أراء وحواراتأعمدةربورطاجات

ربورتاج بالصور…تيزكات المغرب المنسي… عاصمة الفقر والمعاناة ماخ ماخ أيما ماخ الزهر …

حسن وشكو -صحافي متدرب –

وأنت تسير في الطريق الملتوية الرابطة بين أغبالة إقليم بني ملال، وإملشيل إقليم ميدلت التي لا تكاد تنجو من حفرة حتى تسقط في أخرى، إلى أن تصل إلى قرية تاسنت، لتعرج على اليمين عبر ممرات خطيرة وصفوها بالطريق المعبدة، رغم أن ما عبد منها تحول إلى معاناة حقيقية لمستعمليها، في مسلك جبلي وعر يعرف حركية دائبة تسلكه حافلات  من نوع “بيدفورد”ذهابا وإيابا تنافسها البغال في تسلق جبال قرية تاسنت ولتنسج هنا قصة المغرب المنسي.

العزلة هي المسيطرة في هذه البلدة، التابعة جغرافيا لجماعة بوتفردة قيادة تيزي نسلي إقليم بني ملال، منطقة تعيش فيها أكثر من مئة وعشرين أسرة مقسمة في دوارين آيت الربع وآيت وغاط، إنها منطقة تيزكات “tizgat” الواقعة في قمم جبال الأطلس الكبير الشرقي.

في الطريق إلى المعاناة   

يوم الأربعاء، هو يوم السوق الأسبوعي “لأغبالة نايت سخمان”، حيث انتظرنا متسوقين تيزكات لاقتناء متطلباتهم لننطلق في شاحنة “بيدفورد” على الساعة الواحدة مساء، والبرد القارس يقصفنا كالرصاص في طريق ممتدة على سبعين كيلومترا، قضينا فيها أربع ساعات، حتى وصولنا إلى تاسنت، لنعرج إلى اليمين في طريق تيزكات التي لازالت تبعد بعشرين كيلومترا، يلوح”محمد” أحد أبناء المنطقة بيده، وبلهفة كأنه سيخبرك سرا، ضاق صدره “هذه الطريق التي تم تفويتها بالملايين لشركة سنة 2014، كانت معروفة لدى الساكنة باسم شركة ياسين، فهي لم تزد لها إلا المنعرجات الخطيرة، ولم ينطق أي مسؤول ولو بكلمة”، كلام تنبع منه رائحة الإحساس بالخيانة والظلم، خيانة شركة نهبت أموال المشروع  هباء منثورا وظلم المسؤولين الذين التزموا الصمت وهم يشاهدون بأعينهم ما قامت به الشركة. هي وليدة طيف سياسي متعدد الألوان ضيع على الأهالي فرصة الانتشال من بلاطين الفقر الذي يجثم على صدورهم.

يوقظك محمد من معانقتك لتفكير في فساد الزمن والشاحنة تمر من أمام منزل مبني بالحجر فوقه أطنان من التراب قائلا:”هذا منزل زايد أوسعيد رحال يعيش مع أسرته هنا طوال العام”. بعد تجاوزنا منزل زايد ببعض الكيلومترات أشار أحد الركاب إلى عين تسمى “الشريج” قائلا:”هناك يقوم رحال المنطقة بسقي ماشيتهم ومن ذلك الماء يشربون”. حوارات تستلهمك بحلاوتها مع أهل المنطقة لكن في طياتها معاناة أثقلت كاهلهم وأذاقتهم طعم المرارة في انتمائهم لهذه الرقعة الجغرافية.

كانت الطريق إلى تزكات محفوفة بالمخاطر، رغم بعض الحلول الترقيعية التي قامت بها تلك الشركة عندما تركت فيها منعرجات خطيرة، وبعد أن تجاوزنا هذه المنعرجات تلوح بنايات قصيرة من التراب منتشرة هنا وهناك، فأنت الآن في أحضان تيزكات.

تحت الصفر

“ماخ ماخ أيما أيما ماخ ماخ أيما ورغوري زهر ماخ”….مقطع مؤثر من أغنية لعبد العزيز أحوزار، يرددها  شباب وشابات أحطبوا ببغالهم من منطقة “أقا نعلاَ” التي تبعد بالكيلومترات على تيزكات، أنهكتهم المسافة التي يقطعوها لجلب حطب التدفئة لاتقاء شر البرد الذي لا يرحم، لأن أعشاشهم الطينية غير قادرة على محاربة برودة الطقس، الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى أكثر من عشر درجات تحت الصفر، وتعجز عن توفير دفئ لأجسامهم التي أنهكتها “حكرة” المسؤولين وقساوة الفقر.

“إخلاياغ أوصميد”، جملة أمازيغية معبرة ترددها ألسنة الأطفال والشيوخ عند كل لقاء، جثم مرض الزكام على صدورهم في انتظار أن تلين الأجواء بشمس دافئة وتلين معها قلوب المسؤولين المتغافلين، تراهم ملتفين حول موقد النار  بحثا عن دفء ينسيهم قساوة أيامهم المؤلمة، وآلام عيشهم المر  وحظهم القاسي، الذي رمى بهم وراء الجبال والعزلة الخانقة، لا وسائل للتدفئة ولا أدوية تحارب الأمراض.

المرأة الرجل

هنا في تيزكات ترى النساء بقبضة الرجال والزائر لن يستطيع التمييز بينهم، وجوه شاحبة، أيادي خشنة، أجسام في غاية النحافة، ملامحهن تحكي آلاف حكايات المعاناة، طالت لزمان في تخوم هذه الجبال، تراهن يخرجن للعمل طوال اليوم، ولا يشعرن بأي احتقار أو نقص لقيمتهن، أعمال شاقة يصعب على الرجال في بعض الأحيان إنجازها، لا يعرفن بتاتا معنى حقوق المرأة ولا المساواة ولا المناصفة في زمن “حقوق المرأة”.

في جولة بمداشر تيزكات، لم نصادف كثيرا العنصر الذكري، تقول حسناء شابة متزوجة “الرجال يسافرون في فصل الشتاء، أغلبهم رحل رحلوا بمواشيهم بعيدا إلى بوعرفة وسوس، يبحثون عن أماكن دافئة ولا يعودون حتى شهر ماي، لأن المنطقة يصعب أن تعيش فيها المواشي  في هذا الفصل نظرا لبرودة الطقس والتساقطات الثلجية، وغلاء الأعلاف التي لا يستطيع الإنسان تحملها” .

” زيرو الما و الضو “

في زمن التغني بفك العزلة عن المناطق القروية المعزولة، لازالت عائلات في تيزكات بدون ماء ولا كهرباء، عدد العائلات التي لم تصلها شبكة الكهرباء في دوار آيت الربع، أحد عشرة عائلة حملنا السؤال إلى المسؤولين لعلنا نعرف النقطة التي أفاضت الكأس أو جوابا يزرع الأمل بالدوار ويخرج هذه العائلات من الظلمات إلى النور، ومشكل الماء في هذه المداشر  عويص على حد تعبيرهم، فإذا كان الماء منبع الحياة فلا حياة لمن تنادي في تيزكات التي تعاني من ندرة المياه، بل ويصل إلى حد الانعدام خلال فصل الصيف، يقول مبارك ابن المنطقة “قامت السلطات المعنية بحفر بئرين منذ سنين واحد في المدشر العلوي (آيت الربع)، وأخر في السفلي (آيت وغاط)، والآن أصبح ماء تلك الآبار لا يستفيد منه إلا القليل من الأسر، أما أغلبها لا يغنيها ولا يسمنها من العطش، فمازالت الساكنة تعيش هاجس ضمن قطرة الماء للبهائم كل يوم، بل منهم من يقطع الكيلومترات بحثا عن قطرات يسد بها رمقه من العطش”.

صرخات تيزكات تتوجه إلى المسؤولين من أصغرهم رئيس جماعة بوتفرة إلى الملك كأعلى سلطة في البلد للالتفاف إلى هذه الأسر التي تعاني الويلات والبحث عن حلول ناجعة للمشاكل التي تعاني منها المنطقة بصفة عامة والأسر التي لم تصلها شبكة الماء والكهرباء على وجه الخصوص.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: