ربورطاجات

زاوية آسا.. أقدم زوايا الصحراء ومعلمة الشيخ المجاهد “إعزا ويهدى”

بعيدا عن لغة السياسة المتوترة..فمدينة آسا لا تُذكر إلا مع زاويتها، ولا يمكن لزائرها أن يتجول بين دروبها دون الوصول إلى الزاوية التي تشكل معلمة حضارية وتاريخية توثق لأدوار كبيرة كانت تلعبها هذه المنطقة في القرون الماضية. زاوية آسا ليست مجرد فضاء تعبدي أو مساحة لتحفيظ القرآن الكريم..بل هي عصب تاريخ هذه المدينة في مجالات متعددة، وهي الشاهد على تحولات كثيرة عرفتها هذه المدينة.

وِفق أقوال شيوخها، فالزاوية تأسست على يد الشيخ إعزا ويهدى في القرن الرابع عشر حسب ما ذكره المختار السوسي، هذا الشيخ هو أحد حفدة يعقوب المنصور إبان الدولة الموحدية، سفره إلى آسا تمّ في ظروف غامضة، بعض الناس يتحدثون عن أن أصله من هذه المنطقة وأنه لم يقم سوى بالرجوع إليها، في حين يرى آخرون أنه اختار المنطقة نظرا لموقعها الاستراتيجي، وعموما، فقد تمكن هذا الشيخ، من وضع حجر الأساس لأول زاوية في الصحراء المغربية، ومنها تفرعت الكثير من الزوايا الصغرى.

واستنادا لأقوال محمد بوزنكاظ، الخبير في تاريخ المنطقة، فإن الزاوية لم تتوقف أدوارها في ما هو تعبدي فقط، بل تجاوزتها لما يتعلق بالجهاد، وذلك بعد أن قادت حملات جهادية ضد البرتغاليين وطردتهم من المنطقة، إضافة إلى لعبها لأدوار تجارية بأن كانت تنظم موسماً تجارياً كل سنة، وهو الموسم الذي لا زال مستمراً إلى حد الآن، والذي تحييه جمعية مهرجان آسا للتنمية والتواصل بمناسبة ذكرى المولد النبوي.

داخل الزاوية الواسعة البُنيان، هناك مكان للصلاة وأماكن خاصة لحفظ القرآن الكريم ولتعلم العلوم الشرعية واللغوية. في هذا المكان، هناك عدة طلبة علمٍ قدموا من مختلف مناطق المغرب وهناك من قدم من موريتانيا وبعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء. وهناك شيوخ يقضون جل أوقاتهم في ذكر الله والابتهال. إنها مجتمع صغير يؤدي العديد من الوظائف، ويجعل من استمرارية تاريخ المنطقة همه الأساسي.

بالقرب من زاوية آسا، وتحديدا داخل “القصر الأمازيغي”، هناك زاوية أخرى تعبق برائحة التاريخ، زاوية المرابطين أو “أكراريم” باللغة المحلية، أسسها الشيخ محمد الصغير الركراكي في 1224 هـ، القادم من زاوية مغيميمة بنواحي طاطا. اختياره لهذه المنطقة أتى كرغبة للتحكيم بين قبيلتين أمازيغيتين كانتا تكوّنان القصر: إداونكيت وإداومليل. ورغم كلمة “المرابطين” فلا علاقة للزاوية بتلك الدولة القوية التي حكمت المغرب سابقا، خاصة وأن كلمة “المرابط” تعني في العرف الشريف المعتكف.

ما يميز زاوية المرابطين، هو وجود استمرار سكن عائلة الشيخ الركراكي إلى حد الآن بها، فقرون طويلة مرت على الزاوية الصغيرة وأبناء العائلة يتوارثون المنزل محافظين على قيمته التاريخية، لذلك ففي الطابق العلوي من الزاوية، هناك سكن للعائلة التي توجد فروع لها بالكثير من مناطق المغرب، وفي الطابق السفلي هناك مكان لتحفيظ القرآن. فأداورها تتعدد من صلة الرحم بين أفراد العائلة وتدريس الدين وكذا إحياء عرف المعروف وهو موسم سنوي يتزامن تنظيمه مع مهرجان زواية آسا.

ولا تقف الزوايا عند هذا الحد بمدينة آسا، فهناك زاوية ثالثة هي فرع للزاوية التجانية، تاريخ بناءها ليس بالبعيد ويعود إلى ثمانينيات القرن الماضي. حيث تشكل الزوايا الثلاث، أحد أهم المعالم بالمدينة، ونقطاً تساهم بشكل أو بآخر في تقوية عصب القبيلة ونشر ثقافة السلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: