الأخبار

تاريخ أصيل ومستقبل مشرق: تزنيت، مدينة تتنفس الفضة وترعى تراثها الثقافي والفني

محمد بوسعيد

تعتبر صناعة الفضة بتزنيت موروثا ارتبط ارتباطا وثيقا بالمغاربة من ذوي الديانة اليهودية ،الذين اهتموا بنقل هذه المعرفة إلى الحرفيين الآخرين .ليصبح القطاع الحرفي على المستوى الوطني قطاعا أساسيا في التنمية المستدامة ،لكونه يشكل قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية ،حيث في سنة 2024 سجلت الأرقام الرئيسية للصناعات التقليدية رقم معاملات بقيمة 76،4 مليار درهم ،أي مساهمة بنسبة 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي .ويتمتع قطاع المجوهرات بمساهمة مثيرة للاهتمام في الاقتصاد الوطني ،إذ ساهم في خلق أزيد من 8000 منصب شغل بمساهمة فاقت 159 مليار درهم ،أي 22بالمائة من رقم أعمال الصناعة التقليدية الإنتاجية .

الصياغة الفضية بتزنيت

 

تحتل الحرف اليدوية و الصناعة التقليدية بإقليم تزنيت ،جانبا مهما في تراثها الأصيل ،وتبقى أشهرها صناعة المشغولات الفضية التي تتمتع بسمعة ممتازة في المنطقة بشكل خاص وفي المغرب بصفة عامة ,وتعتبر هذه الصناعة رمز الاصالة لأبناء المنطقة ،حيث يسعى الحرفيون إلى الحفاظ على هذا التقليد ،إلى جانب العديد من الصناعات المنزلية الأخرى .وبالتالي لا ترمز المجوهرات الى الأشياء التي ترتديها النساء فحسب ،بل إلى فن من التاريخ القديم كان الرجل مهما به دائما ،ويتفوقوا حرفيو تزنيت في صناعة المجوهرات ويضفون عليها إبداعا يعكس خصائص شخصيتهم وبيئتهم وأسلوب حياتهم .ولم تكن المجوهرات في المنطقة مجرد قطعة بسيطة لتزيين رقبة المرأة خلال الفترة الاستعمارية ،بل تسمح لهن بالتنقل بسهولة عبر القرى متظاهرات بأنهن مدعوات لحضور حفل زفاف أو احتفال محلي ،مما أتاح لهن الفرصة نقل الأسلحة لعناصر المقاومة ،بإخفاء البارود في المجوهرات ،وبالتالي استخدامها كوسيلة لتهريب الأسلحة للمقاومة .

بيت ” تيكمي نكورت ” رمز أصالة المجوهرات

ويبقى منزل “تيكمي نكورت “،القريب من ساحة المشور وقصر السلطان ،رمزا لهذه الاصالة للمدينة ،فاليوم يتميز بهندسة معمارية قديمة تشهد على قدم صناعة المجوهرات لفضية الحرفية ،ففي الماضي كانت ترحب بالحرفيين ،اما اليوم فهم قليلو العدد ،لأن أكثرهم فضل الاستقرار في “قسريات المجوهرات “المتنوعة بتزنيت .فزيارتنا السابقة لهذا المنزل ،أتاح لنا اكتشاف رمز محل المجوهرات بالمدينة ،وتبين جلوس الحرفي في القديم أمام طاولة صغيرة وينكب على صناعة الفضة بأدواته التقليدية وينقش رسومات تحكي قصة الثقافة الامازيغية الغنية بأشكالها واماطها الفريدة .

صياغة الفضة ذات أصول يهودية

كان اليهود أول من اكتشف منجم الفضة في منطقة أنزي ،تم بدأوا الاشتغال في الصياغة الفضية ،

وبعد ذلك أصبح المغاربة يتلمذون عليهم ،ومنذ ذلك الحين أصبحت مدينة تزنيت عاصمة الفضة ,حيث أبدع الحرفيون المحليون سواء كانوا مسلمين أو يهود ،في ابتكار مجوهرات تحمل قيما جماليا إبداعية سواء باستخدام نوع فريد ومميز من المعدن المطلي بالفضة ،أو من خلال توظيف التقنيات و الأساليب المختلفة في الصياغة الفضية كالفضة المنقوشة وتقنية “التخريم ” المستوحاة من أساليب و اشكال وتصاميم من التراث المحلي ،مع استحضار عناصر فنية ورموز ثقافية ذات تأثيرات متعددة .
صياغة الفضة مصدرا لتطور مدينة تزنيت

وتشكل الصياغة الفضية عنصرا يميز تزنيت عن غيرها من المدن المغربية ،فهي تمثل موروثا ثقافيا محليا شعبيا وانسانيا وموردا تنمويا ،حيث تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية وتوفر فرص عمل عديدة وموردا اقتصاديا هاما .فضلا على أن هذا النشاط يشكل ركيزة من ركائز التلاحم والتضامن ويعمل في هذا القطاع اكثر من 1000 حرفي وحرفية تقليدية ,لتتمكن مدينة تزنيت مع مرور الوقت ،من الحفاظ على مكانتها الرائدة في مجال صياغة الفضة ،وذلك بفضل مهارات ودراية حرفيها الذين ساهموا في تطوير هذه الصناعة الحرفية وفي الحفاظ على هذا التراث الثقافي الأصيل والمتنوع نرغم تاثيرات النفوذ الأجنبي والعولمة وتحديث أدوات العمل والمنافسة الأجنبية ،خاصة التركية .وتم تزيين هذه المجوهرات بالوان مختلفة ولكل منها معنى خاص ،حيث الخضر يرمز إلى الخصوبة ،ألأزرق الهدوء والسلام ويرتبط اللون الأحمر بالحياة و القوة و الشجاعة

 

صياغة الفضة الاصالة والحداثة :

بمناسبة الدورة 12 لمهرجان تيميزار ،عرض صناع الفضة منتوجا يتميز بأنماط جديدة و اشكال متنوعة بخبرة حديثة ،مع الحفاظ على اصالتها وقيمتها الجمالية و الثقافية ،لأاجل تثمين هذا التراث الثقافي والفني الخاص بمدينة تزنيت ،من خلال الأنماط
الجديدة للمجوهرات بعلامات تقليدية واصيلة .غير أن الحفاظ على هذه الصناعة باعتبارها ذاكرة جماعية لساكنة تزنيت ،يبقى أمر ضروري لحماية تراث الأجداد ،حيث أكد عبد الحق أرخاوي ،رئيس جمعية تيميزار ،على أهمية تكوين الشباب و الفتيات الذين غادروا أسوار المدرسة ،في مهنة الصياغة الفضية ،من خلال إحداث قسم بمركز التكوين المهني يهتم بذلك .
مهرجان تيميزار للفضة
يساهم هذا المهرجان في الترويج لمدينة الفضة ،وتحريك العجلة الاقتصادية للمنطقة ،وهو حدث سنوي تنظمه جمعية تيميزار ويصبو إلى تسليط الضوء على المشغولات الفضية ،وفي كل سنة يعرض حوالي خمسين مشاركا وبائعا أحدث التطورات في مجال المجوهرات ،وذلك تحت شعار : ” الصياغة الفضية هوية إبداع وتنمية “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: