“تَاضَا” أو”تَفْركَانْت” .. عندما تمنع الأعراف القديمة زواج العشّاق
في تجمعات قبلية بالجنوب الشرقي، مازالت أعراف ضاربة في القدم تمنع الزواج من هذه القبيلة أو تلك.. عادات وتقاليد تعود إلى قرون خلت، لم تستطع رياح العولمة والتقدم أن تكسرها، وإن حدث ذلك، فحالة معزولة يُشار إليها بالأصابع.
“نحن لا نتزوج من تلك القبيلة”، عبارة يرددها الأهل في وجه أبنائهم إذا ما عبروا عن رغبتهم في الارتباط بفتاة من قبيلة متنازع معها.. ولا هؤلاء يملك الشبان سوى الرضوخ، وإلا فإن “قوى شريرة سوف تقف في طريق ذلك الزواج”، بل إن “اللعنة ستطارد كل من يخرج عن الدساتير الشفوية، فيعيش تعيسا، أو يُرزق بأبناء معاقين أو تلاحقه مصيبة من مصائب الدنيا الكثيرة”، حسب ما يؤمن به العديد من أفراد هذه القبائل.
عقود قبلية
“تَاضَا”، أو”تَفْرڭانْت”، هي من العقود الشفوية التي تجمع بين قبيلتين، ويتم الاتفاق بموجبها على التوقير التام بينهما. إلا أن هذا التوقير والسلام يشمل منع التزاوج بين جنسي القبيلتين.
وحسب المصادر التاريخية المحلية، فإن هذا العرف بمثابة قانون، يتم بموجبه تحويل كل ذكور القبيلة وإناثها إلى إخوة بالرضاعة مع ذكور وإناث قبيلة أخرى، ما يُحرم الطرفين التزاوج. وإن كان لا ينبني هذا التحريم على أي أساس ديني، إلا أنه ساري المفعول.
احترام هذا العقد الشفوي لازال ساريا إلى حد الساعة؛ أما الذين تحدوه على قلتهم فإن الأصابع تشير إليهم، وتربط بعض الحوادث العرضية في حياتهم بأنها عقاب سماوي لتحديهم الأعراف.
كل الذِين سألناهم عن تاريخ إبرام هذه العقود الشفوية لا يعرفون سنة الاتفاق عليها بالضبط، وحتى المهتمون بتاريخ المنطقة والقبائل لا يملكون جوابا دقيقا، ويرجعون الأمر إلى سنوات الحروب القبلية الطاحنة، التي كانت تحتاج فيها القبائل بالجنوب الشرقي إلى هذه العقود لاستتباب الأمن وفرض الاحترام المتبادل.
لا تتزوجوا من هذه القبيلة
يأمر الآباء في قبيلة “إكناون” الأبناء بعدم الزواج من قبيلة “أيت عيسى وابراهيم”، والقبيلتان تنتميان إلى اتحادية أيت عطّا، المنحلة منذ ثلاثينيات القرن الماضي. والمنتمون إلى هاتين القبيلتين يعيشون بكل من إقليمي زاكورة وتنغير.. ومازال الشبان إلى حد الساعة يحترمون هذا العقد الشفوي، ويعتبرون فتيات القبيلة الأخرى كشقيقات، وَجب تقديرهن واحترامهن دون طلبهن للزواج.
لا يقتصر الأمر على “إكناون” و”أيت عيسى وابراهيم”، بل إن هذا العرف المشهور بـ”تافرڭانت” يحرم الزواج أيضا بين تجمعات قبلية بزاكورة، مثل “أيت بولمان” و”أيت بوداود”.
عرف قديم في المهجر
بعض الأسر التي هاجرت نحو أوروبا حملت معها هذا العرف خارج الحدود، إذ تحكي عائشة لهسبريس كيف وقف في طريق زواج أختها من شاب متعلم، رغم أنهما ازدادا معا بفرنسا. فعندما أخبر الشاب والديه برغبته في الزواج من شقيقتها، تحكي عائشة، أخبراه بأن الأعراف القبلية تمنع هذا الزواج.. “أخبر والداي أختي بذلك أيضا، خاصة أن الأسرتين من المنطقة نفسها، وتتبادلان الزيارات في المناسبات والأعياد”، تقول عائشة.
وتضيف المتحدثة نفسها: “لقد شكل ذلك صدمة لكليهما، ولم تكن لديهما الشجاعة للخروج عن طاعة العائلة والتنكر للدوار والأقارب، فافترقا، خاصة أن كل الأقارب يحكون لهما عن المصائب التي تنتظرهما إن خالفا المواثيق القديمة الموروثة”.
حب خارج الزواج
ليست حالة شقيقة عائشة معزولة، فالأمر مازال ساري المفعول في هذه المنطقة رغم مُضي قرون على تلك العقود التي لم توثَّق في أي صحيفة، إذ يتحدث الناس هناك عن فشل علاقات زوجية تَحَدّت هذا العرف، ويعتبرون وفاة أحد الزوجين، أو حدوث الطلاق بعد مدة، عقابا إلهيا على عدم الامتثال لدساتير البدو والرّحل.
في السياق نفسه يقول رشيد خشان، شاب من قرية تادافالت، نواحي تنغير، إن “هذا العرف القديم لازال معمولا به إلى حد الآن، وأعاق زواج الكثير من الشبان الذين تربطهم علاقات حب مع شابات أُخريات”، مضيفا: “الغريب أن مجموعة من العلاقات تستمر خارج مؤسسة الزواج، لأن هذا العُرف لا يسمح بعقد القران، ولم يسبق لأحد من القرية أن تحدّاه”.
وبخصوص المحافظة على هذا العرف، يقول خشان، في حديثه لهسبريس: “صلاحية هذه العقود انتهت..لا يُعقل أن يستمر شبان اليوم في احترام عُرف لا يستند على مرجعية علمية أو دينية، وإنما على خرافة..وَجَب على الشباب أن يتزوجوا حسب اختياراتهم، لا بحسب ما يريده أشخاص لا نعرف في أي زمن عاشوا”.