أخبار وطنيةأراء وحواراتمتابعات

أزمة العطش في تافراوت .. “بلدة العلماء والوزراء” تتحوّل إلى صحراء

“من بلدة الوزراء والعلماء إلى صحراء قاحلة تعيش تحت وطأة العطش وقلة الماء”؛ هذا هو حال مدينة تافراوت بجنوب المغرب التي يتحول فيها فصل الصيف من كل سنة إلى كابوس مزعج يقض مضجع السكان وينغص حياتهم اليومية بسبب انعدام الماء.

إنجاب تافراوت “جوهرة سوس” لفئة غير قليلة من رجال العلم والسياسة والمال والأعمال الذين سطع نجمهم على الصعيد الوطني وتقلدوا مناصب عليا في وزارات وهيئات تقريرية عديدة، لم يكن كافيا ليشفع لها قصد إيجاد حلول جذرية قادرة على إنقاذ ساكنتها من جحيم عطش فصول الصيف الحارة.

“مشكل عمر لسنوات”، “نعيش الجحيم كل فصل صيف”، “في حاجة إلى مسؤولين غيورين قادرين على الترافع حيال الموضوع”، “الحلول المؤقتة لم تعد مطلوبة في الوقت الراهن”، “العديد من أبناء تافراوت يوجدون على رأس قطاعات حيوية وقادرون على فك الأزمة بجرة قلم لكن لا حياة لمن تنادي”…؛ ارتسامات من بين أخرى لرجال ونساء وشباب من تافراوت سألتهم جريدة هسبريس عن أزمة الماء الصالح للشرب بالمنطقة.

10 سنوات من العطش

خالد عقيلي، فاعل جمعوي بالمنطقة، قال في تصريح لهسبريس إن “تافراوت تعاني كل سنة من نقص حاد في الماء نظرا لغياب منشآت تجميع المياه وتخزينها، إضافة إلى ضعف الفرشة المائية وقلة التساقطات المطرية، موازاة مع انعدام مبادرات معقولة من جانب الجهات المسؤولة لتجاوز المشكل”.

وأوضح عقيلي أن أزمة العطش هاته، “ظهرت بالمنطقة منذ سنة 2010، غير أنها في سنة 2014 كانت بوقع أقل نتيجة الأمطار الغزيرة التي عرفتها المنطقة، قبل أن تعود الظاهرة إلى حالتها الأصلية انطلاقا من 2015 إلى حدود اليوم، إلا أن السنتين الماضيتين عاشت فيهما الساكنة معاناة مضاعفة، في حين هذه السنة وإلى حدود الساعة، الأمور على ما يرام بفضل الأمطار الأخيرة”.

وأشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى أن “قلة المياه في السنتين الماضيتين أضحت معها الأحياء بتافراوت مجبرة على انتظار دورها للاستفادة من الماء ساعة واحدة في الأسبوع، تكون في بعض الأحيان في أوقات متأخرة من الليل”، وذكر من بين هذه الدواوير، أميان وأكرض أوضاض وأداي، التي تواجه أيضا إشكالا إضافيا يتجلى في ضعف الصبيب بسبب الضغط.

كما تدفع الظروف ذاتها، وفق خالد عقيلي، فئة عريضة من الساكنة إلى قطع مسافات طويلة تحت لهيب الحرارة المرتفعة صيفا قصد جلب لترات معدودة من مياه العيون المتواجدة بالضواحي.

حلول مؤقتة

“قصد التخفيف من وقع الأزمة الحادة، تدخلت في السنتين الماضيتين بعض الجمعيات المحلية من أجل تنظيم التناوب في التزود بالماء، رغم أن هذه العملية تبقى عشوائية نظرا لعدم ارتكازها على توقيت محترم يسمح للمتضررين بالاستفادة من كميات المياه اللازمة في وقت مناسب”، يتابع خالد عقيلي في تصريحه لهسبريس.

