أخبار جهويةربورطاجات

قلعة مكونة .. جوهرة سياحية نال منهَـا الفقر والتهميش

قلعة مكونة جوهرة سياحية عذراء، يخترقُها وادٍ يجري ماؤه على مدار أيّام السنة وشهورها، وتحفّها مُروجٌ خضراء، وفدادينُ ورْدٍ لا نظيرَ لها في العالم إلا في بلدان معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وبها قصباتٌ قديمة على شكْل فنادق عتيقة يأوي إليها السيّاح.. وتُضفي طيبوبة السكّان على “قلعة الورود” سحرا خاصّا…

أزبال وسط المدينة

لكنْ، خلفَ الطبيعة الساحرة للقلعة ثمّة مشاهدُ تهميشٍ لا تُخطئها عيْن الزائر بمجرّد انعطافه من شارع محمد الخامس، وهو الشارع الرئيسي للمدينة الصغيرة، والخوْضِ في الحارات والأزقة الهامشية، المفتقرة إلى البنية التحتية..أمّا بعض الفضاءات فباتتْ أشبه بمطارح أزبال تعجّ بشتى أنواع النفايات.

من هذه الأماكن فضاء يُسمّى “حديقة الزياني”، وهو عبارة عن مساحة وسط المدينة يُحيطُ بها سور طيني، وبها بعض الأشجار، وما يشبهُ غرفا خَرِبة يقصدها الناس لقضاء حاجاتهم الطبيعيّة، وتفوح منها روائح نتنة، أمّا أرضيتها فمكسوّة عن آخرها بأكوام من الأزبال، يظهرُ أنّها عمّرتْ هناك مدّة زمنيّة طويلة.

على مَبْعدة بضع عشرات أمتار من هذا الفضاء “العفن”، ثمّة حديقة شُيّدت منذُ حوالي ستّ سنوات، وسط مركز قلعة مكونة. ومن خلف السياج تبدو الحديقة جميلة، لكنّ الدخول إليها مازال “مُحرّما” على السكّان، دونَ أن يعرفَ أحدٌ سبب ذلك، رُغْمَ أنّ أشغال إنجازها تمّتْ منذ سنوات.

جوارَ سور الحديقة ثمّة حاوية قُمامة، وإلى جانبها على الرصيف كومة من الأزبال لمْ تمْسسها أيادي عمّال النظافة، رُغم أنّ الوقت كانَ عصرا، ومدينة قلعة مْكونة كانت –حين زيارتنا لها- تحتضنُ فعّاليات مهرجان الورود، الذي يجلبُ السياحَ من داخل المغرب وخارجه.

يقول محمد أيت شطو، وهو فاعل جمعوي، إنَّ قلعة مكونة لا تعاني فقط من وجود نقاط سوداء تعجّ بالأزبال، بلْ إنّ هذه النقاط السوداء تفرز حشرات مضرّة، مشيرا إلى أنّ عددا من حالات الإصابة بمرض الليشمانيا ظهرت في المدينة، بسبب مطرح النفايات البلدي الذي لا يتوفر على تجهيزات تحُول دونَ تضرُّر السكان منه.

مواطنون آخرون من مدينة قلعة السراغنة قالوا في تصريحات لهسبريس إنّ مدينتهم تعيش تحتَ وقْع التهميش، لكنَّ رئيس المجلس البلدي لقلعة السراغنة، المدني أوملوك، نفى ذلك، وذهبَ إلى وصْف منتقديه، في اتصال مع هسبريس، بـ”الناس الحْمقين اللي ما عندهم عْقل”، مضيفا: “خاصّ هادو اللي كايقولو هاد الهضرة يْقارنوا بين ماضي القلعة وحاضرها”.

وبلغة واثقة دافعَ أوملوك عن حصيلته كرئيس للمجلس البلدي، بالقول: “قلعة السراغنة هي المركز الوحيد الذي يتوفّر على بنية تحتيّة لا تتوفّر في أيّ مكان آخر في الإقليم”، مضيفا: “حْنا غير آلة سْخّرها الله باش تخدم هاد المدينة، التي تتوفر على بنية عالية جدا جدا؛ ويلا شفْتي، راه مقر المجلس البلدي كان مزبلة مْلي جيت أنا، وهو دبا كايشرّف المدينة”.

أمّا الفاعل الجمعوي محمد شطو فيَرى أنَّ مقارنة مدينة قلعة السراغنة بباقي المدن المغربية “كايْخلّيك تقتانع أنَّ القلعة لا علاقة لها بمسار التنمية الذي تعرفه باقي المدن”؛ وفيما قال أوملوك إنّ “الإنجازات” التي تحققت في عهده تمّت بفضل تضافر جهود الجميع، قال شطو إنّ المجلس البلدي لقلعة مكونة لا يُشرك المجتمع المدني في اتخاذ القرار، مضيفا: “المنتخبون هم الطامة الكبرى في قلعة مكونة”.

سياحة مهمشة

قلعة مكونة، ورغم كوْنها تصنّف مدينةً، إلا أنّها أقربُ ما تكون إلى بلدة، إذ إنَّ أغلبَ أزقّتها –حسب ما عاينّا- تفتقر إلى التبليط، خاصّة في الأحياء الهامشية.

“الطرق في مدينة قلعة مكونة هشة، باستثناء شارع محمد الخامس، أمّا في باقي الأحياء، مثل حي السلام، وحي الانبعاث، وحي المسجد والنهضة، فإنّ حالة الشوارع يرثى لها”، يقول محمد أيت شطو.

ورغم كون قلعة مكونة تشكّل قِبْلة مفضلة للسياح الباحثين عن الهدوء والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، إلا أنَّها تفتقر إلى البنية التحتية التي يُمكن أن تكون رافعة لازدهار السياحة، فللوصول إلى بعْض الفنادق الصغيرة “القصبات كما تُسمى محليا”، التي تُطلّ على وادي امْكون، يلزمُ المرورُ عبر طريقٍ ضيّقة يستحيل أن تمر منها سيّارتان قادمتان من اتجاهين معاكسين دون خروج إحداهما إلى حافتها.

وجوابا على سؤال بهذا الخصوص، قالَ رئيسُ المجلس البلدي لقلعة مكونة إنّ هناك مشروعا لتوسيع الطريق المدارية، مشيرا إلى أنَّها تُحيط بها حقولٌ يجب الوصول إلى تسوية مع أصحابها قبل الشروع في توسيعها؛ “لكنّ المهمّ هو أننا غادي نوسّعوها، وغادي يْدوزو فيها ثلاثة دْ الطوموبيلات ماشي غي جوج”، على حدّ تعبيره.

وإلى جانبِ ضيْق الطريق، تبْدو قصبة “تِغْرْمت نْ ميرن”، وهي إحدى المعالم التاريخية بقلعة مكونة، وكانتْ آهلة بالسكّان، وشيكة الانقراض، إذْ لمْ يتبقّ منها سوى أطلال متداعية؛ وقدْ هَجرها آخرُ مواطن كان يقطنُ بها قبل ثلاث سنوات من الآن.

ويعودُ سبب هجْرة قاطني القصبة –حسب ما أفادَ به مسيّر إحدى الوحدات السياسية- المُطلّة عليها، إلى عدم ربطها بالطريق.

وفيما قالَ المدني أوملوك إنّ هناك برنامجا لترميم القصبات التاريخية في قلعة مكونة وتنغير ستشرف عليه منظمة “اليونسكو”، قال مسؤول بإحدى الوحدات السياحية إنَّ الفاعلين في الميدان السياحي بقلعة مكونة قدّموا برنامجا لتمويل مشاريع لتربية النحل لفائدة سكّان قصبة “تغرمْت” المهجورة، لإعادة الحياة إليها.. “ولكنْ ما كايْنش اللي يْسمع ليك”، يقول المتحدث.

وأضاف المتحدث ذاته أنَّ القصبة، وإنْ كانَ أهلها هجروها منذ سنوات، وتوجدُ نزاعات بيْن الورثة، إلا أنَّ خلْق مشاريع مدرّة للدخل، مثل تربية النحل، سيدفعُ مُلّاك ما تبقّى من بيوت القصبة إلى الاعتناء بها، ومن ثمّ تصيرُ وجهة جالبة للسيّاح، بدَل ترْكها تسقط جُزءًا تلو جزء إلى أن تندثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: