أخبار وطنيةربورطاجاتفي الواجهة

عمال “الموقف” ..”عطّاشة” بين مطرقة الفقر وسندان الحرمان

بأجساد نحيفة التحفت ملابس رثَّة بلون التراب، وأيادٍ خشنة بأظافر قاتمة تشبه مخالب النسر وراحات مشققة بفعل الأعمال الشاقة…يقفون في طوابير طويلة دون ملل أو كلل، في انتظار طلبات المارة والراغبين في الاستفادة من خدماتهم؛ ربما هم أول من يستيقظ من النوم مكرهين، إنهم عمال “الموقف” أو “العطاشة”، مهنة قائمة بذاتها بالمغرب، يقوم مُمتَهنوها بتسخير سواعدهم وقواهم الجسمانية بحثا عن لقمة العيش وكِسرة خبز حاف.

مخبرة وسط العمال

على طول شارع محمد الخامس بمدينة وزان، يصطف العشرات من “العطاشة” في طوابير طويلة، وغالبيتهم من عمال البناء..هم من مختلف الأعمار، وجلهم شباب.

ذات يوم أربعاء انتقلت هسبريس إلى شارع “شوفوني” بمدينة دار الضمانة قبالة معلمة “المكانة” التي توقفت عقاربها عن اللف والدوران، وتوقفت معها عجلة التنمية بالمدينة الجبلية.

لم يكن إقناع عمال “الموقف” بإجراء ريبورتاج عن معاناتهم اليومية بالأمر السهل، فالخوف و”قلة الشي” كمما أفواههم. تطلب الأمر الاستعانة بوسيط لتسهيل عملية التفاوض، وما إن رأى “العطاشة” الكاميرا حتى تجمهروا في حلقة إلا واحدة انسلت في غفلة من الكل لإجراء اتصال هاتفي مستعجل مع من بدا أنه من السلطة المحلية.

دقائق بعد ذلك تلقى مرافق هسبريس اتصالا هاتفيا من أحد أعوان السلطة لمعرفة الداعي من التواجد هناك، وما يجري؛ وهو الاتصال الذي زاد من صعوبة مهمتنا..لكن الخوف المطبق شكل دافعا لإكمال الريبورتاج.

يعيش عمال “الموقف” معاناة اجتماعية ومادية عميقة بسبب قلة المداخيل ومحدودية الآفاق، لهذا غالبا ما يلجؤون إلى الانزواء في ركن من الشارع والدردشة لنسيان واقعهم المؤلم، لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم.

هم شباب فقراء ينحدرون من الهامش المَنسي وينتسبون إلى الطبقة الاجتماعية الهشة؛ لكلّ واحد منهم حكاية لا خواتم لها، لكنَّ توحدهم يكمن في الأسبابَ التي دفعتهم إلى الاشتغال في مهنة كهذه، مُوحّدة جميعها تحت عنوان واحد: الفاقة.

يستيقظ محمد، الشاب الوحيد الذي استجاب لدعوة هسبريس بعدما أبدى رفضا للحديث لأسباب شخصية على حد قوله، هو وزملاؤه في الحرفة في الساعات الأولى من الصباح.. تختلف أعمارهم ويوحّدهم الفقر والعمل، ويتجرعون مرارةَ حياة قاسية في ظل متطلبات وضروريات الحياة والعيش الكريم.

مشاكل عديدة

لا يحتاج المرء إلى الإنصات إليهم أو السؤال عن مسببات وضعهم الاجتماعي المعدم، فمظاهرهم تفصح عن كل شيء ولباسهم “البالي” يختزل الكثير. بجسدِ نحيل وملامح بائسة يقضي محمد ساعات طويلة بـ”سور المعكازين” بوزان، في محاولة لتوفير مبلغ بسيط من المال يقيه ذل السؤال.

يبدأ محمد العمل منذ الساعات الأولى من الصباح البحث عما يسد رمقه ورمق 3 أبناء وزوجته.. ساعات طويلة ومُضنِية من الانتظار غالبا ما تقابلها خيبة أمل؛ فكثيرة هي المرات التي عاد فيها “العطاش” الشاب بخفي حنين، وهو الذي يُفضل أن يشتغل في مهن أخرى وتعلمها على أن يلجأ إلى السرقة أو يقع فريسة للبطالة.

أجور زهيدة

“الحركة ميتة”، يقول محدثنا مستحضرا المصاريف التي كثيرا ما يتعسر عليه أداؤها، خاصة تلك المتعلقة بالكراء، ويزيد: “والله ما كلقى باش نخلص الكرا بلا مانهضرو على مصاريف أكل وتربية 3 ديال النفوس (يقصد الأطفال الصغار)”.

وأرجع الشاب الذي غادر المدرسة في سن مبكرة سبب ركود قطاع البناء بالمدينة إلى تعثر إخراج تصميم التهيئة لدرا الضمانة. يعم الصمت، ويضيف المتحدث بحسرة كبيرة: “حتى في أحسن الحالات فإن المقابل لا يتعدى 80 إلى 90 درهما في اليوم”، قبل أن يزيد: “لا بديل لدي، الأهم أنها مهنة شريفة”.

استمرار هذه الفئة في أداء عملها بطريقة غير مهيكلة ليس أمراً محتوماً؛ ذلك أنه بات من اللازم على الدولة إدماج هؤلاء الأشخاص في المشاريع الخاصة في إطار الإنعاش الوطني أو صندوق التماسك الاجتماعي، وتخصيص منح تخرجهم من براثين الفقر والهشاشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: