أراء وحواراتربورطاجات

العطّاش: مغاربةٌ يرون الفنان الأمازيغي “حلايقي” .. والقرصنة كذبة

تفتح هسبريس هذه الزّاوية خلال شهر رمضان لمجموعة من الفنانين الأمازيغ، خاصة الممثلون الذين أفنوا أعمارهم في التمثيل، ليتحدثوا عن تجربتهم الإنسانية، بداياتهم، طفولتهم، وقصة ولوجهم إلى المجال الفني. فنانون يعرفهم الصغير والكبير، من خلال أعمالهم التي اشتهروا بها منذ ما يزيد عن عقدين، بعضهم لازال يتسلق جبلَ النجاح، وبعضهم “اعتزل” وطرق أبواب الضيعات والمعامل، بحثا عن لقمة العيش، وآخرون يعانون في صمت دون أن يجدوا أذنا صاغية، بعد أن تنكر لهم الجميع، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في إمتاع الجُمهور وإضحاكه.. يتحدثون بكل عفوية، ولا نغير شيئا من كلامهم سوى ترجمته من الأمازيغية إلى العربية.

مبارك العطّاش:

وُلدتُ سنة 1956، بدوار إِدْرّايس نواحي تمانار (إقليم الصويرة)، ولا أعرف كيف كانت ملامح والدي، فقد توفيّ وأنا في بطن أمي، وأمي تزوجت بعد ذلك، فتكفل بي خالي الذي كان يعيش بأكادير.

عشت طفولتي متنقلا بين أكادير و”تمَازِيرتْ” التي كنت أزورها كل صيف لحفظ القرآن في المسجد..درستُ بمدرسة ابن بطوطة بأمسرنات، ثم بمدرسة الوحدة ببنسركاو، ثم بثانوية عبد الله بن ياسين بإنزكان.

عندما كنت أعيش رفقة خالي، الذي كان يشتغل مع اليهود والنصارى، كنّا من بين المسلمين القلائل بالحي وسط أكادير.. كان اليهود والمسيحيون من جيراننا هم الذين يُوفرون لي الملابس والكتب لأدرس، كما كانوا يساعدون خالي ماديا لأنه شخص أمين، واحترموه عندما علموا أنني يتيم وأنه تكفل بي.. بعد أن فقدت والدايَ صرتُ وحيدا تتقاذفه الأهوال، إلى أن تركت الدراسة سنة 1969.

بدأ بعض النّصارى واليهود مغادرة أكادير، ففقد خالي عمله وتركت دراستي. وليس أمام يتيم دون سند سوى أن يُشَمّر عن سواعد الجد ليضمن قوت يومه.. سافرت نحو الدار البيضاء، واشتغلت في البداية كمساعد بقال لثلاثة أشهر، ثم خادما لدى عائلة ثرية. لكن خالي أعادني نحو أكادير من جديد، لأنه لم يرغب في أن أمارس أعمال السّخرة. كان أمازيغيا قُحّا، يؤمن بأن الرجل عليه أن يعرق ليأكل، ويعتبر أعمال السّخرة مذلة وانتقاصا من قيمة المرء.

اشتغلت جزارا بأكادير منذ سنة 1973 إلى 1976، أذبح المواشي وأفصل الجلود عن اللحوم، وأبيع بضاعتي بالتقسيط.. لكن المدينة لم تكن تعرف رواجا كالوقت الحالي.

كسدت تجارتي، فاتجهت إلى الميناء كأجير يؤمر، يضع سواعده في خدمة المالكين وأصحاب الأعمال..زاولت أعمالا كثيرة بحثا عن لقمة عيش “نظيفة”، كأي أمازيغي يحرص على أن تكون لقمته من عرق جبينه، كما علمني خالي الذي وجدته بجانبي.. ومنذ صغري وأنا أشاهد الأفلام في سينما السلام، وسينما كوليزي، فأحببت التمثيل والغناء.

هكذا بدأت

أنشأت فرقة موسيقية بالدشيرة، نغني “تازنزارت”.. كانت لدينا شهرة جيدة بأكادير، نغني بالعربية والأمازيغية في المناسبات، ونعيد أداء أغاني المشاهب وناس الغيوان وإزنزارن. كنا نُجالس مولاي ابراهيم وبوفرتل وإكوت. ولم نستقر على اسم لفرقتنا، فقد سُميت أولا “إِسْمدُودِينْ” ثم “إكُولالن”، ثم “إعشاقن”؛ وكما لم نحسم لها في اسم قار، فإنّها لم تَدم طويلا أيضا ليتفرق أعضاؤها، لكلٍّ وجهة مُوَلّيها..

مثلت أول مرة في فيلم سنة 1990 رفقة مجموعة من الفنانين، لكن العمل لم يخرج إلى السوق نهائيا إلى حد الساعة. سنة 1995، شاركت في “فيديو كليب” مع الحُسين أمراكشي، ولم يظهر إلا بعد سنتين من تسجيله. وشاركت سنة 2000 في فيلم بعنوان “يَاتْ أُورْ تْرْواسْ ياتْ”، ثم توالت الأعمال حتى بلغت 87 عملا، آخرها مسلسل سيعرض في رمضان على القناة الثامنة، بعنوان “أمان إيرُوفان”.

“بْصَاحتْك”

هناك من يعتقد أننا نجني أموالا طائلة من ممارسة التمثيل، لكن الحقيقة غير ذلك..أؤمن بأن الفنان يجب أن يعطي للفن، لكن هناك منتجين اغتنوا على حسابنا، ويُغيّرون سياراتهم كل سنة، وأنا لا أملك حتى دراجة هوائية. كل ما جنيته من الفن هو “بْصَاحتْك”، التي يرددها على مسامعي بعض المُحبين من الجمهور الذي تعجبه أعمالي. هذا الجمهور فيه فئة “حڭارة”، ترى في الفنان الأمازيغي مجرد بهلوان أو “حلايقي”، ولا تُقَدّر المجهود الذي يقوم به لإضحاكه وإمتاعه.

إنني أميل إلى الاعتقاد بأن جميع الفنانين يعانون في صمت، سواء كانوا عربا أو أمازيغ، لأن الفن في هذا البلد لا يمكن أن يُغنيك، ولا حتى أن يحفظ كرامتك؛ بل عليك أن تُنفق عليه إذا كنت تريد أن تُمارسه.

الندم

كثيرا ما شعرت بالندم الشديد لأنني ولجت هذا العالم.. لقد حقّقت منه الشهرة، والشهرة تُرادف المال والعز، وشهرتنا نحن دون أي عز، إنها شهرة أقرب إلى “الشوهة” أكثر من أي شيء آخر.

لو عاد بي الزمن إلى الوراء لمارست حرفة أُخرى.. هذه الأيام لدي مشاكل كثيرة، عُدت للعيش في دُوار أمي، كما كنت منذ الطفولة، لا منزل لي ولا عمل ولا دخل، وتعاظمت مشاكلي العائلية، وكلما طرقت باب أحد إلا وتنكّر لي؛ بينما الجمهور الذي يشاهد أعمالي وتُمتعه يعتقد أنني اغتنيتُ من الفن والتمثيل.

ومع ذلك فقد أحببت الأعمال التي أدّيتها.. خاصة أن ثقافتي مُزدوجة، لأنني عشت في القرية وفي المدينة، فأُطَوّر الأدوار التي تقدم لي، وأتقمّصها بشكل جيد، وأضيف إليها شيئا من روحي.. وأحب الأعمال إليّ هي تلك التي أَدّيتها مع “أيوز فيزيون”، لأنهم أشخاص مُحترفون، تكوّنوا على الخشبات بشكل جيد، والسيناريو يكون جيّدا في الغالب.

القرصنة أكبر كذبة

يتذرع بعض المنتجين بالقرصنة كي لا يدفعوا مستحقات الممثلين الحقيقية، وهم في ذلك كاذبون.. القرصنة ظاهرة عالمية، لا يمكن محاربتها، وهي في صالح الفنّان، لأن بواسطتها تصل أعماله إلى المداشر البعيدة وسكان الجبال والأحياء الهامشية.. هناك أفلام في أربعة أجزاء، والفقراء لا يمكنهم شراء المنتج الأصلي بثمن مرتفع، ولا حل أمامهم سوى شراء الرّخيص. ومع وجود القرصنة واستنساخ الأعمال يحقق المنتجون الأرباح الكبيرة من أعمالنا، وإن كانوا يشتكون من خسارتهم الكاذبة، وإلا لماذا يستمرون في الإنتاج؟ أنت تَخسَرْ لماذا تستمر في الإنتاج؟ في سبيل الله؟..

هناك دائما من يشتري الأشرطة الأصلية، والربح موجود للمنتجين بغضّ النظر عن وجود القراصنة من غيابهم.. لكنهم يجدون أن القرصنة ذريعة يصدقها الناس لكي يتهربوا من دفع مستحقات الفنانين كاملة.

رسالة أخيرة

أُوجه نداء للمسؤولين أن يهتموا بالفنان ويضمنوا حقوقه وعيشه الكريم، فالتعويضات التي يتقاضاها هزيلة، ومتفاوتة. والطامة الكبرى أن هناك من هو مستعد أن يؤدي دورا بالمجان، بل أن يدفع من جيبه، في سبيل أن يظهر على شاشة التلفاز، دون أن يسأل نفسه ماذا بعد الظهور؟

إن الفنان الأمازيغي يحتاج بعض الاهتمام ليستمر، وليرتقي بعمله، حتى يستطيع أن ينافس به الأمم الأخرى، وهذا لا يمكن أن يقوم به فنان “مهزوز”، يعاني ماديا ومعنويا؛ فنان تكالبت عليه كل الظروف، مثلي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: