البقرة الحلوب أنهكتها الرضاعة..ألم يحن بعد فطام “الرضع “
لا يختلف اثنان على أن الأمانة هي الأساس في بناء الإنسان و الوطن ومن بين الصفات النبيلة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان هي الأمانة فإنها تعطيه قيمة إيمانية وإنسانية ووطنية كبيرة، ومنزلة اجتماعية محترمة فتجعله بين الناس مصدقاً وصدوقا، يقبلون عليه ويأخذون منه من غير عناء في إثبات صدق شيء من عدمه. ولهذا أتصف بها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه واشتهر بها، فكان الصادق الأمين… أمين لم يخن وصادق لم يكذب، وكانت هذه الصفة من الصفات التي جعلت كثيرا من الناس يقبلون دعوته ونبوته.حتى أعداءه كانوا يأتمنونه على أماناتهم..ومن بعده صحابته الكرام الذين حرصوا على حفظ الأمانة في جميع المناحي الاجتماعية والأخلاقية و العلمية والسياسية والاقتصادية والمالية…
وأهمية الأمانة وعدم الخيانة تزداد مع ارتفاع مكانة الإنسان في المجتمع ومع اتساع قدراته المالية ونفوذه السياسي. لأن الشخص المسؤول كان موظفا، منتخبا أو وزيرا ينبغي له آن يدرك أنه سيسأل يوما ما في الدنيا قبل الآخرة،وسيعاقبه المجتمع قبل القضاء،بافتضاح أمره،حالما يصبح محل استنكار عموم المواطنين وحديثهم على موائد الطعام والسمر..تلك أكبر وأقصى عقوبة تطال أي مسؤول أؤتمن على تدبير الشأن المحلي أو الوطني خان الأمانة بإجهازه وسطوه على المال العام للشعب ومقدرات الأمة..
فهدر المال العام جريمة كبرى ترتقي إلى جريمة الخيانة العظمى التي يجب إنزال أقصى العقوبة على مرتكبيها ومن الصعوبة بمكان علاج هذه الآفة الخطيرة، وهذا السرطان الذي ينخر جسم الاقتصاد الوطني، لطالما هناك قوى وجيوب الممانعة للفساد بأكثر من مؤسسة لا تزال تقاوم المشروع الديمقراطي الحداثي وكذا الحكم الرشيد أو الحكامة في تدبير الشأن العام للبلاد اللذان لن يتحققا إلا بتكريس مفهوم” ربط المسؤولية بالمحاسبة” على أرض الواقع وليس اعتماده كشعار فقط….
من المحزن إذا. أن نرى مدنا وبلدات بالمغرب تعاني مجالسها وإدارتها من هذا المرض الحاد الذي استعصى علاجه .على الرغم من أننا نسمع الكثير من التصريحات بمحاربة الفساد ومع أن جانب من الإعلام الذي أضحى يكشف بين الفينة والأخرى عن أسماء مجرمين ممن سرقوا أموال الشعب إلا أن الوضعية لا تزال تراوح مكانها .. كان ولا يزال يحدونا أمل أن تتحول كل مدينة وقرية في بلدنا إلى ورشات عمل، وتتسابق في البناء و الإعمار و التطور والازدهار أكثر مما هي عليه الآن..بدلا من التسابق في الاختلاسات ونهب المال العام الذي وصل لبعض القطاعات والمؤسسات العمومية وبلغ المليارات التي لو صرفت بوجه حق لقضينا على البَطالة والتخلف و بيوت الصفيح، والبنى التحتية المهترئة، ولشيدت عشرات المعامل والمرافق الاجتماعية الأساسية.
ببساطة لأن التعامل مع المال يحتاج إلى كثير من الورع والتقوى والوطنية الحقة وأيضا العفة والإنسانية حتى يؤخذ بحقه، ويوضع في حقه. ويحتاج من يدعي انتمائه للإسلام وللوطن أن يخجل من سوء تعامله مع المال العام لأنه في حقيقة الأمر لا يمت بصلة للقيم والمثل العليا لهذا الدين وللوطنية ولا للمبادئ الإنسانية السامية الأخرى.. فمن أراد أن يبني مجهده الشخصي عبر المال، ويلهث خلف الثروة، عليه أن يسعى و يكدح للوصول إلى ذلك من عرق جبينه وليس من المال العام للشعب وعلى حساب معانات هذا الشعب. واللافت أن العديد من الوصوليين والانتهازيين من “بيلدوزيرات” الفساد في هذا لوطن بمختلف درجات مهامهم ومستوى مسؤولياتهم.. لم يحن بعد فطامهم وإبعادهم عن ثدي البقرة الحلوب التي أنهكتها الرضاعة !