هذه أسباب انتشار العنف والقتل في رحاب الجامعات المغربية
ما زالت رحاب الجامعات المغربية تعرف صراعات طلابية عنيفة تودي بحياة طالبي العلم والمعرفة، آخرهم لقي مصرعه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، إثر مواجهات بين فصيلين طلابيين استعملا الحجارة والأسلحة البيضاء.
ومنذ عقود، لم تسلم الجامعات من معارك ضارية تقودها الفصائل الطلابية بمختلف تلاوينها، من الإسلامية إلى اليسارية والأمازيغية، حتى باتت للجامعة المغربية لائحة كبيرة من “الشهداء” تهدر دماؤهم بسبب خلافات أيديولوجية ترفع شعارات كبيرة.
آخر القتلى في الجامعة المغربية ينحدر من مدينة كلميم، لفظ أنفاسه الأخيرة أمس السبت بعد وصوله إلى المشفى على متن سيارة إسعاف أقلته من المكان الذي شهد مواجهات دامية اندلعت بين فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية، وفصيل الطلبة الصحراويين الذي ينتمي إليه الضحية.
ولم يستسغ عدد من المغاربة استمرار هذا الأمر بالجامعة في القرن الواحد والعشرين، وأطلقوا نداءً يحمل عنوان “لنطفئ نار العنف والفتنة”، معتبرين أن الجامعة ميدان للتباري بأسلحة العلم والفكر وليس للاقتتال بأسلحة العنف والموت.
ودعا عدد من المغاربة على موقع “فيسبوك” إلى ترسيخ السلوك المدني ونبذ العنف بالجامعة، مضيفين أنه لم يعد مقبولاً استمرار “أيديولوجيات تؤمن بمنطق الشمولية ونفي الآخر وحمل السلاح داخل الجامعة في القرن الواحد والعشرين”.
وفي سنة 2016، قُتل طالب يدعى عمر خالق بجامعة القاضي عياض بمراكش على يد طلبة ينتمون إلى فصيل الطلبة الصحراويين، بينما كان الراحل ينتمي إلى فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية، وقبله توفي الطالب عبد الرحيم الحسناوي سنة 2014 بجامعة فاس إثر صراع بين فصيل يساري وآخر إسلامي.
وتُكِّن مختلف الفصائل بمختلف توجهاتها العداء لبعضها البعض، بسبب تبنيها أيديولوجيات تعتبر الآخر على باطل ولا حق له في الوجود، وقد سعت مجموعة من الفعاليات في أكثر من مناسبة إلى الدعوة إلى حوار فصائلي لنبذ العنف وإشاعة الحوار، لكن دون جدوى.
وبعد مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي بجامعة فاس، أعلنت الحكومة عن مذكرة وقعت بين وزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية تتيح للسلطات المحلية أن تسمح للقوات العمومية بالتدخل في الجامعات في حالة وقوع أحداث عنف دون انتظار الإذن من رئيس المؤسسة.
لكن هذه المذكرة تبين أنها غير مجدية، كما لقيت، آنذاك، رفضاً حتى من طرف نقابة أساتذة التعليم العالي، فيما اعتبرها الطلبة استباحة للحرم الجامعي، وتجاوزاً لاختصاصات رئاسة الجامعة، التي تقع على عاتقها مسؤولية الحرم الجامعي.
ويربط البعض استمرار انتشار العنف داخل الجامعة بغياب الديمقراطية والاعتراف بالآخر، ويوضح علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، أنه في هذه الحالة تسود الأيديولوجية والفكر الاستئصالي الذي لا يُؤْمِن بوجود الآخر، وهو ما تعيشه الجامعة منذ نهاية القرن الماضي.
وأضاف الشعباني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الدولة ساهمت في انتشار هذا الأمر بغض الطرف عن الكثير من الاعتداءات والتجاوزات التي شهدتها الجامعة، ولَم تستطع ضبطها، ورجح أن تكون السلطات تستقيد من هذه الصراعات الثنائية بين الفصائل الطلابية.
ويشير الشعباني إلى أن غياب الفكر الديمقراطي يُغيِّب أيضاً التقدير والاحترام وتقبل الآخر، فيطغى العنف، ويرى كل فصيل طلابي نفسه مُهدَّداً، ويريد أن يدافع عن نفسه بسلاح العنف. وأضاف أن هناك سبباً آخر يتمثل في الفوارق الاجتماعية والأيديولوجية بين الطلاب.
ويرى أستاذ علم الاجتماع أن أغلب الفصائل الطلابية تحركها حساسيات سياسية، بشكل علني وغير علني، موضحاً أنه يتم استغلال اندفاع الشباب، حيث يسهل استقطابه وتأطيره وتوجيهه وغسيل دماغه، ويظهر هذا الأمر بشكل كبير في جامعتي فاس ومراكش، اللتين يفد إليهما طلبة من مختلف القرى بتركيبة سوسيولوجية متباينة، وهو عنصر آخر يذكي الصراعات في بعض الأحيان، يضيف الشعباني.
وَمِمَّا أدى أيضاً إلى إذكاء الصراع بين الفصائل الطلابية اليوم هو الفشل في الحفاظ على نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي كانت فيما مضى مجالاً للتنافس الديمقراطي قبل أن ترمي بها الحسابات السياسية نحو عرض الحائط، لتفشل بذلك نقابة “أوطم”، التي كان الملك الراحل الحسن الثاني أول رئيس شرفي لها.