أراء وحواراتأعمدة

عندما يكون مسؤول ما.. جبانا

الحقيقة تهت في أن أختار جملة من جمل الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لتركيز الحديث عنها في هذه الإفتتاحية , وهذا التيه جاء نتيجة أهمية الخطاب ككل و مدى دقّة كلماته التي اخترقت الواقع وفصّلته تفصيلا..بعد جهد جهيد وضعت أصبعي على جملة واردة في الخطاب,رأيتها مربط الفرس للإتجاه الصحيح,حيث قال جلالة الملك انه على كل مسؤول أن يتخذ قراراته وفق ما يقتضيه القانون ويمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد,وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة “يمنعونني من القيام بعملي”فالأجدر به أن يقدم استقالته التي لا يمنعه منها أحد…

هذه الجملة تحمل بين طيّاتها الكثير من الإختلالات التي جعلت الإدارة العمومية مجرد بنايات إسمنتية جوفاء,لأن روحها المتمثلة في جحافل الموظفين القابعين فيها  مقتولة “بهوان وذلّ” الكثير منهم و الحديث هنا نتجاوز به دلك الموظف البسيط الذي يستسلم لعشرة دراهم أو عشرين أو خمسين درهما…دون استثناءه من رفع “كفى” في وجهه,الأخطر و أظن ذلك ما يقصده الملك في خطابه هو أن تجد مسؤولا مهمّا بيده مصير زمرة من المغاربة إن كان الأمر محليا,أو كل المغاربة إن كان الأمر وطنيا و لا يستطيع أن يأخذ قرارا دون موافقة “أسياده” رغم أن هناك ترسانة قانونية تحميه في اتخاذ القرار,فنفهم من هذا أن هناك سياسة تحكم ينهجها البعض خارج العمل المؤسساتي, ما يعني أن قرارات مهمة تتخذ في هذه البلاد وفق أهواء بعض “الأسياد” وبالتالي نكون في دولة الأشخاص و ليس المؤسسات و هذا يتولد عنه التهميش و الإقصاء و الظلم وضياع الحقوق و الأخطر ضياع الدولة التي بضياعها يضيع الوطن.

قد يطرح أحد ما سؤالا من هؤلاء “المتحكمون” الجواب بسيط  :هناك ثلاث مجموعات..مجموعة السياسيين,ومجموعة الإقتصاديين,ومجموعة  الموظفين, أحيانا تتشابك المصالح بين بعض أفراد المجموعات فتصبح حماية المصالح فوق القانون و المؤسسات, فمنهم من يريد أن يحمي ماله, ومنهم من يريد أن يحمي منصبه, و منهم من يريد أن يحمي نفوذه السياسي..و لحماية كل هذا “خاص التلفون إدور”و بالتالي من يتلقى “التلفون” عليه الإمتثال حتى لا يغضب “السيد” وتبّا للقانون..

يحكى في ما يحكى,أن رجلا برتبة محترمة في هرم السلطة ومنضبط ومسؤول في عمله أراد أن يصدّ رجلا جمع بين المال و السياسة, يريد أن يعتي فسادا في منطقة رجل السلطة,الأخير التزم بالقانون وعمل بمنطق “المؤسسة” فتلقى هاتفا يقول له سيتم تنقيلك إلى منطقة كذا,و كادت “كذا” أن تصيبه بالجنون…

لقد كان الملك أكثر من صائب عندما تحدث عن “لا جبن في ممارسة الصلاحيات وفق القانون, لأن المسؤول الجبان يفرغ المؤسسة من محتواها..

دمتم في رعاية الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: