الأخبار

حين تهدر كرامة المواطن باسم ‘العواشر’

لكي تعرف الوجه الآخر وهو الوجه الحقيقي لبلدنا الحبيب-المغرب يكفيك فقط أن تنتقل بين مدينتين في مناسبة كمناسبة عيد الأضحى المبارك، ولكي تعرف حقيقة هذا الوجه سافر عبر إحدى وسائل النقل العمومي، خاصة الحافلات، منطلقا من إحدى المحطات الطرقية خاصة الشهيرة منها: كأولاد زيان بالدار البيضاء أو بوجلود بفاس أو باب دكالة بمراكش أو حتى محطة العاصمة المعروفة بالقامرة.

فبمجرد ما تضع قدمك على عتبات إحدى هذه المحطات أو غيرها عبر تراب الوطن بأكمله ستكتشف عالما ليس الذي تعلمه أو على الأقل الذي تتخيله. ولا أخفيكم سرا أنني أْصاب أحيانا بالذهول لبعض المشاهد والمواقف التي عشتها أو رأيتها بهذه الأماكن نظرا لكونها تلخص أمورا لا تمت صلة بالإنسان المغربي ولا ينبغي أن تمت له بها أية صلة.

والحقيقة أنني لم أسافر هذه السنة كثيرا كسابقاتها، ولتتبعي للمشهد السياسي والمجتمعي وخاصة التسويق الإعلامي المحترف لما روج له بالاستثناء المغربي اعتقدت بأن أمورا كثيرة قد تغيرت، على الأقل، على مستوى الواقع بعدما تيقنا بأن لاشيء تغير على المستوى السياسي وتدبير قرار البلد. لكن الحقيقة أن الأمور، مع الأسف الشديد، تزداد سوءا يوما بعد يوم. وتكفي لحظات في محطة العاصمة بالقامرة ليكتشف المرء بأن لاشيء اسمه القانون يحكم هذا البلد. سيرى الإنسان بأم عينيه “عصابات”- مع تحفظي الكامل لهذا المصطلح- بشرية تستغل المواطنين أمام مرأى ومسمع السادة رجال الأمن. أشخاص كباقي الناس يتلاعبون بالأسعار كيف ما يروق لهم يضاعفون مر تين أحيانا وثلاث مرات أحايين أخرى، ناهيك عن السرقة ب”العلالية” والابتزاز وأشياء أخرى. أما عن طبيعة الخدمات التي تقدم للمواطن فحدث ولا حرج.

سألت أحد المواطنين عن الحالة المتردية لإحدى الحافلات وما موقفه. أجابني قائلا: “احمد الله ملي لقيتيها”. والحقيقة أنني فهمت من كلامه الشيء الكثير كما استغربت كثيرا لأنه قدم الثمن مضاعفا ولا يهمه سوى أن يصل ليقضي مناسبة العيد مع أعز الناس إليه. ليس من السهل تقبل هذه الوضعية ببساطة. الوضعية التي تصبح لدى المواطن فيها مسلمة بأن كرامته ليست مهمة بهذه الدرجة فيصبح ضحية لعصابات تقتنص الفرص بشكل منظم وأحيانا شبه مقنن والدولة والمسؤولون في دار غفلون. كلا. وكيف لا وقد أهدرت كرامة هذا الشعب بأكمله من طرف حفنة من الناس سنينا وعقودا ولا يزالون. للأسف.

الساعة 13:33 زوالا يصعد شاب في عنفوان شبابه وبيده أنواع متعددة من الحلويات عليها علامة “Bimo” وهو يقول: “يالله 8 ب 5 دراهم، لي بغا افرح الوليدات”. دار دورته ولا من يحك جيبه فنزل من الشاحنة متمنيا للمسافرين سفرا سعيدا وعواشر مبروكة. وفور هبوطه طلع شاب آخر يبدو على وجهه أثر تقلبات الزمن والأيام. وهو يضع المنتوج الذي يبعه على حجر جميع المسافرين يردد جملة: “شكلاط الصح، هرَس قبل° ما تخلًص،” لا أدري هل باع شيئا أم لم يبع، لكن الطريقة التي يردد بها الجملة تنم عن علاقة ما تربطه بالشعر، ربما. ولأن الثمن الذي يطلبه ل”شكلاطه” يبدو شيئا ما مبالغا فيه سأله أحد المسافرين: ولكن ثمنها الحقيقي هو 5 دراهم وليس 8. أجابه الشاب بكل ثقة في النفس: “هذه العواشر ألوالد ما عندي ما ندير ليك”. ضحكنا وانصرف الشاب دون أن يتمنى لنا حتى سفرا سعيدا.

تذكرت نفس الجملة التي قالها واحد منهم مكلف بالتذاكر. لما استفسرناه عن السبب وراء الأثمنة المضاعفة بشكل غير معقول. أجابنا هو الآخر: “هذه العواشر أخويا. اركب أولا تركب فهناك من سيذهب مسافرا بهذا الثمن وفوقه”. حينها قلت في نفسي هذا ما يريد المسؤولون أن يقولوه لنا بالعربية تاعرابت بالسماح لهذه الوضعية تستمر وتتأزم يوما بعد يوم وليس في النقل الطرقي وحده بل في كل مجالات الوطن والبلاد. ليس لدينا ما نفعله لكم هذه العواشر.

الغريب في العواشر أن الكل يستفيذ ماديا إلا المواطن المسكين ولا من يحميه. فلا قوانين تنصفه ولا دولة تقف بجانبه. فاذهب إلى أي مكان شئت سترى أن الكل همه هو استغلال الفرصة، فتجد من لا ينام ليل نهار حتى تنتهي هذه الأيام وآخرون يعملون المستحيل لجلب أكبر عدد من الزبناء. فأصحاب “الحوالة” يزيدون في الأثمان بين عشية وضحاها ولا من رقيب، وكذلك أصحاب النقل وباقي ما يباع ويشترى.

وأبعد من ذلك فالمواطنون لم تعد تهمهم الأثمنة كثيرا كما صر ح لي عدد من الذين صحبتهم في الطريق بل الأهم عندهم هو أن يصلوا إلى حيث متجهون بسلام وأمان. خصوصا وأنهم يستذكرون شريط حوادث السير التي ارتفع عددها فأزهقت أرواحا خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الحالة الكارتية للطرق خاصة في المناطق الجبلية وسوء حالة وسائل النقل وأشياء أخرى كثيرة. فلذلك تجدهم يطلبون العلي القدير ، بمجرد أن تتحرك الشاحنة حتى تصل، أن يوصلهم بخير وعلى خير. ونحن إذ ننوب عنهم للحديث عن هذه المعاناة عسى أن تصل الصرخة إلى آذان صماء، تتسكع في مكاتب الرباط وحين تسافر لا تتحرك إلا في السيارات الفاخرة أو عبر الطائرات، نتمنى لجميع المواطنين الكرام سفرا سعيدا وخاليا من الأخطار وللجميع عواشر مبروكة وعيد مبارك سعيد.

محمد وهماني – لكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: