في رحاب الفن والوفاء: الحسين اوبن يحيى مكرَّم الدورة الخامسة بورزازات …بقلم باسين عبد العزيز
الدورة الخامسة بورزازات تحتفي برمز الفن الأمازيغي: تكريم مؤثر للفنان الحسين ابن يحيى في دورة الحاج محمد اوبن يحيى أوتزناخت

بقلم باسين عبد العزيز
شهد المركب الثقافي الجديد محمد السادس بمدينة ورزازات، خلال الفترة الممتدة من 18 إلى 20 أبريل 2025، حدثاً ثقافياً مميزاً جمع بين عبق الكلمة وروعة اللحن، حيث احتضن فعاليات الدورة الخامسة لملتقى الشعراء الذي تنظمه جمعية “إيغبولا نيسفرا” للشعراء. وقد حملت هذه الدورة اسم “دورة الحاج محمد بن يحيى أوتزناخت”، تكريماً لرمز من رموز الوفاء للثقافة والفن الأمازيغي، ولتأكيد دور العائلات الفنية في حفظ الذاكرة الثقافية.
وقد تميز هذا الموعد الفني بتكريم خاص للفنان الأمازيغي المتألق الحسين ابن يحيى، أحد الأسماء اللامعة في الساحة الفنية الأمازيغية، والذي يُعد من أبرز حاملي مشعل الأغنية والشعر الأمازيغي في المغرب.
جاء هذا التكريم في لحظة اعتراف بمسيرة فنية غنية بالعطاء، احتفاءً بإرث فني وشعري حفر اسمه في وجدان المغاربة، حيث استطاع الحسين ابن يحيى أن يُبقي الأمازيغية نابضة بالحياة من خلال كلماته وألحانه التي تنبض بالهوية والانتماء.
وقد جاءت هذه الدورة، التي نُظمت تحت شعار “التراث الشعري والموسيقى الأمازيغية… ركيزتان لفن حضاري وإنساني”، لتؤكد مجدداً أن الفن الأمازيغي ليس مجرد تعبير إبداعي عابر، بل هو موروث غني بالأبعاد الثقافية والقيم الجمالية والإنسانية. وفي هذا السياق، برز الدور الريادي للحاج محمد بن يحيى، والد الفنان المحتفى به، الذي شكل حضوره التكريمي رمزاً لامتداد الروح الفنية من جيل إلى جيل، وللصلة الوثيقة بين العائلة والإبداع في المشهد الأمازيغي. لقد كانت مساهمته المعنوية ومكانته المجتمعية إضافة نوعية لهذه الدورة، التي تحولت بفضله وفضل الحضور الفاعل لابنه الحسين، إلى مناسبة للاحتفاء بالهوية الأمازيغية بكل أبعادها التاريخية والحضارية.
ولم يكن هذا التكريم وليد صدفة، بل ثمرة مجهود جماعي قامت به الجمعية المنظمة، إلى جانب مجموعة من الفاعلين الثقافيين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية إبراز رموز الفن الأمازيغي الأصيل. ومن بين الأطر التي ساهمت بفعالية في إنجاح هذا التكريم، يبرز اسم الأستاذ سعيد جاكان، ابن قبيلة الوكوم ومن منطقة أوتزناخت، وهو فاعل مكلف بالمسرح بدار الثقافة بورزازات، حيث ساهم في التنسيق والإعداد الفني للحفل.
كما شارك في هذا العمل التكريمي المتميز محمد أحمد بوركوكو، العضو النشيط في الجمعية والمنتمي إلى قبيلة تلوات أباهاض، والذي كانت له إسهامات واضحة في التنظيم والمتابعة. ومن الأسماء التي لا يمكن التغافل عنها كذلك، الحاج ختوش، أحد الأعضاء الداعمين للجمعية، والذي ساهم مادياً ومعنوياً في إنجاح هذا الحدث، مؤكداً بذلك أهمية الشراكة المجتمعية في تعزيز الثقافة والفن المحلي.
ولعل أبرز اللحظات المؤثرة في الحفل، تمثلت في تكريم الحاج محمد بن يحيى، والد الفنان الحسين ابن يحيى، في التفاتة إنسانية تحمل دلالات عميقة من الاعتراف والوفاء. وقد شكّل هذا التكريم لحظة مؤثرة للجميع، جسدت امتداد الجذور وتوريث القيم الفنية والثقافية بين الأجيال.
كما لم تقتصر لحظات التقدير على الفنان ابن يحيى فقط، بل شملت أيضاً تكريم الدكتور إبراهيم أوبلا، الناقد الأدبي المعروف، تقديراً لمسيرته الأكاديمية وإسهاماته في تحليل وتثمين النصوص الشعرية الأمازيغية. وقد حرص المنظمون على منح مساحة خاصة أيضاً للعنصر النسوي، حيث تم تكريم ثلاث شاعرات أمازيغيات تألقن في التعبير عن قضايا المرأة والمجتمع بلغة الشعر، مما أضفى على الملتقى بعداً من التوازن والتنوع الإبداعي.
في ختام الحفل، أطرب الفنان الحسين ابن يحيى جمهوره الحاضر بمجموعة من أغانيه وأشعاره المتميزة، التي تجاوب معها الحضور بحرارة، مرددين كلماته بكل حب وفخر، تأكيداً على الشعبية الكبيرة التي يحظى بها هذا الفنان في أوساط المغاربة عموماً وعشاق الأغنية الأمازيغية على وجه الخصوص. وقد تحوّل الحفل إلى عرس ثقافي بامتياز، جمع بين الإبداع والحنين والاعتراف، مما جعل من هذه الدورة محطة بارزة في سجل الاحتفاء بالرموز الثقافية المغربية.
إن تكريم الحسين ابن يحيى ومن معه في هذا الملتقى ليس مجرد احتفاء بفنان، بل هو رسالة واضحة مفادها أن الثقافة الأمازيغية لا تزال تنبض بالحياة، وأن أبناءها مستمرون في حمل مشعلها بكل عزم ووفاء. كما شكّل هذا الحدث فرصة لتلاقي الشعراء والفنانين من مختلف المناطق، وتبادل التجارب والقصائد والآمال من أجل مستقبل ثقافي أكثر إشراقاً.