لا تقتلوا “أمودّو”… ! لأنه تجربة تتجاوز المتخيل…
“أمودو” لمن لا يعرف هذه الكلمة، كلمة أمازيغية تعني السفر.
و”أمودو” اسم برنامج تلفزي لا شك أن العديد منا صادف حلقة منه على شاشة القناة الأولى يوما ما ثم لم يعد يراه أو بالأحرى لم يعد يرى إلا إعادات من حلقات سابقة.
إنه برنامج اكتشافات من نوع خاص فعلا.
لكن، قبل أن نبحث عن سبب توقفه لنلق نظرة عن مساره منذ انطلاقته قبل أكثر من عشر سنوات.
منذ أكثر من عقد من الزمن ظهر برنامج “أمودو” بهدوء وتؤدة على حلقات متلفزة سبر خلالها أغوار الكهوف والمغارات وحلق فوق ربوع المغرب وخارجه، ونجح في تحقيق إنجاز أكثر من 140 حلقة تجمع بين المتعة والمعرفة والاكتشاف.
في البداية كان المشروع حلما راود أفراد جمعية الاستغوار بأكادير، كان ذلك بداية الألفية الثانية، وسرعان ما أخذ الحلم يخطو خطواته الأولى بإنجاز حلقات خصصت لقرية “تاگموت” من قرى الجنوب المغربي العريقة، وكان أول تتويج متمثلا في حصول القناة الأولى المغربية على الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزة٠
قام البرنامج بتقسيم حلقاته الى مواسم تسعة، اختلفت وتنوعت مواضيعها حسب تنوع مناطق الزيارة٠ استغور البرنامج أغلب مغارات المغرب المثيرة، بل وساهم في اكتشاف بعض اللقى التي أغنت الخزانة الأثرية المغربية، مثل اكتشاف فك دب المغارات بمنطقة شفشاون بالشمال المغربي، وجمجمة الفهد المغربي بنواحي مدينة الأخصاص بالجنوب، وبعض الأواني الفخارية التي تعود الى العصر الحجري بنواحي آسفي٠
كما أصبح “أمودو” يقدم معطيات ذات مصداقية للمهتمين بالتاريخ أو بالجغرافيا، فمثلا و لإزالة الشكوك التي تحوم حول مدينة تيغالين المفقودة وسط مياه المحيط الأطلسي والتي يظن سكان قرية البدوزة ان أطلالها موجودة قبالة ساحلهم، قام فريق البرنامج المتخصص في الغطس بسبر أغوار البحر بهذه المنطقة، وأثبت أن ما يُرى ما هو إلا صخور مرجانية تعطي انطباعا خلال حركات المد والجزر بأن الأمر يتعلق بمدينة مغمورة تحت المياه٠
وكانت الصحراء المغربية حاضرة بقوة في أغلب حلقات البرنامج، لعذرية المكان من جهة، ولأن القليلين يستطيعون تحمل تضاريس المنطقة القاسية والمناخ الحار٠ إضافة إلى أن بعض المناطق في تخوم الصحراء، لا تزال ملغومة بفعل مخلفات التوتر المفروض على المغرب في المناطق الصحراوية المتاخمة للجزائر . غير أن البرنامج استطاع تجاوز كل ذلك بنجاح وأنجز حلقات مميزة تم تصوير معظم مواضيعها لأول مرة٠
وكما كان للإنسان نصيب كبير داخل البرنامج، اختار الفريق القائم عليه، وعلى رأسه شاعر لغة الكاميرا الحسين فوزي، أن يخصص الموسم السابع وبعضا من الموسم الثامن للحياة البرية المغربية، وكانت هذه التجربة بالنسبة لطاقم البرنامج تجربة تتجاوز المتخيل في صعوبتها، إذ تطلب الأمر في بعض الأحيان سنة كاملة لإنجاز حلقة حول عقاب الصراري الذي يعتبر من الجوارح التي تعيش بالجنوب المغربي. فقد تم تصوير العقابين من قبل بناء العش وحتى فقس البيضة، وساهم في اكتشاف الذئب الأفريقي الذي انكر العلماء سابقا وجوده بإفريقيا، وذلك بتصويره في مشاهد حية تصور لأول مرة. هذا إضافة الى العديد من الحيوانات التي بدأ شبح الانقراض يهددها.
بمرور عقد من الزمن، عزز البرنامج خزانته بإنجاز حلقات خارج البلاد، فاختار أيسلندا في عز انفجار بركانها الشهير الذي ساهم في إغلاق الملاحة الجوية٠ فكانت حلقات توثيقية عن بلد يستمر فيه الليل ستة اشهر ثم تأتيه الشمس في منتصف الليل لتضيء أراضيه الجليدية الشاسعة.
دام عمر البرنامج أكثر من اثني عشر سنة٠ الى أن قررت التلفزة المغربية العمل بنظام طلبات العروض الذي يفرضه دفتر التحملات الجديد.
لا يتعلق الأمر هنا بالترفع عن اتباع مسطرة ملزمة للجميع. لكن الأمر يتعلق بالمعايير التقنية حصريا والضيقة الأفق بالنسبة لبرنامج من هذا النوع، المعايير المفروضة والعاجزة عن استيعاب أهمية برنامج كأمودو على أكثر من مستوى: الجغرافي والتعليمي والحضاري، القادر حقا على تقديم وجه مشرف للبرامج التلفزيونية الاستكشافية بالمغرب.
الفن لا يسير بالمقاييس المادية الصرفة حصرا والمعايير المقيَّدةُ بثمن الكلفة المفروض سينعكس سلبا على جودة المنتوج لا محالة، إذ كيف لأي برنامج ناجح من هذا النوع المتفرد مغربيا أن يستمر وهو يعلم مسبقا أن معيار أدنى الأثمان هو ما سيقرر في مصيره؟
*عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري سابقا