السوسي : محمد أبعقيل .. أول بحار يلج ميناء الداخلة بعد استرجاع أقاليم الصحراء
يوم 3 مارس 1976، وبمناسبة عيد العرش في تلك الفترة، تمكن البحار محمد أبعقيل من الدخول إلى ميناء الداخلة، كأول بحار رئيس مركب يدخل هذا المرسى عقب استرجاع الأقاليم الجنوبية المغربية بعد المسيرة الخضراء.
لم يكن ذلك بالأمر السهل في تلك الفترة، خاصة وأن بحارة كثرا اختفوا ولم يعودوا من رحلات صيد عبر قواربهم البسيطة، فمن قائل إن اليم التهمهم ويَتّم أولادهم، إلى قائل إن عصابات انفصالية قامت بمهاجمتهم. كان أبعقيل يقود 24 بحارا من أكادير، ليواكبوا المسيرة الخضراء بحرا، وذلك بعد أن تم الوصول إلى الأقاليم الجنوبية برا وجوا.
“طلبت السلطات في ذلك الوقت من الحاج لارڭو رحمه الله، الذي كنت أشتغل عنده كرئيس مركب بميناء أكادير، أن يُخصص مركبين اثنين للذهاب من أكادير نحو الداخلة، فتمت المناداة عليّ أنا وزميل آخر يدعى الرايس أڭرزام رحمه الله تعالى، وحددوا لنا يوم 3 مارس كموعد لدخولنا هذا الميناء”، يقول الحاج محمد أبعقيل لهسبريس الإلكترونية وهو يلملم تفاصيل قصة تعود إلى 42 سنة.
ويستطرد: “لم يكن أمامي سوى أن أقبل، وألبي نداء وطني، وبدأ الاستعداد لذلك اليوم أزيد من شهر ونصف، لنتمكن من ولوج هذا الميناء في الموعد المحدد الموافق لعيد العرش المجيد”.
يتطلب السفر عبر المركب نحو ميناء الداخلة بين 65 و70 ساعة متواصلة، بحسب محمد أبعقيل المنحدر من قبائل إحاحان المقاومة، ويضيف: “عندما لم يتبق سوى أربعة أيام للرحلة التاريخية، اختفى رئيس المركب الثاني الذي كان سيرافقني. بقيت وحيدا، وتمت المناداة على جميع البحارة وطُلب منهم إحضار وثائقهم، وانطلقنا نحو الداخلة، كنت أنا أترأس مركب الراغب، وبرفقتنا مركب تابع للتكوين المهني في الصيد البحري اسمه المحيط”.
محمد أبعقيل، البحار الذي ازداد بدوار أكزميز بجماعة تافضنة نواحي الصويرة سنة 1944، واصل سرد أحداث تلك الفترة من تاريخ المغرب المعاصر، قائلا: “قضينا قرابة 12 يوما في هذا الميناء، قمنا بصيد الأسماك في مياه الداخلة، ثم عاد المركب رفقة أربعة صيادين، وبقيت أنا هناك أسبوعا آخر حتى يتمكنوا من بيع الأسماك التي تم اصطيادها”.
واستطرد: “قدمنا الدليل على أن الأمن مستتب، وأن السلطات المغربية استرجعت المنطقة، فبدأت أتكلف كل مرة بنقل المؤونة والمواد الغذائية من أكادير نحو الداخلة للقوات المسلحة. قمت بهذه المهمة ثلاث مرات، في اثنتين منها رافقنا عسكريان مسلحان تحسبا لأي هجوم أو عدوان”.
وعن الأجواء التي كانت في هذا الميناء وقتها، رد أبعقيل: “يوم دخولنا لهذا الميناء لم نجد أحدا سوى العسكر، كان الميناء فارغا، حتى المدينة لم يكن فيها أحد في الشوارع سوى السلطات المغربية وبعض العسكريين الموريتانيين، بدأت أجدهم في الفترات التي عدت فيها إلى هذا الميناء، حتى إن عسكريا موريتانيا طلب مني أن أرفع الراية الموريتانية فوق مركبي المسمى الراغب، فدخلت معه في شنآن، ورفضت ذلك بل استغربت أمره هذا، فتدخل عسكريون مغاربة لصالحي”.
وواصل أبعقيل فتح قلبه لهسبريس: “في المرات التي عدنا فيها إلى هذا الميناء، كان هناك حظر للتجول يبدأ في السادسة مساءً حتى السادسة صباحا، وأذكر أن عسكريين نصحونا بعدم المبيت في الميناء حتى لا تتم تصفيتنا من قبل مليشيات مسلحة كانت بين الحين والآخر تنفذ هجومات على البحارة المغاربة، فكنا نقضي الليل في البحر بعيدا عن الشاطئ تحسبا لأي طارئ”.
وأضاف: “أما الساكنة والعسكر فقد كنا عندهم مثل علامة معروفة ومفرحة، وكان مركب الراغب الذي كنت رئيسه عندهم تحفة يفرحون بقدومها، لأنه يأتي إليهم محملا بالمواد الغذائية والمؤونة وما يحتاجونه”.
ازداد محمد أبعقيل نواحي الصويرة سنة 1944، جرّب الفقر واليتم ولم يسبق له أن ولج المدرسة. سافر نحو أكادير سنة 1961، وبدأ في مينائها حارسا لقوارب الصيد التقليدي، ثم قاده طموحه ليترقى درجات حتى صار رئيس مركب، ثم مالكا لمراكب صيد.
مؤخرا جرى تكريمه من طرف فعاليات جمعوية بأكادير، بمشاركة المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، كما أن هيئات جمعوية بالمدينة، من بينها جمعية إغير نوكادير وجمعية المسيرة للصيد الساحلي بأكادير، بعثت بمراسلات إلى وزير الفلاحة والصيد البحري وبرلمانيي جهة سوس، تتوفر هسبريس على نسخ منها، بغرض تسمية معهد للصيد البحري بأكادير باسم “الحاج محمد أبعقيل”.
وطلبت هاتان الهيئتان من رئيس المجلس الجماعي لأكادير أن يسمي إحدى شوارع أكادير باسم أبعقيل عرفانا بتضحياته ومساره الفريد، ليلهم الأجيال المقبلة على حب الوطن والصبر والسعي إلى النجاح.