وأضاف: “كما تم حفر بعض الآبار الخاصة من طرف محسنين بالمنطقة رغبة في تجاوز الخصاص المائي لدى السكان المحليين، هذا في الوقت الذي يلجأ فيه البعض منهم إلى الاعتماد على المياه المعدنية، رغم أن هذا الخيار يبقى قليلا بالنظر إلى القدرة الشرائية المحدودة لأغلبية القاطنين بتافراوت، إضافة إلى تزويد بعض الأحياء بصهاريج بلاستيكية من طرف جمعية جود بتعاون مع المجلس الجماعي تافراوت”.

مسؤولية مشتركة

بخصوص مسؤولية أزمة العطش التي تعيشها تافراوت طيلة السنوات الماضية، قال عقيلي إنها “مشتركة بين المجلسين الجماعي والإقليمي والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وأيضا بعض المواطنين الذين يتوفرون على صهاريج من سعة 10 أطنان والذين يستغلون المياه في عملية سقي الأشجار وأشغال ثانوية أخرى، الأمر الذي تجد معه الفئات الأخرى التي تكتفى بخزانات مائية تتسع لأقل من 200 لتر صعوبة كبيرة في الاستفادة من الماء الشروب”.

وتابع المتحدث ذاته قائلا: “كان من الأجدر العمل على إنجاز مخطط ترافعي من طرف مختلف الجهات المسؤولة منذ سنة 2010 والعمل على تنزيله، خصوصا وأن الجهات المدبرة للشأن المحلي والإقليمي بقيت هي نفسها ولم تعرف أي تغيير، عوض أن تغط في نومها طيلة 10 سنوات لتستفيق مؤخرا على نوايا جلب الماء لتافراوت عبر سد أولوز أو عين تزركين أو تصفية مياه البحر، وهي نوايا لم تر ولو واحدة منها ولو محاولة بسيطة قصد تنزيلها على أرض الواقع”.

مطالب مستعجلة

قال خالد عقيلي إن “مطالب مستعجلة تحتاج تنزيلا آنيا على أرض الواقع تفاديا للوقوع في نفس سيناريوهات العطش الماضية خلال الصيف القادم، وعلى رأسها استكمال بناء سد تيزيرت، وتشييد سدود صغيرة أخرى لتجميع مياه الأمطار، وجلب الماء من العيون القريبة، وحفر آبار وتعميق أخرى”.

كما ناشد الفاعل الجمعوي عينه في ختام تصريحه لهسبريس الساكنة المحلية عدم تبذير الماء في أمور ثانوية والاكتفاء باستعماله في الضروريات، مطالبا في الوقت ذاته المسؤولين المحليين والإقليميين بإيصال معاناة ساكنة تافراوت مع العطش إلى أبناء المنطقة المتواجدين بمناصب المسؤولية، والعمل على إخراج البلدة من شبح ثالوث الخطر المحدق بها المتمثل إضافة إلى الماء، في الصحة، والطرقات، خصوصا المؤدية منها إلى تزنيت.

جهات مسؤولة خارج التغطية

طيلة أسبوع، حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية مرات عديدة التواصل مع رئيس المجلس الجماعي لتافراوت ورئيس المجلس الإقليمي لتزنيت، غير أن هاتفيهما ظلا يرنان دون مجيب رغم اطلاعهما على هويتنا ودواعي الاتصال عبر رسائل نصية قصيرة.

الشيء ذاته واجهناه مع المسؤول الإقليمي على قطاع الماء بتزنيت، الذي أجاب عن مكالمتنا في أول اتصال قائلا: “تافراوت لا تعاني من مشكل العطش”، قبل أن يبادر إلى إنهاء المكالمة تحت مبرر كونه في اجتماع عمل واعدنا إيانا بمعاودة الاتصال بنا لاحقا، الأمر الذي لم يتأت طيلة أسبوع كامل رغم محاولاتنا العديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: