28 في المائة مقارنة مع باقي شهور السنة؛ حيث ترتفع قيمتها من 1651 درهما في الشهور العادية إلى 2113 درهما في رمضان.
موائد المغاربة خلال هذا الشهر تعيش على وقع ازدحام في العرض لا يوازيه بالضرورة طلب أفراد الأسرة على هذه المواد التي تسجل، بحسب أرقام “الحليمي”، ارتفاعات صاروخية؛ حيث ترتفع نفقات الأسر على الفواكه الطرية بنسبة تتجاوز 100 في المائة، كما تسجل النفقات على الحليب ومشتقاته زيادة بنسبة 62 %، وترتفع النفقات على اللحوم والدواجن بنسبة 22.9 %.
السباق نحو مائدة الإفطار لا تقصى منه الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود، فعين المغاربة بصيرة للشهوات رغم قصر ذات اليد، وهو ما تشير إليه خلاصات أرقام “HCP”، التي أكدت أن الاستهلاك في رمضان يساهم في تقليص الفارق في الاستهلاك بين الأسر الفقيرة والغنية؛ إذ يصل الفارق 20 في المائة بين الأسر الأكثر والأقل غنى، أو 6.4 مرات، علما أنه يصل في شهور السنة الأخرى إلى 7.2 مرات.
بعيدا عن لغة الأرقام، تبدو لغة الشهادات أقوى في التعبير عن معاناة الأسر الفقيرة من تبعات موائد الإفطار التي تقض مصاريفها مضجع الآلاف من الأسر المغربية، فجيوبها تئن خلال هذه الفترة تحت وطأة ارتفاع الأسعار من جهة، وتطلع الأبصار إلى “المشتهى” من الأطباق من جهة أخرى.
“شهر الرحمة ما فيه رحمة”
الساعة ما بعد العصر، وقيظ الظهيرة قد خف نسبيا، تدب حركة المواطنين بعد أن فارقوا بيوتهم قاصدين الأسواق ونقاط التجمع الرئيسية في المدينة؛ حيث يرتفع نسق الحياة الرمضانية وتصدح حناجر الباعة بما حملت أيديهم من أطعمة ومشروبات، بينما يتبادل الباقون أطراف الحديث هنا وهناك حول مواضيع تصل بمن غلبتهم “القطعة” إلى حد الشجار، مؤشرات تعني أن موعد الإفطار قد اقترب.
وسط هذا المشهد الضاج بالحركة، وبهجة التطلع إلى الإفطار ساعات قليلة قبل حلوله، لا تخفى ملامح الانزعاج على محيا بعض المواطنين ممن اصطدمت رغبتهم في ملأ المائدة بارتفاع الأسعار، رغبة تبقى قابلة للتحقق مع مجهود بسيط في المساومة ينتج عنه تقليل للأضرار.
“المصاريف تتثكر في رمضان، راك عارف الطابلة خاصها تعمر بشما عطا الله”، تقول فوزية، ربة بيت وآثار الصيام المادية بادية على محياها، هي التي تسير شؤون عائلة من ستة أفراد، وتضيف بغضب لا تخفيه نبرتها الجافة “المسكين ما بقاش يعيش في هاد البلاد، كلشي غالي، ولكن ما عندنا ما نديرو، رمضان دايز”.
مفارقة ذات دلالة تكشف عنها إحدى السيدات عندما سألتها هسبريس عن الأسعار، “شهر الرحمة ما فيه رحمة في الأسعار، لي قربتي منها كتشويك بالغلى، الله يحضر السلامة وصافي”، جواب كان كافيا ليعكس معاناة الأسر المغربية من المضاعفات المادية للشهر الكريم على جيوبهم.
زيادة طفيفة
ارتفاع أسعار مائدة الإفطار لا يخفى حتى على حكومة بنكيران، وهو ما أكده محمد الوفا، الوزير المنتدب المكلف بالحكامة والشؤون العامة، حينما أقر، خلال الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشهرية، الأسبوع الجاري، “بوجود ارتفاع في المواد الاستهلاكية، لا يتجاوز 0.1 في المائة بالنسبة للمواد التي يقبل عليها المغاربة بكثرة في شهر رمضان”.
إقرار حصول زيادة في الأسعار خلال الشهر الفضيل، لا ينكره الباعة المتجولون وتجار المواد الغذائية، الأمر الذي جاء على لسان عبد الله، بائع بـ”سوق الكلب” في مدينة سلا، الذي قال بشأن هذا الارتفاع: “الزيادة كاينة ولكن قليلة، وماشي في جميع الخضار والفواكه”، مستطردا بالقول: “دابا الإقبال ملي كيكثر على شي سلعة، كتزاد ثمنها وهادشي راه معروف”.
وترى جمعيات حماية المستهلك أن هذا الإقبال الكثيف على اقتناء مواد معينة وبكميات وافرة في وقت واحد، هو ما يساهم في الرفع من الأسعار؛ حيث يكثر الطلب عليها ويقل العرض نظرا لانخفاض مخزونها لدى الباعة، ما يؤدي إلى ندرتها وبالتالي غلاء ثمنها.