الصورة الصحفية أساس التغطية الصحفية الناجحة

إن التصوير مع تعدد أنواعه { تصوير فوتوغرافي – إعلاني – كاركتير ] أضحى الآن من أهم الأساليب الفنية المعبرة التي تدخل في الصحافة، بل أظهرت أهمية وقيمة فعلية للصورة من خلال الصحافة والمجلات في العالم.
إذا كان للصورة الصحفية من قيمة كبيرة في التأثير وترك الانطباع وتغيير المواقف والمفاهيم والتصورات فإن مرد ذلك إلى أنها تخاطب مختلف فئات المجتمع وشرائحه مما يجعل منها وسيلة إعلامية ذات تأثير بالغ في تبليغ الخطاب ونشر الرسائل الإعلامية، وذلك بعكس الكلمة المكتوبة التي يكون لها أثر محدود في الغالب على فئة المثقفين. إن هذه السمة للصورة الصحفية أدت بالقارئ لأن يقرأ الصورة قبل المقالة، وأصبحت المواضيع الصحفية تقرأ وتباع من خلال الصور المرافقة لها. وتستحضرني هنا مقولة لرئيس تحرير صحيفة عربية معروفة كان يكررها دائما حول أهمية الصورة الصحفية :”عندما أبدأ بتصفح الصحف الأردنية كل صباح أبحث بداية عن الصور التي اختارتها كل صحيفة على صفحتها الأولى قبل قراءتي للمانشيتات ولعناوين الأخبار”.
من المؤكد أن الصورة الصحفية الناجحة قد تغني عن ألف كلمة مكتوبة وقد تعبر عن ألف معنى وألف قضية، وتنبع هذه الأهمية للصورة الصحفية من كونها توقف الزمن في لحظة معينة وعند حدث معين، وهذا المعنى ما يشير إليه المصور والباحث (هيثم فتح الله عزيزة) في كتابه الصورة الصحفية بقوله: ” تعد الصورة الصحفية تسجيلاً حياً واقعياً وتاريخياً للحياة العابرة، فما يسجل في لحظة يمكن أن يكون خالداً إلى دهر من الزمن، ويمكن أن يكون دليلاً شاخصاً في العديد من الأحداث التي تمر بسرعة البرق، ولا يمكن للذاكرة أن تعود بتفاصيلها كما تفعل عدسة المصور الصحفي، بتثبيت الحقائق مثلماً وقعت بحركاتها، والتي إذا ما نجح المصور في الحصول عليها، كانت دليلاً يحقق به السبق الذي يطمح إليه”.
إن نجاح الصورة الصحفية في إيصال رسالتها ورسالة مصورها وبيان مكنونها والمعنى المقصود يعتمد على بعض الصفات والملكات التي يجب أن يعمل المصور الصحفي في إطارها، لعل أهمها بالدرجة الأساسية قدرته الفنية والذهنية، ومدى استيعابه لمجرى الأحداث، وتفهمه وتقديره للمواقف، فكثيراً ما يكون مجرى الحدث مشهوداً أمام جمع كبير من المصورين، إلا أن القليل منهم يتمكن من السيطرة على أعصابه وهم ذوو معرفة وخبرة، فيبدأون بالتفكير بمهنتهم ولا ينفعلون إزاء الحدث، وإنما يتفاعلون معه من خلال الواجب الملقى على عاتقهم. بينما يقتنص المصور الناجح والذكي والمتلهف على فنه وحبه لمهنته الفرصة للخروج من هذا الحدث بلقطات ناجحة، وهنا تعمل عدسته على أرشفة كل لحظة بلحظة مع تقدير منه لما سيحدث لاحقاً من مجريات الحدث.
بالإضافة إلى ذلك فلكي يكون المصور الصحفي ناجحا في عمله كما يقول هيثم فتح الله عزيزة: ليس مطلوبا أن يكون بارعاً في فنه فقط حتى نحصل منه على ما يشفي الغليل، وإنما يجب أن يمتلك بالإضافة إلى فنه الحس الصحفي الذي يجب أن يكون ملازماً له طيلة فترة عمله، وهو الذي سيدفعه إلى تقديم الأفضل ثم الأفضل من الصور الصحفية الناجحة. وبشكل عام لكي يكون لدينا مصور صحفي بمواصفات متكاملة يجب أن تتوفر فيه العوامل التالية:
* إمكانيته العالية في توفير الدقة والملامح والوضوح في الصورة.
* القدرة على الاختيار الصحيح للعدسات ولزاوية الرؤية.
* الاستيعاب العلمي الكامل للاختلاف بين الظل والضوء والمعادل بينهما.
* القابلية على إيقاف الحركة بصورة سريعة لاصطياد لقطة الحدث. وهذا يتوقف على طبيعة الصورة وآثارها في الرأي العام، وعلى مدى تخليدها للحظة وللحدث في الذاكرة الإنسانية.
وانطلاقاً من هذه الصفات والمتطلبات يجب على المصور أن يضع في حساباته الكثير من المفاجآت والمتغيرات التي قد تطرأ على أي موقف في أي زمان ومكان، وعليه أيضا قبل التوجه إلى ميدان الحدث أن يراعي كل الظروف والاحتمالات التي يمكن أن تحيط بمجريات الأحداث من حيث ما يحتاجه من معدات التصوير، وبعض المعلومات المفيدة عن المكان الذي سيتواجد فيه، وكذلك عن برنامج الحدث لكي يكون دائما في تفاعل مستمر مع تسلسل الأحداث، واضعاً في حساباته كل مفاجأة يمكن أن تحصل في أي لحظة. كما يجب عليه أيضا أن يحضر إلى ميدان الحدث قبل بدء مسلسل الأحداث إذا كانت التغطية مرتب لها سابقا ووقت الحدث معروف مسبقا ليستطيع أخذ أنسب مكان له من حيث زاوية الحركة، خصوصاً إذا كان مجال التصوير مقيداً كما هو الحال في المؤتمرات الصحفية، أو الاستعراضات العسكرية، أو النشاطات الرياضية.
ولكن من بين كل الصفات التي يجب أن تتوفر في الصحفي الناجح والتي تجعل من الصورة الصحفية صورة ناجحة ومميزة تبرز أهم صفة وهي السرعة في تغطية الحدث والقدرة على التعامل مع الأحداث السريعة. فأمام تصاعد وتيرة الأحداث التي يشهدها العالم أصبحت السرعة في نقل الحدث وتغطيته تعطي السبق للمصور الصحفي الذي يجيد اقتناص الفرص. من خلال سرعة تواجده في موقع الأحداث ومن خلال سرعة نقله لها وخاصة في الظروف الطارئة والأحوال الخطرة التي تتطلب شجاعة وسرعة بديهة وقوة إرادة وتصميم على أداء الرسالة الصحفية حتى لو أدى ذلك لحصول أذى معنوي أو جسماني للمصور كما هو الحال في التغطيات الصحفية للمصورين في العراق وفلسطين.