أخبار وطنيةأراء وحواراتالأخبارربورطاجات

فوضى السياقة في شوارع المغرب .. أمراض نفسية متنقلة

الكل يلاحظ في الشوارع والطرق كيف يسوق المغاربة بشكل فوضوي وعنيف دون احترام، رغم أنهم تعلموا قانون السير ولهم رخص السياقة تبرهن على نجاحهم في السياقة، ورغم هذا نراهم يتسابقون كأنهم في حلبة موناكو ويتشاجرون بالسب واللعن، كما نلاحظ كثرة الحوادث داخل وخارج المدن.

والغريب في الأمر أن المغاربة من الجالية المقيمة بالخارج المتعودين على سياقة حضرية في بلاد المهجر نلاحظ، أثناء عطلهم بالمغرب، أنهم يسوقون “بالزّْرْبَة” و”اللهْفة”. وأتساءل ما إذا كانت “الزْرْبَة” مسألة جينية عند المغاربة.

بطبيعة الحال لا أظن أن الأسباب جينية، ولكنها تربوية بالخصوص؛ لأن التربية المغربية، مع الأسف الشديد، سواء في المنزل أو المدرسة، تتكئ على ركائز وأركان كلها خاطئة، والدليل على ذلك النتيجة التي نلاحظها جميعا في شوارعنا؛ لأن الشارع هو المؤشر الوحيد على جودة أو فشل أساليب التربية.

وهذه بعض أسباب السياقة بـ”الزّْرْبَة” عند المغاربة، أعرضها عليكم للمشاورة والبحث عن طرق تعديلها أو تغييرها:

1- مفهوم “القْفْزَة”

الكل يلاحظ أن التربية المغربية تلجأ إلى هذا الأسلوب وتطلب من الطفل أن يكون “قافْزْ” في جميع المجالات؛ بمعنى آخر أن ينتهز الفرص ولو على حساب الآخر وينهي ما يقوم به من عمل بسرعة تفوق سرعة الضوء، والمهم في الأمر بالنسبة للآباء ليس ما ينجزه الطفل، بل السرعة التي ينجز بها ما يقوم به. ولهذا تراه في كبره يحاول أن يكون “قافْزْ” في السياقة ليصل إلى مراده بسرعة فائقة، ولو كان قاصداً المقهى ليقضي فيها ساعات من اللغو مع أصدقائه.

2- أسلوب “القمع”

كما تشاهدون، التربية المغربية ترتكز على القمع ويتعلم الطفل هذه الطريقة وينتجها في كبره في جميع علاقاته حتى الزوجية، مصداقا للمثل الثقافي “المْغْرِبي كاموني ِالا مَحْكِّتِهْش مَيْعْطي ريحَة”. ولهذا في شكل سياقته يريد قمع جميع السائقين والراجلين، نازلاً بسلطة وقوة محركه عليهم.

3- “المنافسة والمقارنة”

المنافسة والمقارنة أسلوب خطير ومُهدم وليس بناء تماماً، وهذا الأسلوب نجده في تربية الطفل “خاصّْكْ تْكونْ الأول وحْسْنْ مْن كُلْشّي”، و”شوفْ سيدْكْ كَيْقْرَ مْزْيانْ تبارك الله عليه”، وهذا ما ينتج العداوة والكراهية “وْلْدْ لْحْرامْ جابْ 20/20”. وعند كبره “وْلْدْ لْحْرامْ بْنَى واحْدْ الدَّارْ كِدايْرا”، أو “وْلْدْ لْحْرامْ شْرَى طُموبيلْ دُبْلْفي”. ولهذا نرى أن المنافسة تستمر لدى الطفل في كبره مع جيرانه وأصدقائه في العمل وحتى مع إخوانه، وبطبيعة الحال حتى في سياقة سيارته أو أي محرك.

4- “انعدام مفهوم الاحترام”

مفهوم الاحترام منعدم بشكل نهائي في التربية المغربية، وترى الآباء لا يحترمون حتى عالم لعب الطفل ولا فضائه ولا رأيه، ويسبونه ويضربونه ويستهزئون مما يقوم بإنجازه؛ “أنوضْ عْلِيَّ وْبارَاكا مْنْ هادْ الهْضْرَة الخاوية”، أو “آشْ هادْ اللعب دْيالْ الدّْبيزْ”. يتعلم كذلك الطفل من آبائه عدم احترام الشارع والبيئة والجار وفي الإدارة وفي السوق وعند البقال؛ بحيث يحاولون تجاوز من سبقهم في المكان لقضاء حاجياته. كما يرى الطفل أسلوب سياقة والديه و”الطاكسي والطّوبيسْ والموطورْ وْالكَارْ” بدون أي احترام لقانون السير أو للسائقين والراجلين، ويظن أن هذا هو الأسلوب المعترف به في المجتمع. وبهذا الشكل ينتج أسلوب السياقة نفسه عند كبره.

5- “مَعْنْدْكْ شخصية”

التربية المغربية تحطم بالفعل شخصية الطفل ولا توفر له الظروف الملائمة لكي تتكون شخصيته بشكل متناغم ويكتسب الثقة في نفسه وفي الآخرين، وإذا كان الطفل متسامحا وكريما تسمع حينئذ الآباء يصرخون في وجهه ويرسخون في ذهنه “أنْتَ كامْبو وْدْليلْ وْماعْنْدْكْ شَخصية”. ومع مرور الزمان يتوصل الطفل على مفهوم خاطئ “ليِّ عْندو الشخصية هو ليِّ مَكَيْحْتَرْمْ حْتّى واحْدْ وْيْديرْ لِبْغا”. ولهذا عند كبره تراه يسوق محركه بِـ”شخصية قوية ويفرض وجوده” بالمسابقة مع السائقين، كأنه في حلبة لسباق السيارات.

6- “غياب الحس بالمسؤولية”

التربية المغربية تفتقد إلى ترسيخ الحس بالمسؤولية؛ بحيث لا تعلم الطفل أن يكون مسؤولا على نفسه وبيته وشارعه ومجتمعه، فهي دائماً تضع الطفل في موقف الفشل. فإذا أخطأ لا تشجعه، بل بالعكس تحبطه “مَالكْ دايْمْنْ حْمارْ مَتْعْرْفْ الدّيرْ وَالو”، أو “آشْ دّاكْ تْدْخُلْ فْهادْ السّْواقْ”، أو “آشْ دّاك تْعاوْنو واشْ نْتَ كَيْعاوْنْكْ شِيحّْدْ اَلبْغْلْ؟” كما يرى كذلك أنه بالنسبة لوالديه بناء المجتمع ونظافة وأمان حيِّهم وسلام مجتمعهم ليس من مسؤوليتهما، مثلاً. ولهذا ترى المغربي يسوق محركه ولا حس له بمسؤوليته في سلامة الطرق ولا يبحث سوى على سلامته وسلامة سيارته، ولكن للأسف سلامة السائق رهينة بحس المسؤولية على سلامة الآخرين.

نرى إذاً أن أساليب التربية وثقل العبارات الجاهزة وسلوك الآباء لها تأثير قوي على سلوك الطفل في كبره. وإذا كان همُّ كل فرد منا هو بناء المجتمع وسلامته وازدهاره، فلنعلم أن التربية هي الضمان الوحيد لتحقيق هذه الأهداف. ولذلك من الحكمة والمسؤولية أن نراجع أساليب التربية ونطورها لتحقيق التقدم والراحة والسلم والسلام.

*طبيب ومحلل نفساني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: