تحديد الملك الغابوي .. القنبلة الموقوتة
في الوقت الذي ننتظر فيه من حكومة بنكيران الاهتمام بتنزيل المقتضيات الدستورية لدستور 2011 و من ضمنها اعتماد المقاربة التشاركية و التنمية المستدامة في كل برامجها التنموية، نلاحظ بعد خمس سنوات اضعف إنتاج تشريعي من طرف هذه الحكومة:
– قانون “الساحل”: صدر خلال سنة 2015 و ما زال ينتظر النصوص التطبيقية التي لن ترى النور في القريب العاجل،
– قانون “المقالع”: صدر خلال سنة 2015 و ما زال ينتظر النصوص التطبيقية التي لن ترى النور في القريب العاجل،
– مشروع قانون الجبال الذي بقي في رفوف الحكومة منذ 2003 و ما زال لم ير النور، الخ….
سأكتفي في هذا المقال بمجال التنمية المستدامة في الأوساط الهشة، و سأطرح السؤال على حصيلة حكومتنا الموقرة في هذا المجال؟ كنا ننتظر منذ 2011 (بعد الدستور الجديد و الحكومة الجديدة ذات صلاحيات واسعة) إصدار “قانون الجبال” باعتبارها أوساطا هشة تحتاج إلى مقاربة بيئية دقيقة للحفاظ على التوازنات الطبيعية و لضمان استقرار الساكنة المحلية و التي تضررت كثيرا بفعل توالي سنوات الجفاف و تدهور الموارد الطبيعية بشكل كبير.
لكن ما يحز في النفس هو اتجاه هذه الحكومة في تمرير التحفيظ العقاري للمجال الغابوي بغابات أركان…؟ فكيف نستسيغ قساوة اختيارات هذه الحكومة التي تعتبر أكثر قساوة من الظروف الطبيعية و التغيرات المناخية؟ لماذا اختارت هذه الحكومة الاستمرار في نهج السياسات القطاعية بمجال محمية أركان للمحيط الحيوي في الوقت الذي اعترفت فيه اليونسكو بهذه المحمية كمحمية للمجال الحيوي للأركان منذ 1998 و تم تجديد هذا الاعتراف سنة 2008 و الآن نحن على مشارف 2018 حيث المغرب مطالب بتقديم نتائج تدبيره لهذه المحمية التي تعتبر تراثا عالميا. لقد اقترحت منظمة اليونسكو عن طريق (MaB) أن يتم تدبير هذه المحمية من خلال مخطط إطار plan cadre …
لكن لحد الآن لم ينجز أي شيء من هذا القبيل. فكيف سنبرر غدا أن التنمية المستدامة تتم خارج رضى الساكتة المحلية؟ الم يكن أجدى تعميق النقاش بين المتدخلين المحليين لإيجاد حلول مستدامة تضمن استقرار الساكنة المحلية في أعالي الجبال و التي عانت الأمرين بخصوص الجفاف الطبيعي و جفاء المسؤولين على تدبير شؤونهم. إن التنمية المستدامة ليست فقط شعارا بل اختيارا سياسيا ينبني على مقاربة شمولية مندمجة….
و ما دامت حكومتنا تستمر في سياسات الترقيع أرى أن حل مشكل تحفيظ الأملاك الغابوية سيستمر إن لم تتوحد جهود المجتمع المدني و تقوية آليات التنسيق لمواصلة النضال بأشكال جديدة و الترافع بشكل علمي معتمدين على ملفات قانونية و اجتهادات فقهاء القانون و علم الاجتماع و الخبراء التقنيين.
و في هذا الإطار نظمنا منذ 2011 يومان دراسيان حول التحفيظ الغابوي و الرعي الجائر و أصدرنا مجموعة من التوصيات، من ضمنها إصدار قوانين تنضم الرعي و الترحال، و ما زال هذا القانون في الرفوف و لم يتم إصداره بعد. أما بخصوص الأملاك الغابوية فما زالت الدولة لم تقبل بذلك رغم أننا في شبكة جمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي طالبنا في المؤتمر الدولي للأركان لسنة 2013 إدراج توصية حول مراجعة القوانين المرتبطة بتجديد الملك الغابوي إلا أنها قوبلت بالرفض.
اليوم و نحن على بعد اقل من 3 سنوات عن سنة 2018، اطرح سؤالا عريضا على مختلف المسؤولين محليا و وطنيا: هل يمكن تحقيق التنمية المستدامة بمجال محمية الأركان في ضل التوترات التي تعيشها الساكنة المحلية مع مصالح الدولة الوصية؟ لماذا لم تباشر الدولة تفعيل مخطط الإطار لتدبير مجال المحيط الحيوي لمحمية أركان؟ ألن نجد صعوبات كبيرة لإقناع المنتظم الدولي بإعادة الاعتراف بهذه المحمية لعشر سنوات أخرى؟ أسئلة حارقة تؤرقنا و لابد لنا أن نطرحها من اجل تدارك الأمور و الحفاظ على هذا الموروث العالمي و تثمينه من اجل العيش الكريم لساكنة الجبال التي عانت من الهجرة و الجفاف و قساوة الطبيعة و جفاء السياسات المتعاقبة.
*رئيس الجمعية الإقليمية لحماية محيط أركان بتيزنيت