أعمدةقرا واحكم

مقامة التلميذ الكسول

اكابريس 

                       من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني :مقامة التلميذ الكسول

حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : حين ملت نفسي من نفسِي ، وضجر أملي من حدسِي ، واشتكت لي حريتي من حبسِي ، ركبت مالي من ساقْ ، وتوجهت بسرعة المشتاقْ ، إلى سوق العشاقْ ، وهو سوق به الأنفس ترتاحْ، وعليه تشهد الليالي الملاحْ ، وفيه الكلام الممنوع يباحْ ، فلما وصلت إليه بما لي من درايهْ ، فتشت بين أرجائه الفسيحة للغايهْ ، عن خلي ابن أبي الرعايهْ ، وهو رجل له ألف حكاية وحكايهْ ، ناقم على من للوطن يخونْ ، شاهد على ما في العصر من كاف ونونْ ، وبالكلام الموزونْ ، مجلسه لا يهونْ ، وجمعه للحق يصونْ ، فأكرم به يا جميل ويا مفتونْ ، وأنعم به يا قيس و يا مجنونْ ….

وبعد تفتيش هنا وهناكْ ، وجدته بالقرب من جزار الهلاكْ ، يتأمل في مسواكْ ، ويردد قول علي في عود آراكْ :

حظيت يا عود الأراكِ بثغرها *** أما خفت يا عود الأراك أراكَ

فقلت له بعدما أدى سنة السواكْ ، نفسي ما لها بعد الله سواكْ ، وهي اليوم بالحزن تلقاكْ ، فهل أجد عندك يا خلـِّي ، ما أشفي به غلـّي ، وأنسى معه ذلـّي ، فقال بعدما تأمل في طويلا َ ، يا ملكا والواو رده ذليلاَ ، ما طلبت أمرا جليلاَ ، فاسمع فإني مثلك أعانِي ، وهذا ابني يا جوعانِي ، شيبني قبل أن تشيبني أيام زمانِي ، والبارحة بالضبط يا مفجوعْ ، أرسلوا إلي من ثانوية المخلوعْ ، رسالة مختومة بالدموعْ ، تقول أنت مدعو لأمر خطيرْ ، ومطلوب منك الحضورعند سيادة المديرْ،  فابنك للشغب يثيرْ ، ومستقبله قد يطيرْ ، وإن لم تحضر فالسجن ينتظره وبئس المصيرْ ، ولأني أخشى على مستقبل الولدْ ، عجلت بالذهاب إلى ثانوية النكدْ ، فلما وصلت إليها بعد جهد وكبدْ ، استقبلني مديرها بعدما طال علي الأمدْ ، فقال أيحسب ابنك أن لن يقدر عليه أحدْ ، لقد لوث سمعتي أمام الوزيرْ، وجعل طاقمنا التربوي مجرد حميرْ ، قلنا له تحدث بأدب كبيرْ ، عن التعليم في المغربْ ، ولسعادتك بلقاء الوزير فلتعربْ ، و لاهتمامه فلتجذبْ ، فلما توسط القاعهْ ، قال اسمعوا يا جماعهْ ، لا تغرنكم ما عند المدير من بضاعهْ ، فالصدق عنده ساعهْ ، والكذب فيه إلى قيام الساعهْ ، وسيادته كاذب فيما يقدم ويقولْ ، وأنا أنا التلميذ الكسولْ ، حكايتي حكاية تطولْ ، أبي يريدني جنرالا يصول ويجولْ ، وأمي تحب أن تراني طبيبا للعقولْ ، وجدي يشتهي رؤيتي بيطريا للعجولْ ، وأخي يتخذني مثلاَ ، وذي مدرستكم تغمرني كسلاَ ، ولا توفر لي في المستقبل عملاَ ، فعلام الدراسة والاجتهادْ ، إن كان معظم تلامذة البلادْ ، نصفهم أو أضيفوا عليهم بضعة أعدادْ ، في السجن يأكلون الذي يذكر والذي لا يذكرْ، ونصفهم الآخر يا أصحاب المظهرْ ، ظهورهم أمام البرلمان تسلخ وتقهرْ ، ولأن ذلك كذلكْ ، ولأن تعليمكم معقد المسالكْ ، فرنسي والتفرنس فيه أمر شائكْ ، مائع والميوعة فيه بلا قياسْ ، ارتجالي كطيران ابن فرناسْ ، لا ينفع الجنة والناسْ ، فقد جعلت من الصفر خليلاَ ، وأنشدت قم للمعلم وفه التقتيلاَ ، كاد المعلم أن يكون هبيلاَ ، وجعلت المدير عدوا مبينَا ، وبنيت لي بالشغب صرحا متينَا ، ودخنت الحشيش وجالست المسكرينَا ، وتركت حروف الفلسفة والتاريخْ ، واللعنة على الجغرافية من هنا للمريخْ ، وذرني والعربية وإعراب الصواريخْ ، واصغ جيدا لما سأقولْ ، فأنا أنا التلميذ الكسولْ ، على كرسي الإنجليزية أبولْ ، وللفرنسية طلقت من غيرعدولْ ، فإن تسألني عن اهتمامِي ، أخبرك عن حبي وغرامِي ، فحنان لها عشقي ولمروة هيامِي ، ولسلمى شوقي ولأسماء سلامِي ، والمعجون به تفك عقدة اللسانْ ، وبالقرش و” الحميمة ” أطرد عني الشيطانْ ، و”الكالة ” زوجتها فمي بأبخس الأثمانْ ، …وما لي أراكم أصبتم بذبحهْ ، ولم أحدثكم بعد عن النفحهْ ، ولم أكلمكم عن الشمة و” الربحهْ ” ، ولا عن دعائي يوم الامتحانْ، يوم يعز المرء أو يهانْ ، وحتى لا تقولوا عني جبانْ ، أخبركم بتلك الحكايهْ ، من البداية إلى النهايهْ ، فشعاري في ذاك يا أصحاب الغوايهْ ، من طلب العلا نام مع الشخيرْ ، ودخل الامتحان من غير تحضيرْ ، فإن كانت الأسئلة صعبة المنال والتفسيرْ ، أخرجت من جيوبي النقل والأسفارْ ، درءا للواحد والنصف والأصفارْ ، وغنيت اليوم أنجح يا شطارْ ، فإن فاجأني أستاذ الحراسهْ ، وقال ما تفعل يا نجاسهْ ، خيرته بين الصمت أو التعاسهْ ، فإن تكلم بغير لباقهْ ، أخرجت من تحت لساني شفرة الحلاقهْ ، وكتبت على وجهه تعلم اللياقهْ ، ولا أخاف السجن مع هذي الأفعالْ ، فالسجن كما قيل للرجالْ ، وأبي يريدني رجلا تضرب به الأمثالْ .وحتى لا أطيل عليكم يا سادهْ ،أقول في خلاصة لا تطلب الريادهْ ، أنتم من جعلتموني أحب الوسادهْ ، ولا أبتغي ما لكم من شهادهْ ، وأنتم بما لكم من سياسة تعليمية تعسفيهْ ، جعلتموني أتمنى للمدارس قنبلة ذرّيهْ ، وللطلاب والتلاميذ عطلة صيفيهْ، وللمعلمين سكتة قلبيهْ ، وللمدراء ميتة جاهليهْ ، وللوزير عصمة هنديهْ ، إذا جلس قال متى المنيهْ ، وإذا قام قال إتفو عليّ .

قال المفجوع  : قلت لابن أبي الرعايهْ ، بعدما قص علي هذه الحكايهْ ، ماذا صنعت مع ابنك يا عاشق الروايهْ ، فقال وقد اغرورقت عيناه بالدموعْ ، إني لما رجعت للبيت يا مفجوعْ ، قلت لولدي الذي شتم ما للتعليم من أصول وفروعْ ، يا حمار إني أريد فتح حوار معكْ ، قد ينفعك إذا ما ريب الزمان صدّعكْ ، وإن لم أنفعك أنا فغيري يا بغل لن ينفعكْ ، … وقبل أن أكمل لومي وعتابيِ ، قال الولد الذي ضيعت من أجله شبابِي ، يا أبتي لئن لم تنته عن لومي وعتابِي ، لأتركن لك هذه الدارْ ، ولأهجرنك هجر الجنة للنارْ ، وما هذا بوقت حوارْ ، فقد فاتك القطارْ ، حين حاصرك البحث عن الخبز والدرهم والدولارْ ، فأنساك أن البنوة نور من الواحد القهارْ ، وأن النأي عنها وعن همومها  أكبر عارْ … ثم أنشد قائلا :

يا مصدر رزقي وفلسي

مل يومي من تكرار أمسي
وملت من نفسها نفسي
وعيرت حدسي بنحسي
فقلت لما سألوني عن جنسي
عربي أنا وفي موتي عرسي
مغربي وفي حريتي حبسي
تحرقني شمسي
فيرقص من حرها بؤسي
وحين يشتد بأسي
أحفر لنفسي
قبرا بفأسي
ثم أحيا
لأرى يومي يمل من تكرار أمسي
بوزي بريس ـ محمد ملوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: