أراء وحوارات

بيكركار: الإهمال يلاحق فنانين أمازيغ .. والجمهور يعرفني بـ”بُوتْفُونَاسْتْ”

تفتح هسبريس هذه الزّاوية خلال شهر رمضان لمجموعة من الفنانين الأمازيغ، خاصة الممثلون الذين أفنوا أعمارهم في التمثيل، ليتحدثوا عن تجربتهم الإنسانية، بداياتهم، طفولتهم، وقصة ولوجهم إلى المجال الفني. فنانون يعرفهم الصغير والكبير، من خلال أعمالهم التي اشتهروا بها منذ ما يزيد عن عقدين، بعضهم لازال يتسلق جبلَ النجاح، وبعضهم “اعتزل” وطرق أبواب الضيعات والمعامل، بحثا عن لقمة العيش، وآخرون يعانون في صمت دون أن يجدوا أذنا صاغية، بعد أن تنكر لهم الجميع، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في إمتاع الجُمهور وإضحاكه.. يتحدثون بكل عفوية، ولا نغير شيئا من كلامهم سوى ترجمته من الأمازيغية إلى العربية.

فاطمة بيكركار (من مواليد 1953 بمنطقة سميمو)

ولجت عالم الفن سنة 1993، بعد وفاة والداي وطلاقي؛ وليس أمام أمازيغية لا معيل لها سوى أن تبحث عن عمل شريف، يضمن لها البقاء ويقيها شر الذل واستجداء المارة. اشتغلت في الضيعات والمعامل، وتنقلت هنا وهناك، راضية بالواقع الجديد الذي فُرِض عليّ، ومؤمنة بأن غدا جميلا سيأتي.

أذكر أنني كنت أقتسم السّكن مع “رَايسَة”، وذات يوم طلب مني “الرايس” العربي أثنان، الذي كانت صديقتي تشتغل معه، أن أغني رفقته أغنية على شكل “تَنظّامْتْ”. وأتذكر أن تلك الأغنية كانت عبارة عن حوار بين رجل وامرأة. فعلت ذلك في سبيل التجربة ليس إلا، لكن صوتي أعجبه، وأعجب الناس، فنجحت الأغنية.

بعد سنتين، كان المخرج محمد أباعمران يبحث عن ممثلة لدور في الجزء الثاني من فيلم “بُوتفوناست”، فاقترحني عليه “الرايس” العربي أثنان، وأوصاه بي خيرا..كان ذلك أول دور لي في التمثيل. وجد معي صعوبة كبيرة طوال ثلاثة أيام..قد لا تُصدقون إذا قلت إنني شاركت في الفيلم دون أن أفهم قصته. أفعل ما يأمرونني بفعله وأردد الحوارات دون وعي. بعد الانتهاء وانتشار الفيلم، الذي شاهده المغاربة على جهاز “الفيديو” المنتشر ذلك الوقت، كلما التقيت شخصا إلا ويسلم علي بحرارة، ويدعوني أن ألج بيته ويعرفني على أسرته.. تساءلت للوهلة الأولى لماذا يحترمونني ويقدّرونني هكذا؟ فلم أفهم حتى حدثوني عن فيلم “بوتفوناست” الذي نالت قصته إعجابهم.

التعويض

لم أكن أتفاوض عن التعويض الذي علي أن آخذه نظير كل دور أقوم به، كنت أمثل فقط، وأتقاضى ما يرون أنه مناسب، ولم أكن أحتَجْ ولا أشتكي، مثل أغلبية الفنانين الأمازيغ الذين يسمحون في حقهم أحيانا تفاديا للكثير من الكلام.

سنة 1998 اشتغلت في فيلم من شهر يوليوز إلى منتصف شتنبر، ولأول مرة سمعت الفنان لحسن بُوفرتل يتحدث مع المخرج والمنتج عن حقوقه ويفاوضهما عن التعويض الذي يجب أن يناله، ففكرت أن أقوم بالأمر نفسه ولم أستَطع..كلما حاولت أن أفتح فمي مثل بوفرتل إلا وأتردد، ثم قررت أن أصمت..مثلتُ الدور المطلوب مني، لكنني مع ذلك أخذت مقابلا لم أكن أنتظره، وكنت سعيدة بذلك كثيرا.

مع بداية 2002 تكاثرت شركات الإنتاج، فاشتغلت مع منتجين ومخرجين كثر، من أمثال مسعود اليازيدي، وعزيز أوالسايح، ونبيل عيوش الذي مثلت معه في 16 فيلما.

التكريم

خلال 21 سنة من ممارستي للتمثيل، لم يتم تكريمي ولو مرة واحدة، وقبل شهور تعرّضت لكسر فلزمت بيتي لـ4 أشهر، ولم يسأل عني أحد. وأشعر بـ”الحڭرة” عندما أرى فنانين مغاربة من الذين يمثلون بالعربية يتآزرون في ما بينهم، ويسألون عن بعضهم، ويتم الحديث عن معاناتهم ومرضهم في وسائل الإعلام، ويُكَرّمون، أما الفنانون الأمازيغ فلا يسألون عن بعضهم ولا يسأل عنهم أحد، وكأن ما يقومون به بدون أي قيمة..

عزائي الوحيد هو الجمهور، ومحبة الناس هي كل ما ربحته من ممارستي للتمثيل، لم يسبق لي أن زرت بلدة ولم أجد من يضحك في وجهي. الناس هم كل رأس مالي، وأشعر بأنني لو وقعت في ورطة في بلاد ما سأجد من يقف معي. وهذا ما جعلني أبتعد عن فكرة اعتزال الفن والتمثيل.

الندم

لم أندم أبدا لأني ولجت هذا الميدان، لكنني ندمت على أدائي لدور في فيلم “أمغار”، فلما شاهدت العمل شعرت بأن تلك الشّخصية التي مثلتها لا تلائمني، حتى وإن أُعجب الجمهور بالفيلم.

الجمهور الأمازيغي لا يرحم، كنت واعية بهذه المسألة، لذلك لا أمثل كل ما يُعرض عليّ..عندما اشتغلت مع المخرج نبيل عيوش طُلِب مني أداء لقطة أمسك فيها سيجارة وأدخن، لكنني رفضت.. لم أرد أن يسيء بي الجمهور الأمازيغي المحافظ الظن، لذلك طلبت أن تُحذف اللقطة فتم تغييرها. المشاهدون يشاهدون أفلامنا بشكل عائلي، رفقة أبنائهم الصغار وزوجاتهم وآبائهم، ويجب أن نكون في مستوى تطلعاتهم، وألا نسبب لهم ولأنفسنا أي إحراج.

قبّح الله الفقر

أسوأ شيء هو أن تكون فنانا أمازيغيا ولا تملك دخلا آخر سوى فنك، وتنتظر منه أن يطمعك خبزا..هناك أشخاص كثر أفنوا أعمارهم في التمثيل ولا يملكون أي شيء، ولم يكرمهم أحد، وإذا مرضوا لن يجدوا حتى من يزورهم ويسأل عنهم.

امبارك العطّاش مثلا، ممثل موهوب، يحبه الأطفال والكبار، وهو شهير جدا، لكن عائداته الفنية لم تُخول له حتى كراء منزل بأكادير للإقامة فيه بحثا عن فرص فنية أخرى، فغادر نحو “تمازيرت” في انتظار مخرج يدعوه لتمثيل دور.

ماذا سينفق فنان لا عمل له سوى التمثيل؟ وكيف سيفاوض على أجر جيد، وهناك من يقبل بأقل تعويض؟ بل هناك من هو مستعد أن يؤدي أدوارا بشكل مجاني فقط من أجل الشهرة والظهور في التلفاز.

رسالة إلى المسؤولين

إننا كفنانين أمازيغ نحتاج بعض العناية والاهتمام، مثلنا مثل إخواننا الذين يمثلون أفلاما باللغة الدارجة العربية، ويجب أن تُعرضَ أفلامنا على شاشة التلفاز بدل الأفلام المدبلجة؛ وهناك الآلاف من الأفلام الأمازيغية التي صورت بشكل احترافي وتستحق أن تعرض.

إن أهم معضلة تواجهنا، إلى جانب التجاهل الذي نعانيه من قِبَل المسؤولين ومن مُنظمي المهرجانات الوَطنية، هي القرصنة التي تتعرض لها الأفلام التي يعيش منها مجموعة من الفنانين؛ فالقراصنة يعرضونها للبيع بثمن زهيد، ويقتسمون مع المنتجين والفنانين أرباح أعمالهم دون وجه حق، دون أن يقتسموا معهم الخسارة، والفقراء يفضلون الرخيص على الأصلي مرتفع الثمن.

لا أدري لماذا نجد صعوبات كثيرة في الحصول على بطاقة الفنان، فأنا قدمت ملفي منذ سنة 2007، وزرت المكتب وسألت عن الأمر، فأخبروني بأن الملفات ضاعت، وبأن علي إعادة تقديم الملف، فقدمته من جديد ولا شيء تغير، غير الكلام المعسول في المناسبات المهمة دون جدوى.

لا أملك شيئا سوى الجمهور الأمازيغي الذي أُحبه، وأعتبر محبته وابتسامته في وجهي أعظم تكريم لي، وهو ما يعطني القوة لأواصل.

وطبعا سأُواصل..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: