البودلاليين في طريقهم لتعويض القيوحيين بحكومة بنكيران..؟
اكابريس انفو
إن البحث في دهاليز السياسة وأسرارها في منطقة هوارة ، يشبه إلى حد كبير البحث في أعماق البحار والمحيطات ، حيث التعقيد والحروب الخفية والمعلنة . ولدراسة حالة السياسة الهوارية يتوجب على الباحث المدقق أن يلتزم الصبر الطويل والثبات العجيب مع الاستمرار على الدرس والمطالعة الاجتماعية ، والتنقيب والمفاضلة ومقارنة التجارب السياسية الهوارية بتجارب أخرى جهوية ووطنية . كما يتوجب على الباحث في شؤون السياسة الهوارية أن يكون ذا خبرة واسعة بواقع المجتمع الهواري وتاريخه وتراكماته الاقتصادية والاجتماعية والسياسة ، وأيضا التراكمات الثقافية ،وأن يكون مطلعا على أصول السياسة وقواعدها العامة .
وفي نظري فإن مثل هذا البحث لدراسة هوارة سياسيا سيستغرق دون شك عشرات السنين لفك لغز السياسة في هوارة وطلاسمها ورموزها الغامضة .فهل يمكننا بعد ذلك إثبات سلم السياسة الهوارية على حالة علمية دقيقة .
وحين تذكر السياسة في هوارة ،فهي تقترن بعائلة بودلال وعائلة قيوح باعتبارهما رحم السياسة في هوارة وأمها الحنون ،لكن هذا الحنان لايناله سوى المقربون والأنصار والأتباع ومن يمجد ويعبد أصنام السياسة ويقدم القرابين في الكفيفات وحنصالة ،أما عامة الناس فبشرهم بالعقاب وسوء الحال .
لقد استعبد هؤلاء الفراعين الناس في هوارة وسخروهم في بناء أهراماتهم وصروحهم السياسية التي لم يزدها الزمن سوى قوة وصلابة ،فأصبح المجتمع الهواري بذلك بين المطرقة والسندان ،بين مطرقة علي قيوح وسندان بودلال .نهرب من سجن القيوحيين ونكتوي بنار البودلاليين ٬فالامبراطورية البودلالية تقتسم الحكم في هوارة مع الامبراطورية القيوحية وذلك عن طريق تداول السلطة .
لقد تبسم الحظ من جديد لبودلال وأشرقت الأنوار بعد أن كان ليله مظلما بسبب حزب المصباح ، وبعد أن كانت السماء ملبدة بالغيوم ،ويبدو أن نجم العائلة البودلالية سيسطع من جديد ويتوهج في عوالم السياسة ،حيث تروج هذه الأيام أخبار في هوارة مفادها أن كبير الأحرار في بلدية أولاد تايمة ،محمد بودلال،يستعد للانقضاض على حقيبة وزارية من أجل خاطر وعيون ابنته أمينة بودلال ، وذلك على غرار ما فعل علي قيوح حين توسط لدى الأمين العام السابق لحزب الاستقلال عباس الفاسي،من أجل استوزار ابنه عبد الصمد قيوح ،وحسب مصادر عليمة فإن بودلال فضل ابنته أمينة على ابنه عزيز ،نظرا لخبرتها بأمور السياسة وتقلباتها،أما الأخيرـــــ عزيزـــــ فلا يفقه شيئا لأنه دخلها مكرها لإرضاء غرور والده .
والظاهر أن حزب الحمامة ورئيسه صلاح الدين مزوار قد طفى على السطح من جديد بعد أن حاولت طاحونة حزب المصباح سحقه وإزالته من الوجود .إذن فقد دارت الأيام على نغمات أغنية أم كلثوم وستنتقل السلطة من جديد إلى يد البودلاليين وذلك عن طريق الحصول على الحقيبة الوزارية وخاصة أن عبد الاله بن كيران يفكر هذه الأيام في الزيادة من عدد النساء في الحكومة المقبلة للتكفير عن أخطائه السابقة ،ومن بينها دون شك إقصاء المرأة في التشكيلة الحكومية القديمة .أضف إلى ذلك فإن مسؤولين كبار في جهة سوس ماسة درعة وفي الجنوب عموما يضغطون بقوة على حزب الأحرار ورئيسه مزوار من أجل استوزار أمينة بودلال كما حدث تماما مع الوزير السابق عبد الصمد قيوح ،وهكذا سوف نستمتع كثيرا في الأيام المقبلة بهديل الحمام بعدما هوت كفة الميزان ،وسيترنم بودلال كثيرا بالقصيدة الشهيرة ،المنفرجة،ـــــ اشتدي أزمة تنفرجي ــــــــ قد أذن ليلك بالبلج ـــــــ وظلام الليل له سرج ــــــ حتى يغشاه أبو السرج ــــــــ وسحاب الخير له مطر ــــــــ فإن جاء الإبان تجي ــــــ وياله من فرج عظيم قد يحمل لابنته المدللة حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أو على الأقل الحفاظ على حقيبة وزارة الصناعة التقليدية وإبقائها هوارية خالصة.
أما عبد الصمد قيوح الوزير السابق في الصناعة التقليدية ،اعتبره المحللون في شؤون السياسة ضحية أزمة سياسية حكومية سببها المباشر حميد شباط الذي انضم إلى المعارضة وترك الوزير الهواري يعاني من تبعات هذه الأزمة السياسية حيث فقد باستقالته تعويضات نهاية الخدمة في الوزارة والمعاش والحصانة البرلمانية والحصانة الدبلوماسية ،والبريستيج الاجتماعي وامتيازات أخرى كتلك العلاقات التي نسجها مع رجال الأعمال من مختلف دول المعمور وهو على رأس الوزارة .
إن انسحاب حزب الميزان من الحكومة كان سببا مباشرا في غصة قيوح الأب الذي تنفس الصعداء بوجود ابنه في حكومة بن كيران وخوصا أن كاهله مثقل بالديون ، لكن ربما يجد وسيلة أخرى عند غريمه التقليدي بودلال الذي سيغرد قريبا في حكومة بن كيران الثانية.ونتيجة لانسحاب شباط من الحكومة كشفت مصادر سياسية بجهة سوس ماسة درعة أن أكبر الخاسرين في هذه الأزمة السياسية في حكومة بن كيران هو عبد الصمد قيوح وزير الصناعة التقليدية حيث فقد مقعده النيابي بترشحه للوزارة في دائرة تارودانت الشمالية ،كما تنازل سابقا خلال انتخابات مكتب الجهة عن النيابة الثانية لرئيس الجهة لعزيز البهجة النائب الأول لرئيس بلدية أولاد برحيل .
وخلاصة القول في هذا المقال فإن دخول حزب الاستقلال في صف المعارضة كان له تأثير كبير على مستقبل عبد الصمد قيوح السياسي الذي أصبح دون امتيازات تذكر ،وليس أمامه الآن سوى العودة إلى العمل على مستوى الجهة وإقليم تارودانت .وبعد هذه التغييرات والتقلبات السياسية في المجتمع الهواري هل يمكننا أن نثق بمستقبل السياسة ؟ وهل يمكننا أن ننزع من مخيلتنا جميع الأفكار السلبية التي تكونت في دهاليز السياسة؟ ل
قد عشنا سنوات من الإحباط السياسي وبات من الضروي أن ترسل لنا الأقدار رسولا سياسيا ينقذنا من براثن أصنام السياسة ،ربما يشق بعصاه البحر ليغرق قيوح وبودلال وجنودهما ،لكني أخاف حتى إن وقعت هذه المعجزة أن البقية الباقية ستصنع عجلا يعبد على هيئة بودلال أو قيوح ، كما فعل السامري في قوم موسى عليه السلام .
عن هوارة 44