ماذا لو أوقف المغرب العمل بإتفاق الصيد مع الأوربيين ؟؟
بعيدا عن رغبة إسبانيا في تثبيت المغرب كدركي لها على الحدود البحرية لمنع تسرب المهاجرين ، في دور يرفضه المغرب، لاسيما مع وجود مفارقات غريبة في تدبير الأوربيين لهذا الملف في تعاطيهم مع دول العبور، تبرز إتفاقية الصيد البحري كواحدة من الأوراق الضاغطة على الإسبان، حيث أن إمتناع المغرب عن تجديد الإتفاقية سيكون بمثابة الكارثة على الجارة الشمالية، التي ترى في السواحل المغربية صمام الأمان لتزويد إسبانيا بالمنتوجات البحرية المختلفة. وما تأمنه من مواد اولية لسوق الإستهلاك على المستوى المحلي والأوربي، وكذا سلسلة القيمة من صناعات على صلة وثيقة بالصيد .
السؤال المطروح ماذا لو قرر المغرب مطالبة السفن الأوربية بمغادرة المياه المغربية؟ فهو قد فعلها في سنة 1999 ، واعاد الكرة سنة 2011، حيث طالب سفن الصيد الأوروبية بمغادرة المياه المغربية على الفور، ردا على قرار النواب الأوروبيين تعطيل إقرار اتفاق الصيد مع الاتحاد الأوروبي. حيث أعلنت وزارة الخارجية المغربية في بيان لها انداك أن على جميع السفن العاملة في إطار هذا الاتفاق، مغادرة المياه الإقليمية المغربية. غير ان هذه الخطوة التي تبقى خيارا للمناورة، تبدو اليوم حسب المراقبين غير مطروحة، كما ان الإتفاق مقرون بإتفاقات متشابكة في قطاعات مختلفة، تجعل التفكير في الإقدام على هذه الخطوة متسم بنوع من التهور والمجازفة، فالخلاف اليوم هو مع إسبانيا وألمانيا وليس مع مختلف دول الإتحاد، حتى أن هناك أصوات من داخل القارة العجوز تبحث عن تهدئة الأوضاع، بل وحملت المسؤولية لإسبانيا في ما يقع اليوم من تطورات تهدد السلم الأوربي.
فتلويح بوريطة بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ، أكيد انها ليست بالعبارة البريئة في خطاب الدبلوماسية ، ويحمل الكثير من الإشارات المستقبلية قد تمتد للمفاوضات القادمة لتجديد إتفاق الصيد والبحث عن أسواق وشراكات جديدة مع دول ومناطق أخرى مثل روسيا والصين والهند والخليج ، في ظل التطورات الكبيرة التي عرفها مسلسل الصحراء كواحد من الملفات التي ظلت توجع يد المغرب، في مفاوضاته مع الأوربيين بخصوص تجديد إتفاقية الصيد، خصوصا مع معرفته المسبقة بتقهقر دور الإتحاد الأوربي في السياسات العالمية ، وكذا إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء مغربية، وكذا العلاقات المغربية الصينية والمغربية البريطانية التي تقدم بدائل جديدة، ناهيك عن عودة المغرب للإتحاد الإفريقي، والتي توجت بإنفتاح قوي على الدول الإفريقية ومعها تقهقر دور أعداء الوحدة الترابية للمملكة، دون إغفال تنويع شراكات المغرب بمختلف قارات العالم ، وهي كلها معطيات تجعل من المملكة المغربية قادرة على مقارعة الإستكبار الأوربي في التعاطي مع قضاياها الحساسة. ودخول المفاوضات القادمة، بكثير من الأريحية مقارنة مع المحطات السابقة .
إن رمي إسبانيا كل الثقل على المغرب، ولومه على تحديات ظاهرة الهجرة كواحدة من الظواهر العالمية ، يؤكد بالملموس النظرة الفوقية التي تتعامل بها إسبانيا مع المملكة، كمستعمرة سابقة ، متغافلة ان هذه المستعمرة وعلى خلاف دول مجاورة، هي مملكة مجتهدة إستطاعت أن تقدم نفسها كدولة صاعدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، بل إتخذت قرارات قوية أكدت من خلالها انها دولة ذات نخوة وسيادة، ولا تقبل الإملاءات الخارجية في شؤونها الداخلية ، وانها قادرة على الرد بالطرق التي تراها مناسبة على كل من سولت له نفسه الإستهانة بقدرات المملكة .
نعم فالمغرب هو دولة مؤسسات، ويعرف إلتزاماته المشروطة بتبادل التقة مع شركائه بعد ان ظل يقدم الدروس للدول الأوربية نفسها ، فالمملكة تعرف جيدا أن موقعها يحتم عليها لعب مجموعة من الأدوار، لكن وفق منطق رابح رابح التي يتيحها الوضع المتقدم الذي تحضى به المملكة لدى الإتحاد. سيما وان إسبانيا والإتحاد الأوربي يعدان شريكان أساسيان على المستوى التجاري للمغرب، كما أن المغرب إنخرط بشكل قوي ومتجانس في التعاطي مع محاربة الهجرة غير الشرعية وكذا التعاون في مجال محاربة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، الذي يعد نموذجيا على مستوى محاربة أخطار الأفكار المتطرفة، والجريمة المنظمة وتنبيض الأموال وغيرها من الجرائم. لكنن بالمقابل فنحن امام مغرب يتجدد ويتطور بإستمرار، ويبحث على مكاسب جديدة في عالم ما بعد كورونا، وهي مكاسب، لن تكون على حساب قضاياه الحساسة، التي تعد محركا اساسيا لسياساته الخارجية.
وكان المغرب والاتحاد الأوروبي، قد وقعا في 2019 إتفاقية صيد جديدة تمتد لمدة 4 سنوات، وتحدد شروط ولوج 128 باخرة صيد أوروبية لممارسة نشاطها في المياه الإقليمية المغربية، حيث تهم هذه الاتفاقية الأساطيل التقليدية والصناعية لـ11 دولة أوروبية، هي إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وليتوانيا وهولندا وإيرلندا وبولونيا وبريطانيا. غير أن إسبانيا، وخصوصاً إقليم الأندلس، تعتبر أكبر مستفيد من هذه الاتفاقية. وستكون هي المتضرر الأكبر من أي تعديل قد يشمل الإتفاق ، إذ تعلم إسبانيا أن المغرب قد خفض عدد السفن الأوربية بالمياه المغربية من 430 سفينة برسم إتفاق 1995 إلى 119 سفينة في إتفاق 2007 وهي اليوم في حدود 128 باخرة .
سعيد المنصوري – البحر نيوز