أعمدة

ظاهرة السمنة في المجتمع الصحراوي

    بقلم :  ذ, اسليمـة امـرز

تعد ظاهرة السمنة من أهم الظواهر ارتباطا بمجتمع الصحراء ، لاسيما الاناث منهم، وذلك لتجذرها في المخيال الشعبي الأنثوي وارتباطها بمحدد الجمال حسب زعمهم. فما هو مفهوم السمنة من الجانب الطبي وماهي نتائجها واعراضها …. وكيف اضحت هذه الحالة الصحية  ظاهرة اجتماعية متفشية في الوسط الصحراوي

      تُعَرَّف السمنة بأنها تلك الحالة الطبية التي تتراكم فيها الدهون الزائدة بالجسم إلى درجةٍ تتسبب معها في وقوع آثارٍ سلبيةٍ على الصحة، مؤديةً بذلك إلى انخفاض متوسط عمر الفرد المأمول و/أو إلى وقوع مشاكل صحيةٍ متزايدةٍ. يحدد مؤشر كتلة الجسم، وهو مقياس يقابل الوزن بالطول، الأفراد الذين يعانون فرط الوزن (مرحلة ما قبل السمنة) بأنهم الأفراد الذين يكون مؤشر كتلة جسمهم بين 25 كجم/مو30 كجم/م، ويحدد الأفراد الذين يعانون السمنة بأنهم أصحاب مؤشر كتلة الجسمالأكثر من 30 كجم/م

هذا وتزيد السمنة من احتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض المصاحبة للسمنة، وخاصةً أمراض القلب، وسكري النمط الثاني، وصعوبات التنفس أثناء النوم، وأنواع معينة من السرطان، والفصال العظمي. وعادةً ما تنتج السمنة من مزيج من سعراتٍ حراريةٍ زائدةٍ، مع قلةٍ في النشاط البدني والتأثيرات الجينية. ذلك على الرغم من أن القليل من الحالات تحدث في المقام الأول بسبب الجينات، واضطرابات الغدد الصماء، والأدوية، والأمراض النفسية. ويجب ملاحظة أن الدلائل على أن الأفراد الذين يعانون السمنة يأكلون قليلاً لكنهم يزيدون في الوزن بسبب بطء عمليات الأيض قليلةٌ؛ في المتوسط فإن فقدان الطاقة لدى الذين يعانون السمنة أكبر من نظرائهم الذين لا يعانونها بسبب الحاجة للطاقة من أجل الحفاظ على كتلة جسم متزايدة.

تعد السمنة سبباً رئيسياً للموت يمكن الوقاية منه على مستوى العالم أجمع، وهي تشهد شيوعاً أوانتشاراً متزايداً بين فئات الراشدين والأطفال، وتعتبر المجتمعات المتقدمة السمنة واحدةً من أكثر مشكلات الصحة العامة في القرن الحادي والعشرين خطورة. ويُنظر إلى السمنة على أنها وصمةٌ في العالم الحديث (خاصةً العالم الغربي)، على الرغم من أنها كانت يُنظر إليها -وعلى نطاقٍ واسعٍ – على أنها رمز الثروة والخصوبة في عصور أخرى عبر التاريخ، وهو رأي ما زال سائداً في بعض أنحاء العالم..

ان تناول ظاهرة السمنة من منظور اجتماعي يجعلنا نقيم موازنة للأنثى الصحراوية عبر عصرين مختلفين ، وهما الأنثى الصحراوية في البادية قديما ، وقرينتها في العصر الحالي على اعتبار الامتداد الحضاري والتغيير الكبير الذي عرفه مجتمع الصحراء :

–         لقد كانت المرأة الصحراوية  قديما شريكا مهما في مؤسسة الاسرة بكل حيثياتها عن طريق المهام الجسام التي كانت تضطلع بها ، فهي لم تكن على الاطلاق ربة البيت بالمفهوم الذي نعرفه اليوم فقط  ، وانما كانت ربة بيت ( مولات الخيمة) وربها أيضا حينما يغيب الزوج….. وفي ارتباط وثيق بالموضوع المدروس نسجل إبتداء ان المرأة الصحراوية قديما كانت تقوم بالعديد من الاشغال الشاقة ( اشغال الخيمة- جمع الحطب- احليب لغنم والبل- نسج كل ماتتطلبه الخيمة،مسؤوليتها كزوجة، الانجاب- التربية- رعي الماشية ، المساعدة في سقيها ……) كل هذه المهام الى جانب أخرى تتطلب طاقة بدنية  هائلة ونسبة عالية من السكريات في الدم ، لتصريفها في هذه الاعمال ، لذلك كانت المرأة الصحراوية تواظب على شرب اللبن وتناول مشتقاته ( الزبدة – ادسم)  لحاجتها الصحية إليه ليس حبا في السمنة وإنما لتوفير طاقة  كافية  لعملها اليومي، اضف إلى ذلك المنتجات الطبيعية المستهلكة الخالية من المواد الضارة…

وهنا تدخل مايسمى بــــ ” ظاهرة لبلوح”  على اعتبار أن الأم أوالجدة أو الخالة  تقوم بمهمة تأهيل الفتاة للمسؤوليات التي تنتظرها ومن ضمن ذلك تأهيلها بدنيا ، أي مساعدتها على امتلاك بنية جسمانية قوية  عن طريق تناول كميات كبيرة من اللبن في أوقات منتظمة ، وهو المعروف عندنا بــ ” لبلوح”

== بطبيعة الحال إذا ما استحضرنا نمط  عيش أهل الصحراء قديما والمسار الانثوي من نعومة الأظافر حتى الذهاب الى بيت الزوجية وانجاب الاطفال وتربيتهم إضافة الى المهمات الكثيرة الأخرى، يمكن أن نجد بعض المبررات المنطقية والعلمية لإنتشار ( السمنة) قديما ….

–         اما بالانتقال إلى العصر الحاضر فيمكن الجزم بأن ثقافة الصحراء عموما والانسان الصحراوي بشكل خاص اصبح  يعيش تحت وطئ التنميط ….فكل ما يرتبط بالصحراء وثقافتها أضحى يقدم بصورة أو صور نمطية بعيدة عن الصواب  ومن ضمنها  مانشاهده اليوم عبر الخطاب الاعلامي المتجسد في تلفزة العيون والتي جعلت من الثقافة الحسانية مجرد طوطم .

ومن ضمن تلك الصور النمطية  التى انتجها الآخر وساهمنا فيها نحن سواء من قريب أو بعيد والتي تقدم المرأة الصحراوية  في القرن الحادي والعشرين على انها ذلك الكائن البشري الغريب المكتنز بالدهون ، ويمكن أن نلمس لهم العذر إذا ما استحضرنا الواقع وما نلحظه يوميا ، والأنكى من ذلك ان اعتقاد  الفتيات اليوم  وربطهم ظاهرة السمنة بالجمال تحت مقولة ” اشحم ايسكم لعوج” حتى وان استدعى الأمر تناول وصفات طبية بدون استشارة الطبيب كالاقبال المهول على بعض العقاقير المخصصة للبقر ، وبعض المحاليل الأخرى ، وهذا مايجعل هذه الفتاة عرضة للعديد من المخاطر الصحية  وهو مانشهده اليوم بكثرة عن طريق انتشار العديد من الأمراض الخطيرة ، اضافة إلى الافراط في النوم لساعات طوال مع الغياب التام لكل انواع الرياضة ماعدا رياضة الاعين عن طريق متابعة التلفاز أو الحاسوب.

في الأخير  وجب الجزم أن ظاهرة السمنة في مجتمع الصحراء  لا تعدو أن تكون اكثر من فهم خاطئ للأمور بجهل أوبدونه ، لذلك وجب على الجميع الانخراط في التوعية  من أجل التغلب على هذا الخطر الذي يحدق بحواء الصحراء. وفي سبيل ذلك، أختتم ببعض عوامل السمنة والتي أثبتتها العديد من الدراسات، اهمها تلك التي أقيمت حول المجتمع الخليجي الذي نقاسمه العديد من المشتركات الثقافية والاجتماعية:
تعد السمنة هى أكثر مرض تتداخل فيه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والغذائية مع بعضها البعض ولكن يمكننا إيجاز أهم العوامل كالتالى:-
أولا:- قلة النشاط البدنى وعدم ممارسة الرياضية بخاصة عند البالغين والنساء فكلما زادت حركة الجسم تم استهلاك الطاقة المخزونة , لذا فإن الرياضة تعتبر عاملا مهما في السيطرة على الوزن.

 ثانيا: الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالدهون والسعرات الحرارية وفى هذا الجانب يجب أن نوضح انه لا يوجد طعام يؤدى إلى السمنة ولكن الإكثار من الطعام يساعد على تراكم الدهون فى الجسم. وأثبتت الدراسات أن هناك العديد من الأطعمة الغنية بالدهون والتى يتناولها أفراد المجتمع بكميات كبيرة ومع عدم ممارسة الرياضة فإن ذلك يساعد على حدوث السمنة.
ثالثا: طول فترة مشاهدة التلفزيون واستخدام الانترنت مع تناول أطعمة ذات سعرات حرارية أثناء المشاهدة أو استخدم الإنترنت, فلقد أشارت بعض الدراسات فى دول الخليج أنه كلما ازدادت فترة مشاهدة التلفزيون زاد احتمال الإصابة بالسمنة ووجد أن هذه الظاهرة أكثر وضوحا عند الفتيات مقارنه بالشباب.
رابعا: نقص الوعى الصحى والغذائي عند أفراد المجتمع ويعتبر هذا العامل من العوامل الرئيسية في انتشار السمنة حيث توجد هناك العديد من المعلومات والاعتقادات الخاطئة
خامسا: نظرة المجتمع للظاهرة بشكل عام، حيث يسود الخلط الخاطئ بين السمنة والجمال، بل في حالات كثيرة اعتبروها (السمنة) مقوما من مقومات الجمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: