من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني : مقامة أين الثروة ؟؟؟؟
حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : لما سمعت الناس في بلد المليون كبوهْ ، يتساءلون بالسر وبالجهر أين الثروهْ ؟؟؟، خرجت من داري بحي الجروهْ ، وطلقت خوفي ومعهحروف اللقوهْ ، ثم مضيت إلى سوق الفجوهْ ، وهو سوق يملأه الأدباء والحكماء بالروحة والغدوهْ ، ويحكمه المخزن في ساعات الذروهْ ، وفيه سعي يشبه السعي بين الصفا والمروهْ ، فلما وصلت إلى فضائهْ ، فتشت بين أرجائهْ ، عن قاض مشهور بالعدل في قضائهْ ، علّه يجيب عن سؤال الساعهْ ، أو يدلني على ما ينفعني من بضاعهْ ، وحين لم أجد ما يشفي غليل نفسي الطماعهْ ، قصدت مجمع خلي ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فألفيته ينظم للناس شعرا عن السباحة والرمايهْ ، وينهاهم عن المجون والفسق والغوايهْ ، ….فقلت له لما انتهى من كلامه المنظوم بعنايهْ ، يا أيها الخل الذي بكلامه نقبلْ ، ما بال الناس عن الثروة تسألْ ، وما بال الجواب عن السؤال يُقتلْ ، وهل حقا لنا ثروة تحت الأرضْ ، وهل لنا فوقها ثروة لا يراها البعضْ ، وهل ما نراه من ” ثروتنا ” غيض من فيضْ ، ولماذا الكلام عنها لا يجوزْ ، ومن الذي لها دون غيره يحوزْ ، وكيف يتساوى في امتلاكها الشيخ والعجوزْ ، فقال بعدما انتهيت من طرح الأسئلهْ ، يا مولعا بضرب الأمثلهْ ، ويا عاشقا لحل كل معضلهْ ، قد يكون الجوابْ ، سببا في الغيابْ ، وقد يكون في الصمت نجاة من الذئابْ ، وقديما قالوا يا معشر الشيب والشبابْ ، الفم المغلق لا يدخله ذبابْ ، وإني للمفجوع لا أرد الطلبْ ، ولن أستن هاهنا بسنة من بالثروة هربْ ، بل أقول ما قالته العربْ ، إذا رأيت الفقير من الجوع يتوجعْ ، فاعلم أن غنيا عن الحرام لا يتورعْ ، قد هضم حقه وبه أمسى يتمتعْ ، واللبيب بالإشارة يفهمْ ، والثروة في الغربة يا من يريد أن يعلمْ ، وطن للغريب يرحمْ ، والثروة في هذا الزمنْ ، نجاة من الفتنْ ، وصبر على المحنْ ، والثروة عند قوم تربية وحلمْ ، واجتهاد وأمن وسلمْ ، وحكم عادل بعِلمْ ، والثروة عند آخرينْ ، عض بالنواجذ على الدينْ ، وذود عن المستضعفينْ ، ونضال مستميت ضد الطغاة والمستبدينْ ، وهي عند بعض الدول والأممْ ، فن وكرة قدمْ ، وأسلحة دمار تذيق الغير غصة الألمْ ، وهي عند أهل الخليج والفحطْ ْ ، غاز ونفطْ ْ ، وغياب للجفاف و القحط ْ ، وهي عند اليابان وما حولها من قبائلْ ، عاملة وعاملْ ، و نجاة من البراكين والزلازلْ ، وهي عند العم سامْ ، تحكم في العالم على الدوامْ ، ووأد دائم لحروف الإسلامْ ، وهي عند داعشْ ، منهج فاحشْ ، وعيش في الهامشْ ، وهي في الصومال ماءْ ، وفي غزة جهاد وبقاءْ ، وفي الجزائر لحوم حمراءْ ، وفي مصر عيش بلا تهمهْ ، وفي تونس حياء وحشمهْ ، وفي تركيا عدل في القسمهْ ، وهي عند المرضى صحة وراحة بالْ ، وعند القبيح حظ من جمالْ ، وعند المسكين قليل من مالْ ، وعند الأعمى عين تنظر وترى ، وعند الأصم أذن تسمع أخبار المدن والقرى ، وعند السجين حرية تنسيه ما جرى ، وهي عندنا ضمير مستترْ ، تقديره هو لا بل همْ وهم وثلة لنا تحتقرْ ، جلسوا جميعا على خيرات شعب لنفسه لم ينتصرْ ، فمصوا دماء الفوسفاطْْ ، وقسموا الغاز بينهم تحت قبة الرباطْْ ، وصنعوا لإسكاتنا مسرحية أخرجوها من دهاليز البلاطْ ْ، عنوانها بانكي في مواجهة شباطْ ْ، وعن الثروة هنا أنشد جار ومجرورْ ، لنا الفوسفاط والجرف والبحورْ ، والعيشة ضنكى حولها البؤس يلف ويدورْ، والواقع مرير لا تكفي في وصفه بضعة سطورْ … فيا أخي ويا ولـدي ، ويا عوني ويا سـندي ، ويا سائلا عن الثروة أين هي في بلـدي ، دعك من البحث عن الجوابْ ، فذاك لغز وحله مجرد سرابْ ، وذي ومضة لذوي الألبابْ ، بين الثروة والثورة جناسْ ، وبينهما ناس وناسْ ، وبينهما وسواس وخناسْ ، وافتح سجلات التاريخ القديم والحديثْ ، وانظر كيف ثار الطيب على ذي الثروة الخبيثْ ، وكيف أجاب المجيبون على “أين ” في منتهى الحديثْْ .