واقع الخطاب الامازيغي اليوم بين التحديات المطروحة والافاق المستقبلية
ن أي خطاب مهما كان له اسسه الفكرية و الايديولوجية حيث لا يمكن للعاقل ان يؤمن بخطاب معين دون معرفة ماهية اسسه المختلفة و غاياته المنشودة على المدى المتوسط او البعيد.
ان مبادرة مجلة ادليس الرامية الى فتح نقاش واقعي و جوهري بين الحركتان الامازيغية و الاسلامية هي مبادرة تاريخية غير مسبوقة حيث تستحق هذه الاخيرة منا التشجيع و التكريم بحكم ان الاستاذ الخنبوبي هو رجل واعي باهمية هذا الحوار الاستراتيجي بين الحركتان بالرغم من ملاحظاتي الشخصية حول هذا اللقاء الذي شاهدته ببالغ الاهتمام عبر الفايسبوك ..
انني اؤمن بضرورة الحوار بين الحركتان و تجاوز الخلافات العميقة باعتبارنا في نهاية المطاف مسلمون في هذه الارض المباركة بناسها الكرام و تجذرها في الملة الاسلامية طيلة 14 قرنا كما يعلم الجميع..
الحركة الاسلامية والحركة الامازيغية والحوار الممكن:
ان هذه الفرصة تعتبر مناسبة ذهبية بالنسبة لي من اجل تقييم واقع الخطاب الامازيغي اليوم حيث صار هذا الاخير معروف لدى فئات محدودة من مجتمعنا بفضل انفتاح الدولة على الشان الامازيغي منذ سنة 2001 و بفضل الاعلام الامازيغي ببعده المكتوب في اول الامر من خلال الجرائد المهتمة بالموضوع ثم الاعلام السمعي منذ سنة 2005 تقريبا الخ من هذه الوسائط الحديثة التي نجحت في ايصال هذا الخطاب الى شرائح واعية من مجتمعنا المغربي عموما.
غير ان الخطاب الامازيغي قد اتهم من طرف البعض بصفته ظل طيلة 47 سنة الاخيرة ذو بعد نخبوي بمعنى ان جل مضامين هذا الخطاب لم تصل بعد الى فئات واسعة من مجتمعنا لاسباب ايديولوجية بالاساس حيث ان الدولة الوطنية بعد الاستقلال الشكلي قررت الاتجاه نحو المشرق العربي بشكل فضيع و تام باعتباره مرجع مقدس بالنسبة لجل نخبنا المختلفة من اليمين الى اليسار و بالنسبة للسلطة انذاك بغية محو أي انتماء لهذه الارض الطاهرة كتاريخ و كحضارة و كبعد ديني و كايديولوجية سياسية .
و بالتالي فالسلطة طيلة عقود من الزمان حاولت تقديم الخطاب الامازيغي على انه مجرد وسيلة لتحقيق ما يسمى بالسياسة الفرنسية البربرية بمعنى ان كل ما هو امازيغي حسب هذا المنظور الخطير يحيل مباشرة الى الاستعمار كأن المغرب لم يطبق قوانين الاستعمار منذ الاستقلال نهائيا او لم يشجع الفرنسية لغة و ثقافة و قيما للتغريب في التعليم و في الاعلام نهائيا منذ سنة 1956 .
ان المنطق السليم سيقول ان الحركة الوطنية دافعت عن الشريعة في مظاهرات بدايات ثلاثينات القرن الماضي لكن بعد الاستقلال لم تطبق الشريعة الاسلامية كنظام شمولي كما يقال لنا عبر خطابنا الديني الرسمي بل طبقت القانون الوضعي المستورد من فرنسا الكافرة حسب راي السلفيين المغاربة.
انني اتساءل الان اين هي الشرعية التاريخية للحركة الوطنية على ارض الواقع حيث استيقظت العائلات الفاسية ذات يوم 16 ماي 1930 من اجل الادعاء الدفاع عن الاسلام و شريعته السماوية غير انها قامت بتمثيل اكبر مسرحية سياسية في المغرب المعاصر الا و هي مسرحية الظهير البربري كبداية فعلية لابادة الامازيغية سياسيا و دينيا الخ كأن اجدادنا الامازيغيين لم يحاربوا الاستعمار قط الا بعد ميلاد الحركة الوطنية المزعومة .
ان الخطاب الامازيغي ظل فعلا خطاب ذو بعد نخبوي لان ظروف نشاة الحركة الامازيغية كانت شديدة الحساسية و الصعوبة حيث يستحيل الحديث عن الامازيغية كثقافة و كلغة فقط في اطار نقاش عمومي او عبر وسائل الاعلام انذاك او عبر لقاءات جمعوية او سياسية الخ بمعنى ان ما قبل خطاب اجدير التاريخي كان أي تحرك امازيغي يقمع من طرف السلطة بشهادة بعض الفعاليات الامازيغية انفسهم مثل الاستاذة مريم الدمناتي في برنامج تلفزيوني علما ان الحركة الامازيغية انذاك لها مطالب ثقافية صرفة .
و من هنا انطلق في تقييم الخطاب الامازيغي طيلة 4 سنوات أي منذ انطلاقة حركة 20 فبراير المباركة حيث استحضر هنا جهود الحركة الامازيغية من اجل ترسيم لغتنا في دستور 2011 المعطل الى حدود الان كما هو معروف لان المغاربة الذين صوتوا في انتخابات 25 نونبر 2011 منحوا الثقة للحزب يرجع اصله الايديولوجي الى الاسلام المستورد من المشرق العربي و بالتالي فهذا الحزب لا يتوفر على اي انتماء لهذه الارض ابدا حيث اعترض اعتراضا شديدا على فكرة وردت في لقاء مجلة ادليس التاريخي مفادها ان الحركة الاسلامية الحالية لها امتداد تاريخي او ايديولوجي داخل المجتمع المغربي المسلم من طبيعة الحال الا ان هذه الفكرة هي غير صحيحة و غير دقيقة بالمرة بالنسبة لي باعتباري شرحت في كتابي الجديد ان الحركة الاسلامية ببلادنا لم تفعل أي شيء بالنسبة لمشروع تمزيغ الفكر الاسلامي منذ عقود من الزمان بسبب انها تنطلق دائما من المشرق و ايديولوجياته الرجعية مثل العروبة بمعنى علينا ان نكون عربا في اللغة و في الايديولوجية السياسية قصد الفوز بالجنة لان اهلها هناك يتكلمون بهذه اللغة غير اننا لم نسمع بان احد قد رجع من القبر ليخبرنا باية لغة كانوا يتحدثون بها في الجنة او في النار .
و تنطلق الحركة الاسلامية من السلفية الدينية بمعنى علينا الرجوع الى فقه الحلال و الحرام كما فهمه علماء السالف الصالح كما يسمى منذ 1000 سنة و بالتالي علينا ان نرفض مسايرة العصر و تحدياته الخ من هذا الخطاب العقلاني الذي نؤمن به كمسلمين علمانيين بمعنى ان الحركة الاسلامية لا يمكنها ان تساهم باي شيء في مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي بحكم جمودها الايديولوجي و انطلاقها الدائم من المشرق عوض انطلاقها من المغرب…
و اشرت كذلك في نفس السياق الى قول الاستاذ اخياط في كتابه الامازيغية هويتنا الوطنية حيث قال بالحرف ان المرحوم امحمد العثماني قام بدور كبير بسعيه الى مساعدتنا في اقناع بعض الشخصيات في جمعية علماء سوس للمشاركة في الدورة الاولى لجمعية الجامعة الصيفية باكادير سنة 1980 و جلسنا معهم في بيت المرحوم العثماني و جلسة اخرى في بيت الاستاذ حسن العبادي بدون ان نتوصل الى اية نتيجة معهم في موضوع ترجمة معاني القران الكريم الى لغتهم الام.
و ساتوقف عند كلام الاستاذ اخياط لبعض التحليل حيث ان رفض جمعية علماء سوس لفكرة ترجمة معاني القران الكريم الى الامازيغية في سنة 1980 يعبر عن مدى جمود هؤلاء العلماء السلفي الذي يمنعهم من مجرد التفكير بان الامازيغية لغة قائمة الذات تستطيع حمل معاني كلام الله او مجرد التفكير ان الامازيغية هي ثقافة اسلامية بالفعل لكن بطابعها المغربي العلماني حيث ان جمودهم السلفي يعتبر من النتائج الطبيعية لايديولوجية الظهير البربري على الوعي الديني الرسمي او الوعي الديني لدى جل مكونات الحركة الاسلامية بالمغرب ..
غير ان العامة تتعاطف مع حركات الاسلام السياسي في كل مكان انطلاقا من ايمانها السطحي ان هذه الحركات تدافع عن الاسلام المتواجد في كتب السلف الغير صالح حيث ان جزء كبير من المغاربة لا يدركون خطورة هذه الحركات بتفاوت درجات فكرها السلفي على قيم المغرب الاصيلة فالمغرب ليس بلد مشرقي مثل السعودية الخ بل هو بلد امازيغي خالص منذ الازل حيث تعايش مع جميع الديانات السماوية في سلام و وئام طيلة قرون من الزمان و اخترع نموذجه العلماني تحت ظلال حضارتنا الامازيغية الاسلامية بشهادة المخزن التقليدي نفسه سنة 1930 كما شرحته في كتابي الجديد مطولا ..
و من المؤكد ان الخطاب الامازيغي ظل لاربعة سنوات الاخيرة يحاول اقناع الاسلاميين بعدالة مطالبنا الراهنة من المنطلق ان الاسلاميين اصبحوا تيار مجتمعي لكن بدون أي امتداد تاريخي اصيل ان صح التعبير و استطاعوا كسب ثقة جزء صغير من المغاربة ..
غير ان الاسلاميين او بعضهم على الاقل رفضوا كل هذه المساعي الحميدة من طرف حركتنا الامازيغية للحوار الصريح و البعيد عن التكفير المحرم شرعا في أي سياق تاريخي او حضاري بحكم ان الاسلاميين ببلادنا مازالوا بعيدين بالاف من الكيلومترات عن ادراك مفاهيم الدولة الحديثة و المتمثلة في حرية الاعتقاد و حقوق الانسان و الفصل التام بين الدين و الدولة الخ من هذه المفاهيم الضرورية في مرحلتنا الحالية كبلد قد ضيع نصف قرن من الاستقلال بين الانتماء المشرقي و الانتماء الغربي دون اية نتائج ملموسة على واقعنا المغربي ككل .
ان الخطاب الامازيغي قد تفاعل مع تداعيات الربيع الديمقراطي بشكل ايجابي حيث حاول تقديم نفسه بصفته مدافعا عن خيارات المغرب الجوهرية في الحداثة و الديمقراطية لان الحركة الامازيغية اصلا هي حركة علمانية بالاساس تؤمن بكونية حقوق الانسان و تؤمن بحق الاختلاف داخل المجتمع الواحد حيث لم تدعو الى حظر أي حزب اسلامي على الاطلاق باستثناء دعوة الاستاذ ارحموش الى حل حزب العدالة و التنمية في سياق معروف لدى الجميع.
و لم تدعو قط الى قتل احدا من السلفيين بل دعت الى اسلوب حضاري من الحوار معهم على اساس مصلحة الوطن و مصلحة التقدم في نقاشنا العمومي حيث بدا الاستاذ عصيد ينظم لقاءاته القيمة مع الشيخ محمد الفيزازي منذ اوائل سنة 2012 الا ان هذه المحاولات لم تكتب لها النجاح و الاستمرارية بفعل ان الطرف الاسلامي يعتقد انه مالك الحقيقة المطلقة و الوحيدة في كل شيء حتى في مجال تاريخنا الوطني حيث من المؤكد ان الطرف الاسلامي مازال يرفض الخوض في بعض المسائل كمسالة شرعية الحركة الوطنية التاريخية حيث لازال يدافع بالقوة عن اكذوبة الظهير البربري باعتبارها حقيقة مطلقة لا يجوز مجرد الشك فيها بمعنى ان الاسلاميين استفادوا طيلة هذه العقود من غياب الامازيغية عن مجال الشرعية الوطنية ببعدها الثقافي و اللغوي للاشتغال على تقوية ايديولوجيتهم في المجتمع بمساعدة من الدولة بشكل غير مباشر عبر الخطاب الديني الرسمي الذي يتجاهل الامازيغية بكل ابعادها الى حد الساعة ….
ان الافاق المستقبلية بالنسبة للخطاب الامازيغي موجودة بالفعل لان المغرب الرسمي الان يتجه نحو المصالحة مع عمقه الافريقي حيث هذا يعد خيار ذكي على كل الاصعدة و المستويات بحكم ان اجدادنا الامازيغيين هم من حملوا الاسلام الى هذه الاصقاع الافريقية منذ الدولة المرابطية مما يعني ان المغرب له جذور عميقة في القارة الافريقية اكثر من المشرق العربي الذي فرض سيطرته الايديولوجية طيلة هذه العقود كاننا عرب بالفعل حيث علينا ان نتضامن مع إخواننا الفلسطينيين و العراقيين و السوريين الخ.
و نتجاهل اخواننا الامازيغيين الحقيقيين من الناحية الجغرافية و المذهبية في دول جنوب الصحراء الافريقية.
و بالتالي فالامازيغيين عليهم استغلال هذا المعطى الجديد للاظهار ان المغرب موجود في شمال افريقيا جغرافيا و تاريخيا و دينيا بمعنى انه لا يحتاج الى جلب مذاهب او افكار رجعية من المشرق.
و اختم هذا المقال المتواضع بالقول ان الخطاب الامازيغي عليه التفكير بشكل واقعي في انشاء احزاب بمرجعية امازيغية اسلامية حيث ان العامة ليس لديهم أي ادراك ان التيار الاسلامي الموجود ببلادنا حاليا هو دخيل من المشرق كما شرحته في كتابي الجديد بمعنى ان الخطاب الامازيغي ينتظره اوراش كبرى من قبل النضال من اجل تنزيل ترسيم الامازيغية و التنظير لاعادة تاهيل حقلنا الديني و النضال من اجل رفع الحظر على الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي او تاسيس حزب امازيغي اسلامي لان جل مكونات التيار الاسلامي مازالت ترويج بان الحركة الامازيغية تعتبر حركة علمانية بمفهومها الغربي لا علاقة باسلام المغرب بالمرة لكن الواقع يكذب هذه السخافات بالمرة حيث اتكرر تشجيعي لمبادرة صديقي الاستاذ الخنبوبي النادرة من نوعها …